دعا خالد مشعل زعيم حركة حماس الجيش المصرى لإعلان الحرب على إسرائيل.. وقال، فى كلمة له من قطر أثناء الحرب: «ننتظر نَخْوة جيش مصر العظيم».
(1)
كان صادمًا للانتباه.. أن «خالد مشعل» لم يناشد جيش تركيا ولا جيش إيران، وناشد جيش مصر. ومَنْبعُ الصدمة هنا أن زعيم حماس فى حالة «تحالف» مع تركيا وإيران وفى حالة «خصومة» مع الجيش المصرى.
إن مشعل لم يَشَأْ أن يُحرجَ حلفاءَه بكلمةٍ واحدة.. بل أغْدَقَ عليهم الشُّكْرَ والثناء.. واختار «الضغط» و«الإحراج» للجيش المصرى دون سواه!
(2)
إن خالد مشعل يعرف تماما أن الجيش المصرى يواجه تحديات غير مسبوقة فيما يخص الأمن القومى.. وأن كافة الجبهات المصرية صارت مفتوحة. ويعلم- أيضًا- أن الحرب ضد الإرهاب تمتد من أقصى الشمال الشرقى للبلاد عند فلسطين وحتى أقصى الجنوب الغربى عند ليبيا.
ويعلم- كذلك- أن قطر وتركيا وأجهزة مخابرات غربية تعمل معًا على مدار الساعة من أجل إسقاط الحياة الطبيعية فى مصر، كما أنها تعمل مع الجماعات الإرهابية لأجل هزيمة الدولة وإطلاق الفوضى.
كما يعلم خالد مشعل.. أن الجيش التركى والجيش الإيرانى فى حالة فراغ.. وأنهما ليْسَا مشغُوليْن فى الداخل ولا فى الخارج.. وأنهما يملكان من الأفراد والسلاح.. ما يكفى للحرب.. ويزيد. ثم إن قادة تركيا- العضو فى حلف الناتو- يتحدثون يوميًا عن المسجد الأقصى وعن تحرير القدس. ويتحدث قادة إيران فى كل ساعة عن «إلغاء إسرائيل» ومحْوِها من الوجود.
لقد ترك خالد مشعل كل ذلك واتجه إلى الجيش الذى طالما كان الحارس الأمين للقضية الفلسطينية.. لكنه بات يواجه تحالفًا إقليميًا ودوليًا يستهدف إخراجه من معادلة الشرق الأوسط.. ثم إخراجه من معادلة الوطن!
(3)
من حق أى مسلمٍ أن يسأل.. لماذ أسست الثورة الإسلامية فى إيران الجيش الإيرانى؟.. ما العقيدة العسكرية لهذا الجيش؟.. لماذا لم يحارب هذا الجيش إسرائيل، رغم مرور (35) سنة على إعلان الجهاد.. وتحرير فلسطين؟.. لماذا اختار الإمام الخومينى أن يكون أول صواريخ الثورة الإسلامية إلى بغداد وليس تل أبيب؟ ولماذا لم يُطلِق الإمام خامنئى رصاصةً واحدةً فى اتجاه تل أبيب، بينما أطلق كل رجاله فى العراق وسوريا ولبنان؟!
(4)
إن المتأمل لعقيدة الجيش الإسلامى الإيرانى تأخذه الحيرة.. تمتلك إيران صاروخًا يسمى «خَيْبَر»، وطائرات استطلاع بدون طيار تسمى «أبابيل القدس»، وفى مايو 2014 كانت إيران تحتفل بالمناورات رقم (26) تحت عنوان «بيت المقدس»، وفى يوليو 2014 تظاهر الملايين فى إيران فى الجمعة الأخيرة من رمضان- يوم القدس العالمى. وقالت قناة العالم الإيرانية: «خرج الإيرانيون فى كل مكان.. وأصبح هتاف (الموت لإسرائيل) مدويًّا فى (770) مدينة إيرانية».
لكن «صواريخ خيبر» و«طائرات أبابيل القدس» و«مناورات بيت المقدس» و«مليونيات يوم القدس العالمى».. ناتِجُها الإجمالى فى القضية الفلسطينية يساوى «صفرا». فلا عادتْ القدسُ.. ولا سقطتْ خَيْبَر!
(5)
يصل الموقف الإيرانى من الشأن الفلسطينى فى بعض الأحيان إلى مستوى «العبث» و«اللامعقول».. ففى إبريل 2013 قال القائد الأعلى للجيش الإيرانى «آية الله صالحى»: إن الجيش الإيرانى قادر بمفرده على تدمير إسرائيل. ونقلت وكالة «مهر» الإيرانية عن صالحى قوله أثناء الاستعراض العسكرى للجيش الإيرانى: «إننا لسنا بحاجة لاستخدام كل القوات المسلحة الإيرانية.. إن الجيش النظامى، وبعيدًا عن الحرس الثورى والقوات غير النظامية، قادرٌ بمفرده على تدمير إسرائيل»!
وفى يوليو 2014- وإبّان العدوان الإسرائيلى الوضِيع على غزة- تحدث الجنرال «محمد على جعفرى» القائد العام للحرس الثورى عن قدرة الجيش الإيرانى على تدمير إسرائيل عن بكرة أبيها، شريطة أن يفتى المرشد الأعلى بذلك.
وجاء فى نص حديث الجنرال جعفرى: «لوْ أذِنَ لنا القائد المعظَّم للقوات المسلحة آية الله على خامنئى بالجهاد.. فسوف نُسوِّى إسرائيل بالأرض خلال 24 ساعة.. إن صواريخنا تنتظر الانطلاق بلهفةٍ منذ سنين»!
(6)
أثناء تهديد الجنرال جعفرى بتسوية إسرائيل بالأرض، كانت «وندى شيرمان» رئيسة الوفد الأمريكى المفاوض مع إيران تعلن التوصل إلى اتفاق بشأن منشآت نووية إيرانية!
وكان وزير الخارجية الإيرانى جواد ظريف يؤكد «ضرورة ممارسة المزيد من الضغوط على إسرائيل لوقف هجماتها، والتحرك الإنسانى وإرسال المواد الغذائية إلى غزة»!
أمَّا خطيب الجمعة فى طهران السيد أحمد خاتمى فقد قال بوضوح: «إن إيران قدمت ما عليها من ديْنٍ إلى غزة»!
(7)
إن إيران تَفْخَرُ فى كل مناسبة بقوة جيشها، ويتحدث قادتها عن امتلاك صواريخ تصل إلى الساحل الأمريكى، وعن وجود قطع بحرية فى المحيطيْن الهندى والأطلنطى.
تتحدث المصادر العسكرية الإيرانية عن صاروخ «شهاب- 3» الذى يصل إسرائيل، وعن الصاروخ «الكوثر» الباليستى العابر للقارات، وعن صاروخ «شهاب- 10» الذى يصل مداه إلى الأراضى الأمريكية.
ويتحدث قائد سلاح البحرية الإيرانية الأدميرال «حبيب الله سيارى» عن تنفيذ الجيش الإيرانى مهمات بحرية فى البحر المتوسط وجنوب المحيط الهندى.. كما يتحدث عن اجتياز المدمرتيْن الإيرانيتيْن «الوند» و«بوشهد» خط الاستواء.. وعن تواجد قطع البحرية الإيرانية فى مياه المحيط الأطلسى!
(8)
إن السؤال الآن.. إلى أين تمضى إيران؟.. بحارٌ ومحيطات.. وصواريخ عابرة للقارات.. لكنها جميعًا «عَبَرَتْ» إسرائيل، وذهبت بعيدًا!
لا وجود لإسرائيل كعدو «جادّ» فى عقيدة الجيش الإيرانى.. وإلا لما تأجل الصدام معه ثلث القرن.. وبعد أن أصبح الجيش الإسلامى عند خط الاستواء وبعد السواحل الأوروبية.
(9)
لكن ضَعْفَ الهِمَّةِ هذا سرعان ما يتحول إلى «عزيمة» لا مثيل لها.. إذا كان الأمر متعلقًا بالعراق لا بإسرائيل.. وفى الوقت الذى كان فيه جيش العدو الإسرائيلى يضرب غزة، كان الجيش الإيرانى على الحدود مع العراق.. وعشرات الآلاف من الشباب الذين تطوعوا للحرب فيها.
لم يسجل التاريخ المعاصر «ثلاثة متطوعين» إيرانيين للحرب فى فلسطين، لكنه يسجل دومًا عشرات الآلاف من المتطوعين للحرب فى العراق!
إن مناورات «الرسول الأعظم» التى تجريها إيران بانتظام لا تستهدف استعراض قوة الجيش فى مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل، بل استعراض قوة الجيش فى مواجهة العراق والسعودية ودول الخليج.. إن مناورات «الرسول الأعظم» الإيرانية إنما تستهدف «تخْويف العرب» و«رَدْع المسلمين».
(10)
فارقٌ كبير بين الذين يريدون الإمساك بـ«الدولة الفلسطينية» وبين الذين يريدون الإمساك بـ«الورقة الفلسطينية».
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر
اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة