أخبار عاجلة

.. ولـ«غزة ربٌ يحميها»

«تحيط خاصرتها بالألغام.. وتنفجر.. لا هو موت.. ولا هو انتحار.. إنه أسلوب غزة في إعلان جدارتها بالحياة».

من طينة مختلفة خلقوا٬ تراب رام الله وماء الخليل وبرتقال بيسان وزيتون نابلس وعبق القدس.

وفي غزة تتعانق الأضداد. يلقي العدو بكل بطشه فوق رؤوس أهلها٬ فتقوم تنفض عن ثوبها رماد القصف٬ وتلعق جرحها وتهرول لتطمئن على العرب «هل أنتم بخير؟».

صبورة لا تشكو٬ و«لأن غزة بعيدة عن أقاربها ولصيقة بالأعداء» كلما حكت لهم مأساتها ضحكوا وقالوا «افتعال وتآمر».

وللموت في غزة مسار واحد يعرفه الأجنة في بطون أمهاتهم والكهول ما بين حصار في الأرض وانفراج في السماء.

وليل غزة٬ تحت القصف٬ مثل نهارها٬ دمار بطعم الصمود. في غزة تجد عروسًا تؤجل زفافها لاشتداد القصف٬ ثم تؤجله ثانية لسقوط بيت العريس تحت القصف٬ ثم تؤجله إلى الأبد لسقوط العريس شهيدا بفعل القصف.

وفي غزة يصلك القتل صائمًا ومصليًا ونائمًا وقائمًا ومقاتلا ومسالمًا. وفي غزة نساء لا يخفن الموت٬ ورجال يشتهونه٬ وأطفال يمارسونه بوجوه ملائكية وابتسامات ارتسمت بسلاسة بين الوجنتين٬ تتلقفها عدسات مصورين أوروبيين ليحصدوا بها أهم الجوائر.

في غزة تتلقى مكالمة من المحتل الصهيوني يطالبك بإخلاء بيتك في غضون دقائق. لا وقت لديك لوداع فراشك ومكتبتك وفنجان القهوة. مفتاح البيت لن يجد وطناً يسكن فيه حتى إن كان ثقبا في باب. كل شيء هناك إلى زوال عدا الصمود وبهجة تشييع شهيد بالزغاريد وحصاد الزيتون.

في غزة لن تجد بيتاً لم يتزين بصورة شهيد أو معتقل أو مجاهد أو غائب.

المدينة التي احتلها بنو كنعان والإغريق والرومان والفراعنة والمغول والآشوريون والحشمونيون والبيزنطيون والعثمانيون والصليبيون والبريطانيون ترفض منذ الأزل الخضوع.

وفي أرض غزة تتخلى الطبيعة عن طبيعتها٬ وبعدد ما دفنت من أبنائها تطرح وردًا. في غزة وحدها تتحول قذائف الموت إلى البسباس واللوتس والأقحوان والنرجس والجوري والخرفيش والطيون والياسمين والزنبق والسوسن والحميض والأوركيد والدلبوث وشقائق النعمان٬ وزهور تعجز الأرض نفسها عن إحصائها.

في غزة سُجن شمشون حتى الموت٬ ووُلد الشافعي٬ ودُفِن جَدُ النبي محمد «هاشم بن عبد مناف».

ولأهل غزة كبرياء لا يرهقه إلا الخذلان.

عنها يقول محمود درويش «مِن هنا يكرهها العدو حتى القتل. ويخافها حتى الجريمة. ويسعى إلى إغراقها في البحر أو في الصحراء أو في الدم».

SputnikNews