أضحى ركوب سيارة الأجرة فى دمشق مجرد رفاهية، بعدما كانت حاجة لاختصار الوقت والتفرد عن المواصلات الجماعية، وذلك بعد ارتفاع أسعار الوقود بنسبة تجاوزت 22%.
يأتى ذلك فى الوقت الذى كان السوريون يشتكون فيه من عدم التزام السائقين بالتعريفة المحددة سابقا ومضاعفتها عدة مرات تبعا للظروف السائدة من ارتفاع فى الأسعار فى مختلف مناح الحياة المعيشية.
وبدلا من فرض الرقابة، جاء قرار رفع السعر من قبل السلطات التى تعانى أوضاعا اقتصادية وسياسية صعبة فى الأزمة الراهنة، الأمر الذى دفع معظم السكان إلى العزوف عن ركوب سيارات الأجرة ما عدا الحالات الضرورية فى الأغلب.
ويتهكم أحد السوريين من قرار صدر من محافظة دمشق بعد قرار رفع الأسعار، حدد فيه نسب رفع أجور النقل بموجب السعر الجديد للوقود، قائلا، إن "السائقين تجاوزوا هذه النسب بكثير منذ فترة".
ولفت أبو خالد كما قدم نفسه لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) أمام مقهى "الروضة" الشهير وسط دمشق فى شارع العابد إلى أن "السائق يفرض الأجرة على الزبون حتى قبل صعوده إلى السيارة، وألا يرفض توصيله إلى وجهته فى حال لم يقبل بتسعيرته المرتفعة التى يحددها للزبون أو الزبونة التى قد تلقى تسهيلا أكثر ليس لأنها أنثى فقط وإنما قد تكون مشاكلها على الحواجز الأمنية أقل".
ولا تقل الأجرة داخل المدينة عن 100 ليرة، وقد تصل إلى أكثر من 300 ليرة فى بعض الأحيان لمشوار قصير كان الزبائن يدفعون فيه بين 25 إلى 75 ليرة فى أحسن الأحوال قبل الأحداث أما فى حال كانت التوصيلة بين إحدى المناطق بالريف، فيتم ضرب الأجرة المتفق عليها بثلاثة أضعاف، لتتجاوز بكل سهولة 500 ليرة أو تزيد.
وأقرت السلطات السورية منذ أسبوع رفع أسعار البنزين بنسبة 22 بالمائة لتصدر محافظة دمشق عقب ذلك بأيام قرارا برفع أجور النقل العاملة بالبنزين أكثر من 15 بالمائة، فى حين يذهب الكثير من المواطنين إلى أن سائقى الأجرة تجاوزوا هذه النسبة منذ فترة طويلة، متخوفين من مضاعفتها مع القرارات الجديدة.
ويقول بشير الحلبى (موظف) لـ(د. ب. أ)، إنه يفضل استخدام حافلات النقل الجماعية ذات الخطوط الموحدة بشكل دائم حتى لو كان على عجلة من أمره، مع أنها كريهة الرائحة و غير صحية وغير لائقة خاصة السرافيس والتى ارتفعت تعريفتها مؤخرا، لكنها تبقى ضمن حدود المقبول على الأقل، بحسب وصفه.
وأشار إلى أن بعض المناطق التى يقصدها لا تمر فيها هذه الحافلات، لذلك فإنه يضطر للتوجه إليها مشيا على الأقدام لأن أجرة أبسط التنقلات بسيارات الأجرة فى هذه المناطق قد يصل إلى أكثر من 150 ليرة.
أما ممدوح الأسعد فقد لفت إلى أن "ما زاد تعقيدات الموضوع انتشار الحواجز العسكرية والأمنية فى شوارع العاصمة دمشق، والتى تضاعفت فى الفترة الأخيرة، ما أدى إلى تقليل عدد الشوارع التى يمكن أن تمر بها السيارات والحافلات الخاصة والعمومية الأمر الذى يزيد الازدحام وفترات الانتظار، وبالتالى يرفع السائق التسعيرة".
ويقدر السوريون أن عدد الحواجز الأمنية فى دمشق وريفها يتجاوز 400 حاجز أمنى عسكرى مشترك ويبلغ عدد سيارات الأجرة فى دمشق وريفها أكثر من 35 ألف سيارة.
ورغم أن العديد من سيارات الأجرة تسير فى الشوارع وهى شاغرة، إلا أن سائقيها يأبون توصيل أى زبون قد لا تعجبهم وجهته أو لا يتفقون معه على الأجرة أو لتخوفهم من أن تكون الجهة المطلوبة من الزبائن من المناطق الساخنة أو التى تحدث فيها اشتباكات متقطعة.
وانتقد أحد السوريين، واسمه حسام الرفاعى، القرار الحكومى بزيادة أسعار الوقود وقال، "ليس صحيحا مطلقا فى ظل هذه الظروف، فبدل أن تسهم الحكومة فى تحسين وضع الناس نراها تعاقبهم أكثر".
ويصر مسئولون حكوميون على أن الزيادات الحاصلة، والتى تأتى فى إطار "هيكلة" الدعم الحكومى، على أسعار الوقود، ومنها البنزين، الذى يعد متوفرا بنسب أكثر من غيره، ما تزال دون التكلفة العالمية، لكنهم يتناسون أيضا مستوى الدخل المتواضع جدا للسوريين لاسيما بعد أن تجاوز سعر الدولار 155 ليرة، وما أدى لتضخم كبير فى العملات وأسواق الاقتصاد، وجاءت نتيجة الظروف التى تشهدها البلاد.
ومن المعروف أن متوسط دخل الفرد السورى انخفض من 300 دولار فى الشهر إلى حوالى 150 دولارا فى الفترة الأخيرة، نظرا لارتفاع سعر الدولار إلى ضعفين عن سعره السابق وحصول تضخم كبير فى العملة ما أفقدها الكثير من القوة الشرائية.
بينما رفض سعد الأبرش، سائق أجرة، فكرة أن السائق هو الذى يتحمل المسئولية عن ارتفاع أجور سيارات الأجرة وألقى بالمسئولية على الحكومة لرفعها أسعار الوقود.
وقال الأبرش بالعامية السورية لـ(د. ب. أ )، "ما عاد عندها كونترول (الحكومة) ولا عاد بدها تساوى كونترول الناس ما عاد يهموها، هى بتلمس ع رأسها أخى".
ويعتبر الكثير من الأهالى أن السلطات لم تقم بجهود كافية لجهة عدم توفير الوقود بشكل جيد، ما أدى إلى ارتفاع سعره بالسوق السوداء بشكل مضاعف.
ويبين بشير المنجد مواطن سورى أن "إجراءات الحكومة جاءت فى وقت خسر العديد من الناس أعمالهم فيما أثرت الأوضاع الاقتصادية على البلد بالكامل ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير، مع انعدام قدرة الحكومة على فرض إجراءاتها والرقابة على صحة تنفيذها، ما يؤدى إلى تجاوزات كبيرة دون وجود أى رادع قانونى".
وتقلص دور شرطة المرور خلال الأزمة بشكل كبير حتى أن الكثير من سائقى المركبات أصبحوا يعرضون عن وضع حزام الأمان و لا يكترثون للمخالفات ويسخرون من أى راكب يهم بوضعه فى دلالة غير مباشرة إلى أن شرطة المرور لم تعد تقوم بدورها حتى فى هذا الخصوص.
وبين الأجرة المرتفعة والوقت الطويل والازدحام المرورى والحواجز العسكرية وإغلاق طرق، فإن المواطن السورى يبقى الحلقة الأضعف فى وقت يكون اللجوء فيه إلى خيار المشى أنسب وأفضل الحلول وأوفرها لاسيما أن السلطات بدأت بمصادرة حتى الدراجات الهوائية ومن الصعب الاعتماد فى المدن على الحيوانات الأليفة للركوب لذلك يبقى السير على الأقدام الحل المتاح حاليا.