ستة مشاهد تتكرر يومياً بأماكن مختلفة وأبطال مختلفين، أبطال هذه المشاهد حقيقيين والوقائع للأسف حقيقية، تم إثباتها من خلال محاضر النيابة العامة والمحاكمات والتقارير الحقوقية، هذه المشاهد للمعروفين فقط الذين نجح ذويهم في الوصول للمحامين الحقوقيين ووسائل الإعلام. لا ريب أن هناك أيضا آلاف المجهولين الذين تتشابه قصصهم و يتحملون في الخفاء تواطؤ المنحرفين من أجهزة الدولة المختلفة، وتواطؤ آلاف من مروجي إنتهاكات الظروف الإستثنائية الحالية دائماً!
(1)
مابين الحياة والموت
كمال الدين أحمد سعيد، طالب بكلية الطب جامعة الأزهر، شارك في ثورة يناير، وبعد إنتهاء الثمانية عشر يوماً شارك في تأسيس حزب سياسي مساهمةً في بناء بلاده بالإضافة إلى دراسة الطب المُلحّة، فأصبح هو ووالده ووالدته أحد أوائل المؤسسين للحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي.
يشارك كمال في الموجة الثالثة لثورة يناير التي إنتهت بعزل د. محمد مرسي، ثم يواصل دراسته، تشتعل جامعة الأزهر بمظاهرات الطلاب المؤيدين لجماعة الإخوان المسلمين يوم 13 / 12/ 2013، تُغلق أبواب الجامعة فيلتقي بعدد من أصدقائه المهتمين بالشأن العام بأحزاب الدستور وحركة صوت الطلبة وطلاب مصر القوية والمستقلين على مقهى في الحي المقابل للجامعة بمدينة نصر، تدخل قوات الأمن لتقبض عليهم من المقهى، يُصبح كمال معتقلاً فيما يُعرف بـ "قضية معتقلي القهوة".
بعد أكثر من شهر على حبس كمال تسوء حالته الصحية نتيجة إصابته بمرض في القلب، في إحدى الزيارات يقول أحد الحراس لأهله: "إتصرفوا مع إبنكم مش كل يوم يصحينا بالليل بيموت"، بعدها بأيام يتم نقله لمستشفى السجن بعد أزمة كادت تودي بحياته، ثم يعاد مرة أخرى للسجن. يقدم محاموه طلبات للنائب العام بالإفراج الصحي، أو نقله لإحدى المستشفيات، فيُصدر النائب العام قراره بعد أسبوع من الرحلات المتواصلة للمحامين وأسرته بين النيابة ومصلحة السجون والمستشفيات بتوقيع الكشف الطبي على كمال.
يُنقل كمال بعد تأخير لا يتناسب وحالته المرضية في القلب لتوقيع الكشف عليه في مستشفى ليس بها قسم لأمراض القلب، ليعودوا به مرة أخرى دون كشف. يتحرك المحامون في المسارات القانونية دون جدوى، حيث وكيل نيابة غير متواجد و نائب عام يحيلهم للمحامي العام الذي يحيلهم للنائب العام الذي يطلب مراسلته بخطاب لم يصل أبداً!
ويظل كمال الذي تتلخص كل تهمته بأنه جلس على المقهى مع زملاء له، ينتظر الإنصاف... أو الموت.
صدر قرار إخلاء سبيل كمال أثناء كتابة هذا المقال بعد شهرين من الحبس الإحتياطي دون إتهام جدي.
في خلفية المشهد تظهر المادة 18 من الدستور: "لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة... إلخ.. إلخ..
(2)
25 يناير 2014 القبض العشوائي للجميع
محمود حسن شاب توجه لمنطقة وسط البلد لشراء بدلة زفافه، يستوقفه ضابط كمين شرطة بعد شراء البدلة، يطلب منه التوجه معه إلى القسم حيث يفاجأ بالقبض عليه وإتهامه بالمشاركة مع مجموعة تخريبية لزعزعة الإستقرار قبيل ثلاثة أيام من زفافه!
بسام وأحمد شقيقان 17، 18 سنة في أول يوم بإجازة نصف العام توجها لأحد مراكز وسط البلد التجارية لشراء مستلزمات الكمبيوتر الخاص بهما، وأثناء وجودهما بمحطة مترو محمد نجيب يشاهدان رجال بلباس مدني يعتدون بالضرب على شاب، يتدخلان بشهامة أولاد البلد لمحاولة الفض والإنقاذ، فيتم القبض عليهما وإتهامهما ـ مع الضحية ـ بالتظاهر، فقد كان الرجال ذوي الملابس المدنية من رجال المباحث!
أحمد جابر بطل كاراتيه وشارك في بطولات عديدة، وشارك في بعضها بإسم نادي طلائع الجيش، أصيب فأتى من بني سويف في موعد جلسة العلاج الطبيعي بمستشفى أحمد ماهر ليتم القبض عليه!
محمد عامر، مرشد سياحي توجه لمنطقة وسط البلد لشراء بعض حاجته حيث سيلتحق بعد يومين بمعسكر التدريب التابع لإدارة التجنيد ليقضي 45 يوم تجنيد، تم القبض عليه!
هاني الفولي، طالب بكلية الهندسة بالجامعة الألمانية، شارك في العديد من مسابقات رياضة القفز و التسلق، كان يتدرب بمكتب والده الهندسي بمنطقة وسط البلد، خرج من مكتب والده ليعود إلى منزله، تم القبض عليه!
في خلفية المشهد تظهر المادة 54 من الدستور: "الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس، و فيما عدا حالات التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد ألا بأمر قضائي مسبب... إلخ.. إلخ..
(3)
ثوار تحت التعذيب
أحمد دومة، ناجي كامل، خالد السيد، علاء عبد الفتاح، كانوا نجوماً تستضيفهم وسائل الإعلام منذ ثلاثة سنوات بإعتبارهم شاركوا في ثورة المصريين التي أسقطت الديكتاتور.
لم يمر عام منذ حينها دون أن يُحبس أحمد دومة، سواء أثناء حكم المجلس العسكري الأول أو في عهد مرسي أو الآن.
ناجي كامل وخالد السيد، تظاهرا لإستبدال الحكومة السابقة بالحكومة الحالية التي إتهمتهما بالتظاهر ضدها! ليس هذا فقط، تم تعذيب ناجي وخالد وإجبارهما على خلع ملابسهما والإستحمام بالمياه الباردة وتركهما دون ملابس، ثم نقلهما بعد تعصيب أعينهما ليسمعا أصوات آخرين يتم تعذيبهم صعقا بالكهرباء، ثم يردد القائم بالتعذيب على مسامعهما مشيراً إلى صوت الصراخ "العيال دي ذنبها في رقبتكم يا بتوع الثورة، لولاكم كان زماننا مشيناهم... كان زمانهم في بيوتهم"، للدرجة التي جعلت خالد السيد لم يقو على الحديث مع زوجته ومحاميته أثناء الزيارة، وتم إثبات وقائع التعذيب بمحاضر النيابة!
علاء عبد الفتاح تم إتهامه بخرق قانون التظاهر والمشاركة في التظاهر أمام مجلس الشورى، وهو الآن في وضع غير قانوني، فقد توقفت النيابة العامة عن تجديد حبسه لأنه تم إحالته بقرار إتهام للمحاكمة، لكن لم يتم تحديد جلسة محاكمة له حتى الآن، وهو الأمر الذي يتم تحديده بقرار الإحالة، والآن علاء مسجون لأجل غير مسمى فلا هو في حيازة النيابة التي تجدد له الحبس، ولا هو في حيازة المحكمة التي يجب أن تعلن موعد جلسته القادمة!
في الخلفية صوت لهتاف ردده دائما المئات خلف المتهمين في قضايا الرأي "عمر السجن ما غير فكرة... عمر القهر ما أخّر بكرة.
(4)
إضربوني بالرصاص
9 / 2 / 2014 يتوجه المحامون للحضور مع المتهمين بالتظاهر أمام نقابة المحامين ونقابة الصحفيين يوم 25 يناير الماضي ـ والثابت بالتحقيقات أن كثيرين منهم ضحايا القبض العشوائي ـ ليفاجأ المحامون بشكوى المقبوض عليهم من التعذيب والصعق بالكهرباء داخل سجن أبو زعبل! أصدر بعض المحامون بيانات وتصريحات بتهديد الضباط للمحبوسين إحتياطيًا أمامهم بإستمرار التعذيب إذا ذكروا ذلك أمام النيابة، يحاول المحامون إثبات ذلك أمام وكيل النيابة الذي يرد عليهم: "أنا مش مسئول عن حبسهم"! أخيرًا يصرخ أحد الذين يتم التحقيق معهم: "لو إنتم متضايقين مني قوي، إضربوني بالرصاص هنا، لكن ما ترجعونيش سجن أبو زعبل".
في خلفية المشهد تظهر المادة 53 من الدستور: "التعذيب بجميع صوره وأشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم... إلخ.. إلخ.
(5)
الآن وبعد سته أشهر من الوعد بالقضاء على الإرهاب خلال أسبوعين من التفويض، مازال الإرهابيون أحرارًا ويمارسون أعمالهم الثابت فيها إختراقهم للأجهزة الأمنية، ولا يفكر قيادات هذه الأجهزة في حماية المصريين من الإرهاب بقدر ما يفكرون في حماية الحاكم ـ أيًا كان ـ بتأسيس دولة الرعب والقبض العشوائي على أبرياء، النماذج السابقة نماذج قليلة تم إثباتها في تحقيقات النيابة.
هذه المشاهد أصبحت تتكرر يوميًا مع إختلاف الإسم والظرف لكن يظل المجني عليه والمتهم واحد، مشهد يبدأ بآلاف ممن لم يشاركوا في الثورة أو يؤمنوا بها يحتفلون في ميدان التحرير بالعيد الثالث للثورة التي لم تنتهي بعد على أنغام أغنية تسلم الأيادي، ثم يتسع المشهد تدريجيًا حيث يتعالى فيه هتاف ملايين المصريين الذين خرجوا للشوارع يومًا ما ولن يعودوا دون حلمهم بوطن عادل للجميع "رجع الباشا بنفس الوش، واللي إتغير بس الصورة، الله يرحم ف التحرير، كان بيبص بعين مكسورة".
(6)
هطلع إرهابي
يجمع المشهد الأخير شخصيات قصة ذات حبكة درامية سيئة و نهاية مأساوية، من بينها ضابط جيش و أب و طالب بالأزهر و رجال قانون و رجال شرطة و قاضي
يقول القاضي متأثرًا: "معلش يا إبني، ثم يكتب على أوراق القضية قراره "يُحبس المتهم 15 يوماً على ذمة التحقيق على أن يراعى له التجديد في الموعد".
كان هذا هو رد القاضي على طالب من المتهمين بالتظاهر من طلاب جامعة الأزهر أثناء تجديد حبسه لمدة 15 يوم للمرة الثالثة حين طلب من المحامين التحدث للقاضي فسمحوا له، فيقول: "حضرتك أنا طالب في جامعة الأزهر وباين من المحضر والأوراق إني ماليش علاقة بالمظاهرات، وأبويا ضابط بالقوات المسلحة علمني يعني إيه الوطنية وحب جيش بلادي، وأنا عندي 17 سنة، وحضرتك وأنا وكل المحاميين عارفين إني ماعملتش حاجة، وبيتجدد حبسي بقالي شهر ونص، حضرتك تفتكر لما أطلع من هنا هابقى إيه؟!... إرهابي طبعاً!".