أخبار عاجلة

غزة.. هل فقد المصريون إنسانيتهم!

هل تعرف أن (غزة) واحدة من أكثر المدن كثافة بالسكان في العالم؟

يعني ببساطة، إذا ألقيت بكيس حجارة من طائرة فسوف يكون عدد المصابين منه أكبر من مثيله في أي مكان في العالم، فما بالك بقنبلة أو صاروخ موجه عن بعد!

بالنسبة لي، قضية فلسطين ليست قضية عروبة ولا إسلام- ولا أي دين آخر، إنها قضية أرض احتلها غزاة وقاوم أهلُها، ومازالوا يقاومون.

احتلها غزاة صهاينة، وقاومهم مواطنون أصحاب حق وأرض.

وهو احتلال قريب معاصر، مازالت روايات شهود العيان الذين حضروه ماثلة بين أيدينا، وسوف يظل اسمه احتلالاً طالما ظل أهل فلسطين يقاومون، ولهذا السبب سوف يظل الاحتلال يختبر أبشع وسائل البطش لقتل روح المقاومة، وينتهز كل فرصة للتنكيل بالناس لإخراسهم.

دعك من كل الخلفيات والانتماءات الدينية والسياسية التي قد تثير الخلاف بين إنسان وإنسان.

اخلع لونك وضعه جانباً لثلاث ثوان كفيلة بأن يتجسد فيها الآخر في عينيك بشراً، مثله مثلك، له الحق في أن يحيا على أرضه وأن يقاوم من أجل هذا الحق إذا سُلب منه.

هنا سوف تعرف أن الاحترام ينبغي أن يكون لفعل المقاومة في حد ذاته، صدرت عن مسلم أو مسيحي أو عن ملحد، صدرت عن رجل أو امرأة أو طفل، فمقاومة العدوان فعل جدير- على الأقل- بأن نحترمه، وأن نخجل من أنفسنا إذا عجزنا عن مساعدة إنسان يقاوم في سبيل حقه، بدلاً من مداراة عجزنا بعباءات مهترئة: هذه المرة نتحجج بأن من يقاوم هو فصيل نختلف معه سياسياً، والمرة المقبلة من يقاوم ينتمي إلى دين غير ديننا.. إلى آخره من اشتراطات غير إنسانية، نتحول معها إلى (جحا) في قصته الشهيرة حين ظل يتخلى عن حسه الإنساني وتعاطفه لما اشتعلت النارُ في الحي الذي يقطن فيه، فقال: طالما أنها بعيدة عن بيتي فلا دخل لي، فقالوا له: وصلت بيتك، قال: طالما بعيدة عن شقتي فلا دخل لي، فقالوا: النار في شقتك، قال: طالما بعيدة عن ثيابي فلا دخل لي، فلا هو نجح في أن يكون إنساناً ولا هو بناج من النار التي لابد سوف تحرقه.

فعل المقاومة جدير بأن يحترمه كل إنسان حر، وأن يتعاطف معه بصفة مجردة ومن دون شروط مسبقة.

أن نحترم مقاومة الفلسطيني للمحتل الصهيوني أمر لا يعني بالضرورة أننا نُقر ما تفعله (حماس) أو أننا نعتنق أفكارها، أو أننا نبرؤها من الاتهامات الموجهة لها حتى تثبت أو تسقط.

هل نحترم المقاومة فقط إذا كانت من فصيل حليف لنا! هل نحترمها إذا كانت- فقط- من أجل الإسلام أو العروبة! هل ينبغي أن تتلون مقاومة الاحتلال بأيديولوجية معينة أو أن تضع قبعة دين بعينه حتى نتعاطف معها؟

هل نسأل دم الطفل النازف عن جنسيته وانتمائه قبل أن نتعاطف معه؟ هل نطلب من الأم الثكلى أن تتوقف عن البكاء قليلاً حتى نسألها عن دينها وانتمائها لنحدد إن كنا سنتمكن من التعاطف معها وهي تلملم أشلاء أبنائها الذين فقدتهم جميعاً في دقيقة واحدة!

أسمعك تقول إن ما تقوم به (إسرائيل) هو رد فعل لما قامت به (حماس)! هذا تحديداً ما تقوله الصحافة الأمريكية التي لا تعترف بأن (إسرائيل) كيان محتل وأن كل فعل ضده هو فعل مقاومة! هل اقتنعت بذلك أنت أيضاً، أن فلسطين ليست دولة تعيش تحت الاحتلال! وكأن ما يحدث في غزة الآن هو حرب بين قوتين متكافئتين، ليس بين بشر يقاومون وقوات احتلال!

هل فقدت قدرتك على التمييز لدرجة التخلي عن حسك الإنساني لمجرد أن (حماس) في الصورة!

هل يمكن أن نشمت ونشعر بالفرحة في دم الأطفال والأمهات والشباب في غزة لمجرد أننا مختلفون أيديولوجياً أو سياسياً مع الجبهة التي نرى أنها السبب!

هل صدقت أن إسرائيل كانت في انتظار لعب الأطفال التي تطلقها (حماس) لكي تقوم بعدوانها على غزة!

منذ أيام كتب الإعلامي ياسر عبدالعزيز على هذا الموقع رأياً جديراً بالوقوف أمامه، عن سبب عدوان إسرائيل على غزة في هذا التوقيت، إنها لعبة (الفتوات) الشهيرة، يقوم فتوة المنطقة بتأجير (بلطجية) لاختطاف أحد أبناء الأعيان من منطقة مجاورة، وبالطبع يرفض البلطجي وساطات كل فتوات المناطق ما عدا وساطة الفتوة الذي دفع له، فيعلو صيت الفتوة الجديد.

هذا ما فعلته قطر وتركيا بالتنسيق مع (حماس)، من دون (إسرائيل)، لترفض حماس مبادرة (التي تشبه تماماً مبادرتها تحت حكم الإخوان)، ثم تظهر في الصورة قطر وتركيا بمبادرة مقبولة (فتوات الحارة الجدد).

هل صدقت ذلك؟

صدقته أم لم تصدقه، أعود وأكرر ما قلته: اخلع لونك وضعه جانباً لثلاث ثوان، دعك من كل الخلفيات والانتماءات الدينية والسياسية التي قد تثير الخلاف بين إنسان وإنسان، سوف يتجسد لك الآخر بشراً مثله مثلك، له الحق في أن يحيا على أرضه وأن يقاوم من أجل هذا الحق إذا سُلب منه، هنا سوف تعرف أن الاحترام ينبغي أن يكون لفعل المقاومة في حد ذاته.

صحيح أن التجارب الصعبة تغير الناس، وصحيح أن المصريين مروا بتجارب قاسية في السنوات الأخيرة، جعلت الكثيرين منهم يكفرون بالقومية والعروبة والأمة الواحدة، ولكن ما علاقة ذلك كله بحس التعاطف مع البشر في مصائبهم، حس نصرة المظلوم وإدانة الظلم، حس الرأفة والشفقة على أرواح البشر ودمائهم وأعراضهم، البشر كلهم، قريبهم وغريبهم.

لو لم نفهم هذا السؤال الآن فإننا نقطع بأيدينا آخر الخيوط التي تربطنا بالإنسانية، فلا نلوم إلا أنفسنا عندما نجد أن كراهية العالم للمصريين تزداد، لأنهم- أي المصريين- لا يرون إلا أنفسهم، ولأنهم يمنّون على الناس بما يفعلون، ويعتقدون دائماً أنهم أصحاب فضل على هؤلاء وأولئك، ويتحولون من موقف الحليف إلى العدو لمجرد أن يعبّر الحليف عن رأي يرون فيه أنه غير مناسب، فتنقلب مصر عليه وتطلق عليه كلاب الإعلام تحت دعاوى الحرية.

إذا لم نستدرك الأمر فإنها إشارة واضحة إلى أن المصريين فقدوا إنسانيتهم، أو كادوا.

اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة

SputnikNews