أخبار عاجلة

هاجس القتل (إبداع فيس – 2)

الإبداع على «فيس بوك»، ليس في إنشاء النصوص فقط، ولكن في استخدام طرق مبتكرة للتعبير تستخدم الصورة الفوتوغرافية والفيديو، والرموز المختصرة (إيموشنز)، وفنون الجرافيك والمونتاج الذي يجمع عدة اساليب في فقرة تعبيرية واحدة، كما أنه يتمثل أيضا في انفجار قنبلة النقد الشريع والمباشر، وإمكانية الحوار مع أطراف عديدة، من دون أن تغادر مقعدك، وعندما نشر مقال أمس بعنوان «اطفال الشوارع: الحل المكسيكي»، فوجئت بردود فعل شريعة على الفيس، اتوقف منها في هذا المقال عند نماذج النقد، وهي بالكيع لا تنتمي إلى النقد الاكاديمي أو الاحترافي الخاضع لمدارس أو مذاهب معروفة، لكنه نوع مفيد ومطلوب يمكن تسميته «نقد القارئ» وهو إنجاز حديث لثورة الاتصالات يتيح للكتاب (لأول مرة في التاريخ) فرصة التعرف الواسع على كيفية تلقي نصوصهم من جانب المتلقي العادي، مما يساهم مع الوقت في صناعة مؤشرات لزيادة التفاعل ودرجة الحوار بين الكاتب والمتلقي.

في البداية كتب المهندس يسري الغنام:

يا أستاذ جمال الدكتور نصار عبدالله ليس شاعرا، حضرتك خلطت بينه وبين الشاعر سماح عبدالله الأنور، أما باقي المقال فهو محاولة رائعة لإثبات أن معظمنا كقراء نتعامل مع المقالات بسطحية، ونتربص للكتاب المختلفين معنا في الرأي، ولكن ما تعليق حضرتك على أن الكاتب يعتبر مجهولا لمعظك من علق على مقاله، لدرجة أن أحدهم كتب أنه لم يسمع اسمه أو يقرأ له أي شئ قبل اليوم، ومع ذلك كان يكتب بانتظام غريب ومريب مقال يومي في جريدة روزاليوسف قبل ثورة 25 يناير، ومن المعروف أنها كانت تتبع أمانة السياسات، فمن الذي فرضه على جريدة قومية وما هي علاقته برموز العهد المباركي التعيس، وشكرا.

واحتراما للأخ «فيس بوك»، سأحاول أن انشر التعليقات بنفس طريقته:

جمال الجمل: يا باشمهندس بسيونى راجع معلوماتك مرة تانية ياصديقي، من السهل أن تكتب اسم الكاتب على جوجل لتتعرف على مؤلفاته الفلسفية، والأدبية، ودواوينه الشعرية أيضا.

Ashraf Omar Maklad: المقال سئ يا أستاذ جمال وقد تركت لحضرتك تعليق عليه في الجريدة... مش مستواك بصراحة، وأنا ملاحظ تحيزك للكاتب أكتر من تحيزك للمقال.

جمال الجمل: رأيك دائما محل تقدير يا أشرف، لكنني لم أكتب دفاعا عن مقال أو عن كاتب، أنا كتبت عن مشاكل التلقي، أو مايسمونه في أدبيات النقد «موت القارئ»، لست بصدد مناقشة مضمون مقال نصار عبدالله الذي لا أعرفه شخصيا، ولم أقابله في حياتي، لكنني حزين على مستوى القراءة، نحن نقرأ ما في رؤوسنا، نشتم هذا الكاتب، ونحيي ذلك، بناء على مقياس: هل قال ما نريد أم لا؟.. لقد أصبحنا ندور في إطار مانعرفه فقط، ونطالب الكتاب أن يعيدوا انتاج أفكارنا، ويقدموا لنا وجبة مكررة لاخروج عنها، والمؤسف يا صديقي أن الذين انتفضوا ضد ما اعتبروه دعوة غير إنسانية، يشبهون قوما يطاردون ناموسة بعينها، ويتصورون أن القضاء عليها هو الراحة من مشاكلهم، بينما هم يعيشون بشكل عادي في مستنقع.

دعوات القتل والإقصاء على الهواء، وأنا وأنت وهو وهي.. نتعرض جميعا للإعدام بمياه الشرب، والموت في المستشفيات بالإهمال، والتلوث الغذائي والهوائي، ولا نرى في ذلك جريمة.. هل يحيا أطفال الشوارع أصلا حتى تصدق أن الكاتب هو السفاح الذي يخطط لقتلهم؟.. القصة معقدة ومحزنة، لكنني لا أحب معالجة مشاكلي بتقديم القرابين، مع وافر احترامي لرأيك ولشخصك

Ashraf Omar Maklad: استاذي الكبير المحترم، انت تعرف أنني معجب بحضرتك جدا ومتابع كل كتاباتك تقريبا وأنا لا أختلف مع ما قلته، إلا أن الواضح أن كلامي في خانة، وحضرتك فهمته في خانة تانية، نحن نتفق في الجوهر، يعني حضرتك بتتكلم عن قتل الدولة للمواطنين بشكل غير مباشر في المستشفيات والطرقات والمياه المسممة والإهمال في كل شئ، والناس لا تتكلم عن هذا كله ومسكت في هذا المقال بالتحديد، وأنا أرى أن الكاتب بتاع قتل أطفال الشوارع ده، جزء من الدولة اللي مسترخصانا كلنا، وربنا يرزقنا حسن الاختلاف وحسن الاتفاق دائما.

Muhammad Ben-Ali Al Qalyoby: .... لكن د.نصار ربط بين الحل البرازيلي ومدى قسوته وبين التطور الذي لحق بالقرارت المتعلقة بالفساد وهو ما قاله نصاً «يشبه الوضع الحالي في » على حد ما فهمته.. ما خرجت به من مقالك مسألة حقيقية ومهمة بالفعل، وهي أننا لا نرى إلا النقاط السوداء في صفحاتنا البيضاء، لكن ماذا إن كانت الصفحة مليئة بالحبر الأسود ولا توجد إلا نقطة واحدة بيضاء؟!

جمال الجمل: أنا لا أحب أن يدافع الكاتب عن أي نص، سواء من كتابته أو من كتابة غيره، فالنص عندما يخرج للناس يجب أن ينفصل تماما عن شخص الكاتب، ونتعامل مع النص بالنقد والتشريح وكل هجوم ممكن، ولكن لانفعل ذلك مع شخص الكاتب، وإلا سنصل إلى طريق معاكس يدافع عن عدم القتل هنا ويحرض عليه هنا، وأنا لا اوافق على أي تحريض بالعنف أو الإزدراء ضد أي إنسان، ومنهم بالضرورة اصحاب الراي لأنهم معرضون أكثر من غيرهم للنقد والخلاف، ولهذا فإن توضيحي يتعلق بالمقال لأنني لا أعرف الكاتب، ولا أعرف دوافعه، وعندما قرأت المقال بتفحص، وجدته ينتمي لما نسميه في الكتابة «النص الموازي» يعني يتحدث عن البرازيل لكن عينه على مصر، ولذلك يحق للقارئ أن يحاسبه على التشابه، وقد سرد الكاتب المشكلة في البرازيل وقال بوضوح أنه يتشابه كثيرا مع الحالة المصرية، ثم تحدث عن جريمة عصابات الشرطة لقتل أطفال الشوارع ووصفها بأنها جريمة (وهي بالمناسبة طريقة لها جذور شرعية في الدين الإسلامي تتماس مع حد الحرابة!)، لكن ما يهمني ان أوضحه أن الكاتب أدان هذه الطريقة بوضوح من خلال الاستنكار بعلامات التعجب، وهو أسلوب كان مفهوما في زمن العقاد، لكنه الآن يبدو غير كاف، فحتى الكتاب لا يجيدون استخدام علامات الترقيم، فما بالك بالقراء العاديين، وفي الفقرة الاخيرة، أعلن الكاتب إجمالا أن القسوة لم تكن الحل، بل الحل تمثل في مثلث الإصلاح السياسي، ومكافحة الفساد وتوفير فرص العمل، هذا هو الحل الذي إنحاز له الكاتب، وهذه هي الجملة الصريحة التي توضح رأيه، لأن المقال كله مجرد رواية نقلها، ولم تكن اقتراحا منه ولم يوجه أي دعوة للتحريض أو غيره، من حقك أن تفهم مقاله كما تشاء، خاصة لو كان غامضا في رسالته أو أسلوبه أو توقيت طرحه، لكن عندما يبادر الكاتب بشرح الغامض وتوضيح المقصد، فما مصلحة من يصر على اتهامه بما ينفيه؟!

هذا في تصوري رغبة في القتل، وسلوك عنيف، فحتى لو كتب الرجل كفرا، ثم تاب وأناب وعاد إلى نطق الشهادتين، فيجب أن نشجعه على الإيمان، ولا نطالب بقتله، لكن الغريب أن هناك من يصدق باستماتة أن الكاتب يقصد القتل ويدعو للتحريض، ثم لا يصدق توضيحه؟! لماذا نتبنى بحماس الرأي الغامض الملتبس، ونتجاهل رأيه الواضح؟، لماذا نفضل أن يستمر الكاتب سفاحا قاتلا، ولا نريدوه إنسانا يتحدث عن الرحمة، حتى لو اعتبرنا مقولته الأولى خاطئة؟! هل يذكرنا هذا بحيلة الإسقاط في علم النفس، بمعنى أن احتمال القتل صار حاضرا جدا في ذهن المواطن المصري، وينتظر أن يقترحه أي شخص للتخلص منه ومن مشاكله؟ّ هل أصبحنا نعيش مثل المحكوم عليه بالإعدام، وينتظر التنفيذ في موعد مجهول، فيخاف من صوت الاقدام، وصوت فتح باب الزنزانة؟!، هل أصبحنا نتعامل مع كل حركة باعتبارها احتمال لجرجرتنا إلى حبل المشنقة؟! هل صار الموت هو الحل الذي نفكر فيه للتخلص من مشاكلنا، وصرنا ننتظر أن يعلنه شخص ما، في لحظة ما؟، وهل لهذا علاقة لدعاء الغضب الشهير الذي نسمعه كثيرا في حياتنا اليومية: «ربنا ياخدني عشان ارتاح وأريحكم»!!!.. الموضع يستحق التفكير، وأرجو ألا تتصوروا أنني أفرض وجهة نظري عليكم، أنا فقط أشرح ما فهمته من المقال، من دون أن اتسرع بتوجيه الاتهامات لشخص لا أعرفه مهما كان اختلافي مع رأيه.

ختاما، أذكركم بمقولة فولتير: قد اختلف معك بالرأي، لكني مستعد أن أدفع حياتي ثمنا لحقك في التعبير عن رأيك.

SputnikNews