بهدوئه ووقاره الأخَّاذ ونظرته التي تحمل الكثير من الحكمة خرج علينا في ظهوره الأول فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية في حواره التليفزيوني مع الإعلامي شريف عامر في برنامج الحياة اليوم المذاع على قناة الحياة، ليتناول مجموعة من القضايا الهامة والتي تشغل الشارع المصري، أهمها مشاركته في لجنة إعداد الدستور الجديد. والذي أكد على أن الأزهر الشريف استطاع أن يحافظ على ثوابت الشريعة الإسلامية في الدستور، خصوصًا المادة الثانية التي تؤكد أن "الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع" هي مادة حاكمة على كل مواد الدستور، وأضاف أن ممثلي الأزهر الشريف في لجنة الدستور قد بحثوا المادة 219 كي يروا هل تصلح لتفسير كلمة مبادئ، لكنهم بعد البحث العلمي وجدوا أن هذا التفسير به الكثير من الغموض، وأنهم لو أخذوا به فسيكون هناك خلل في البنية التشريعية. لكنهم حريصوا من ناحية أخرى على وجود مادة في باب الأحكام العامة وهي المادة 227 والتي تقول: "يشكل الدستور بديباجته وجميع نصوصه نسيجاً مترابطاً وكلاً لا يتجزأ وتتكامل أحكامه في وحدة عضوية متكاملة"، وهي مادة لم توضع في دستور مصر من قبل والذي جعلهم يضعونها هو التخوف على كثير من المواد، وحرصًا منهم على أن تكون هذه المادة مع المادة الثانية ضمانة لوجود مرجعية الشريعة الإسلامية في الدستور"، وهذا يعكس الجهد الكبير الذي بذله ممثلو الأزهر الشريف وعلى رأسهم فضيلة مفتي الجمهورية. لم ينس فضيلة المفتي إيمانًا بدوره على رأس الإفتاء في مصر أن يبين أن الإسلام قد وضع ضوابط للعملية السياسية أهمها ألا يتم استغلال الدين من أجل تحقيق مصالح سياسية أو لتزييف إرادة الناس وتوجيههم، وهذا الأمر طالما عانينا منه كثيرًا، مؤكدًا أنه لا تأثير على إرادة الناخبين بل بالعكس يكون دورنا التوعية والإرشاد، مؤكدًا أن الشعب المصري مر بأوقات عصيبة على مدار تاريخه ومع ذلك استطاع أن يجتاز كافة الأزمات. والأهم هنا أن فضيلته تحدث عن دور المؤسسة الدينية في الدستور الجديد هذه المؤسسة التي اتهمت ولعقود كبيرة أنها متساهلة في أمر الدين، وأنها ليست حريصة على الشريعة الإسلامية، وأنها هي من تداهن وتنافق الحكام، وأن الفئات الأخرى من التيارات الإسلامية هم حراس العقيدة والشريعة، وأنهم هم من يحملون على عواتقهم حماية هذا الدين. الأمر هنا بدا مختلفًا تمامًا من خلال ما سرده فضيلة المفتي من وقائع عن كواليس إعداد الدستور وكيف أن الأزهر بممثليه هم من كانوا الأحرص على الشريعة الإسلامية من غيرهم، وأنهم هم حائط الصد أو الردع لكل من رأى في نفسه القوى لينال من مادة الشريعة الإسلامية في الدستور، وهي المادة الثانية التي تؤكد أن "الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"، وهي مادة حاكمة على كل مواد الدستور، فالأزهر أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه هو الأحرص على الشريعة ولم يدخل في سجال لا طائل من ورائه، لكن حرصه هذا ترجم من خلال التوافق الذي أحدثه ممثلوه في لجنة الدستور، والجهد المبذول من أجل إذابة كافة الخلافات بين أعضاء اللجنة. الأجمل في الأمر أن ممثلي الأزهر كانوا الأحرص على فكرة التوافق التي كانت غائبة عن المجتمع في السابق، وأن هذا الدور يعتبر الأبرز وهو ليس إنجاز الدستور بقدر حالة التوافق التي تمت برعاية الأزهر الشريف والتي اعترف بها الأنبا بولا ممثل الكنيسة في لجنة الخمسين واعترف بها ممثلوا التيارات الأخرى من الليراليين والعلمانيين. الأزهر ورجاله كانوا الأحرص على تطبيق فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال بيان عملي فعلي وليس من خلال مجموعة من الكلمات الجوفاء ليعطوا للآخرين درسًا أن مصر تحتاج أفعالاً لا أقوالاً فنحن قد خرجنا من زمن الكلمات المعسولة إلى زمن البناء والأفعال. بهذا الكلمات الجميلة والمعلومات القيمة خرج علينا مفتي جمهورية مصر العربية في حواره الأول والذي نتمنى ألا يكون الأخير، بل يكون بداية لسلسلة من الحوارات التي تعالج الكثير من القضايا التي تمس المواطن المصري والتي تقدم علاجًا لكل قضايا الوطن. نحن نريد أن نرى رموزنا الدينية المعتبرة يقدمون لنا الحلول ولا يتركون الساحة للهواة أو أصحاب الأغراض المريضة كي يلوثوا عقول البشر فنحن قد سئمنا من هذه الوجوه التي لبست على الناس أمر دنياهم ودينهم
علي حسن السعدني يكتب: رسائل مفتي مصر من كواليس الدستور
علي حسن السعدني يكتب: رسائل مفتي مصر من كواليس الدستور