أخبار عاجلة

ناجي العلي.. «حنظلة» عدو الجميع (بروفايل)

بريشاته «خدش الجميع».. حي بيننا بـ«حنظلة» المُقاوم الغاضب، لا بالمفاوضات اعترف ولا إلى الصمت العربي ارتكن، عقيدته من رسومه «اللى ما بدو يقاتل إسرائيل يفرجينا عرض كتافه».. رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي تمر اليوم ذكرى إطلاق النار عليه في لندن (22 يوليو 1987)، تزامنًا مع عدوان غاشم على قطاع غزة لا يعير «خرس عربي» اهتمامًا، لطالما دانه «العلي».

«لا أفهم هذه المناورات.. لا أفهم السياسة.. لفلسطين طريق واحد وحيد هو البندقية».. يقولها الغائب الحاضر صاحب «حنظلة» صريحة قاطعة كأنه يعيش بيننا ومعنا ما يجري حاليًا في الأراضي المحتلة، وسط حملات تشويه المقاومة الشعواء.

يحكي مواطنه الشاعر الراحل محمود درويش عن ناجي العلي: «كنت أكتب وكان يرسم جميع الذين عملوا معه كانوا يقولون إنه أصبح جامحًا وأن النار المشتعلة فيه تلتهم كل شيء، لأن قلبه على ريشته ولأن ريشته سريعة الانفعال والاشتعال لا تعرف لأي شيء حسابًا.. ولأنه يحس بأن فلسطين ملكيته الخاصة التي لا يحق لأحد أن يجتهد في تفسير ديانتها.. فهي لن تعود بالتقسيط.. لن تعود إلا مرة واحدة.. مرة واحدة من النهر إلى البحر وإلا لن يغفر لأحد.. وأعلن الخلاف مع الجميع وخدش الجميع بريشة لا ترحم ولا تصغي للأصدقاء».

بكلمات «درويش» يرسم ملامح حياة «العلي»، كان مثيرًا لغضب الجميع، فلم ترض عنه الحكومات والأنظمة والمحتلين في المقدمة.. اعتبر الرئيس الراحل ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية «متاجرون» بالقضية، وبكلمات ورسوم لاذعة أغضب الاحتلال والأنظمة العربية، وشنت الصحافة المصرية حملة ضده بسبب رسومه الجارحة لأنور السادات بعد توقيعه على اتفاقية كامب ديفيد، فلقب بـ«الرجل الذي شتم ».

ويرد «العلي» على الجميع برسم «من راقب الأنظمة مات همًا»، فهو يرى أن «الطريق إلى فلسطين ليست بالبعيدة ولا بالقريبة, إنها بمسافة الثورة».

صديقه «حنظلة»، هذه الشخصية التي ابتدعها في رسومه لطفل عمره 10 سنوات، كان أداته لتوجيه سياط النقد والتعبير عن مرارة الغربة والبعد عن أرضه المحتلة (قرية الشجرة الواقعة بين طبريا والناصرة) التي هجر منها مع أهله في 1984 إلى جنوب لبنان، ليعيش في مخيم عين الحلوة، ويلقى القبض عليه من جيش الاحتلال الإسرائيلي والجيش اللبناني، ثم يُهجر منه وهو في العاشرة.. ليكتب عليه الترحال منذ ذلك الوقت.

وظهر رسم «حنظلة» في الكويت عام 1969 في جريدة السياسة الكويتية، لطفل أدار ظهره في سنوات ما بعد 1973م وعقد يديه خلف ظهره، وأصبح حنظلة بمثابة توقيع ناجي العلي على رسوماته.. ويؤرخ «العلي» ميلاده في 5 يونيو 1967 ذكرى اجتياح الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، ليكون «أيقونة تمثل الانهزام والضعف في الأنظمة العربية»، حسبما يقول.

«ولد حنظلة في العاشرة في عمره وسيظل دائما في العاشرة من عمره، ففي تلك السن غادر فلسطين وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء.. قدمته للقراء وأسميته حنظلة كرمز للمرارة.. في البداية قدمته كطفل فلسطيني لكنه مع تطور وعيه اصبح له أفق قومي ثم أفق كوني إنساني».. عن «حنظلة» يتحدث ناجي العلي، موضحًا أنه كتف يديه وراء ظهره «بعد حرب أكتوبر 1973، لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطبع».

مبتكر «حنظلة» لن يري وجه صديقه أحد إلا «عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته».

«رحم الله امرىء قدر نفسه».. وناجي العلي يقول «اللي بدو يكتب لفلسطين, واللي بدو يرسم لفلسطين, بدو يعرف حالو: ميت».. ليتوقع بنفسه مصيره و«كثيرًا ما كان ناجي يتنبأ بالأحداث، وهو في أوقات كثيرة كان على حق»، تتحدث أرملته الفلسطينية وداد النصر.

وفي مساء 22 يوليو 1987 أطلق مجهول النار عليه في حي تشيلسي ببريطانيا، عندما كان متأبطا بعض رسومه، متوجها إلى عمله، فأصابه برصاصه تحت عينيه، واستمر في غيبوبة حتى وفاته في 29 أغسطس، ودفن في مقبرة «بروك وود» الإسلامية في لندن، حيث قبر بلا شاهد يحمل الرقم 230190 ومعه علم فلسطيني.

اللافت أن أحد رسومه التي كان يحملها وقت مقتله، كان نبوءة بمقلته بمسدس «كاتم صوت».

أمايه.. وانتى بترحي بالرحى..

على مفارق ضحى..

ـ وحدك ـ وبتعددي

على كل حاجة حلوة مفقودة

ماتنسيش يامه في عدوده

عدوده من أقدم خيوط سودا في توب الحزن

لاتولولي فيها ولا تهللي..

وحطى فيها اسم واحد مات

كان صاحبى يا امه..

واسمه

ناجى العلي

غشيم فى حب الوطن .. طبعا غشيم

ياللى تحب الوطن .. من الصميم

على طريقة العرب في الحب .. عيش

ولىِ .. نقى .. متقى .. لكن لئيم

ـ من رثاء الشاعر عبد الرحمن الأبنودي لصاحب «حنظلة»

SputnikNews