أخبار عاجلة

«موناليزا».. «سلاح إسرائيلي» لعزل «فلسطينيي 48» عن هويتهم الوطنية (تحليل إخباري)

بحذاء عسكري أحمر، يُشير إلى انتمائها إلى كتيبة «كركال» الإسرائيلية، التي تخدم على الحدود مع ، ظهرت «موناليزا عبده»، فتاة تنتمي لأسرة مسيحية من «فلسطينيي 48»، في مقطع دعائي نشره الجيش الإسرائيلي على موقع «يوتيوب»، بعنوان: «ومضات من جيشنا (موناليزا)».

وقفت «موناليزا» في مقطع الفيديو في وحدتها العسكرية على الحدود المصرية، تؤدي التحية العسكرية للعلم الإسرائيلي، بينما في الجانب الآخر من الحدود، نقطة مراقبة مطلية بألوان العلم المصري، تقول: «تجندت لجيش الدفاع الإسرائيلي لأني جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل، جئت أخدم دولتي وبيتي»، ثم تظهر وهي تدرب مجندتين على السلاح، وتقول: «وظيفتي كقائدة بجيش الدفاع الإسرائيلي هي أن أمنع دخول الإرهاب ودخول المخدرات وأمنع دخول اللاجئين السودانيين لدولة إسرائيل، ومنع دخول المخدرات لا يحمي فقط الشعب اليهودي وإنما أيضًا الشعب العربي».

تعرف إسرائيل جيدًا كيف تُجند وسائل إعلامها لتنفيذ خطط حكوماتها المتعاقبة، فالدولة التي تُعلن بمناسبة أو بدون أنها واحة الديمقراطية في المنطقة، مازالت صحفها تخضع للرقيب العسكري، ولأوامر حظر النشر، ولاتفاقات سياسية بين رئيس الوزراء ورؤساء التحرير، لمنع النشر في قضية بعينها، أو توجيهها في الاتجاه الذي يخدم المصلحة الإسرائيلية العليا، كما حدث في قضية السجين «x» الأسترالي الجنسية.

وهكذا جاء نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي لوسائل الإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، لمقطع الفيديو، الذي ظهرت فيه «موناليزا»، لتتلقفه وسائل الإعلام الإسرائيلية، ومن بينها الناطق باللغة العربية، على شبكات التواصل الاجتماعي ضمن توجه الإسرائيلية الرامي لعزل المسيحيين من «فلسطينيي 48» عن انتمائهم الوطني، وتصنيفهم في خانة القومية ببطاقات الهوية على أنهم «مسيحيون» وليسوا «عربًا».

وفلسطينيو 48 هم الفلسطينيون الذين لم يغادروا مدنهم وقراهم عام 1948 وبقوا فيما بات يعرف باسم «دولة إسرائيل»، وحملوا الجنسية الإسرائيلية قسرًا. ويُشار في بطاقات الهوية الإسرائيلية إلى كونهم عربًا.

ويأتي فيديو الجيش الإسرائيلي، في الوقت الذي يُناقش فيه الكنيست، مشروع قانون تقدم به رئيس الائتلاف الحاكم في إسرائيل، ياريف ليفين، من شأنه التمييز بين الفلسطينيين المسيحيين (من أبناء فلسطينيي 48) على الفلسطينيين المسلمين، ونقلت صحيفة «معاريف» عن ليفين قوله: «هذه التشريعات تشير بشكل منفصل إلى الجمهور المسيحي، الذي سينفصل عن العرب المسلمين، هذه خطوة تاريخية ومهمة ستسمح لإسرائيل بتحقيق توازن والربط بيننا وبين المسيحيين، وأنا أصر على ألا أناديهم عربًا، لأنهم ليسوا عربا».

وبحسب «ليفين» فإن المسيحيين من أبناء فلسطينيي 48 سيحصلون بموجب هذه التشريعات التي تفصلهم عن هويتهم الوطنية على «امتيازات خاصة»، يقول ليفين: «المسيحيون سيكون بمقدورهم العمل كمدريرين بالشركات الحكومية، وسيحصلون على تمثيل منفصل في السلطات المحلية، وفرص متساوية في العمل».

ويأتي مشروع القانون الذي تقدم به «ليفين» في أعقاب حملة كبيرة بدأتها مؤخرًا الحكومة الإسرائيلية تهدف إلى إقناع الشباب المسيحي من «فلسطينيي 48» بالخدمة في الجيش، حيث لا يُجبر القانون الإسرائيلي «فلسطينيي 48» على آداء الخدمة العسكرية.

التوجه الإسرائيلي بعزل مسيحيي «فلسطينيي 48» عن انتمائهم الوطني، قوبل برفض شديد من رجال الدين والشخصيات المسيحية في الداخل، في هذا السياق، عقد الائتلاف الوطني للمؤسسات المسيحية في فلسطين، اجتماعًا مؤخرًا، لتجديد رفضه لهذه المحاولات الفلسطينية، بمشاركة البطريرك ميشيل صباح، والمطران منيب يونان، والمطران عطا الله حنا.

وأصدر الائتلاف بيانًا، حصلت «المصري اليوم» على نسخة منه، قال فيه إن التوجه الإسرائيلي الرامي لتجنيد المسيحيين وعزلهم عن هويتهم الوطنية هو استمرار لسياسة «فرق تسد»، التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي، وقال الائتلاف إن هذه الحملة هي «بمثابة انتقام من المسيحيين الفلسطينين، الذين نجحوا في الآونه الأخيرة في استمالة العديد من الجهات والكنائس العالمية إلى أخذ سياسات مناهضة للاستيطان ولسياسات إسرائيل، التي تحرم الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة، وعليه أصرت المؤسسات والشخصيات الاعتبارية وبالإجماع أن فلسطينية شعبنا المسيحي في إسرائيل أو فلسطين أو في أي مكان لا يمحوها شعارات أو أي محاولات مشبوهة».

وعملت إسرائيل منذ قيامها على محو الهوية الوطنية لـ«فلسطينيي 48»، عبر تقسيمهم إلى فرق وطوائف، حيث اعترفت إسرائيل بالفلسطينيين الدروز كقومية منفصلة، ولا تصنفهم ضمن «فلسطينيي 48»، وأقرت إسرائيل في عام 1956 بانضمام الفلسطينيين الدروز إلى الجيش الإسرائيلي، باعتبارهم دروزًا لا فلسطينين، كما أقرت في عام 1958 بانضمام الشركس المسلمين إلى الجيش الإسرائيلي، على اعتبار أنهم قومية منفصلة، ووافقت أيضًا في نفس العام على تجنيد البدو، الذين تنظر إليهم باعتبارهم بدوًا لا فلسطينيين، رغم عدم وجود قانون لتجنيدهم حتى الآن.

وقال المحلل السياسي الفلسطيني، والقيادي بالجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، برهوم جرايسي، لـ«المصري اليوم» في اتصال هاتفي من الناصرة، إن «توجهات الحركة الصهيونية منذ وصلت إلى فلسطين، والتي تهدف إلى تفريق العرب إلى طوائف وفرق ومجموعات».

وأشار «جرايسي» إلى فصل السلطات الإسرائيلية الفلسطينيين الدروز والبدو رسميًا عن «فلسطينيي 48»، قائلًا إن هذا الفصل «فشل في عزلهم عن شعبهم». وأكد أن «الصهيونية بدأت بالطائفة العربية الدرزية، وحاولت جعلها قومية منفصلة، ثم لجأت بعد ذلك إلى فصل العشائر البدوية عن شعبها، لتجعل التقسيم دروزًا وعربًا وبدوًا، ثم تحاول جعله الآن دروزًا وعربًا وبدوًا ومسيحيين ومسلمين».

وأضاف: «لست قلقًا من هذه المبادرات.. هي تولد ميتة لأنها لا تجد قواعد تستوعبها»، وتابع: «هذه المبارات أيضًا ليست جديدة كليًا، تم طرحها في السابق لفصل المسيحيين عن عروبتهم، هي محاولات نابعة عن عُقدة صهيونية، بعد أن اخترعت حركتها شعبًا يهوديًا على مستوى العالم، رغم أن اليهودية ديانة وليست قومية، لذلك يريدون اختلاق الشعوب على أساس الديانات».

تُشير إحصائيات الصفحات الإسرائيلية الناطقة باللغة العربية على شبكات التواصل الاجتماعي إلى العدد الكبير من الشباب العربي، الذي يُتابع هذه الصفحات، وتُشير الإحصائيات أيضًا أن معظم من يتابعون هذه الصفحات، هم من جيل 18 إلى 35 عام، لذلك تستخدم إسرائيل هذه الصفحات لتقديم رسائل سياسية موجهة، إلى الشباب الفلسطيني والعربي، تُمهد لقرارات وقوانين إسرائيلية في الطريق، وتجعلهم جاهزون لاستيعابها والتعامل معها وكأنها أمر طبيعي، ومن أهم هذه القوانين الآن، «قانون ليفين» الذي يمهد له الجيش الإسرائيلي باستخدام «سلاح موناليزا».

SputnikNews