أخبار عاجلة

على فرزات: السخرية تهز عروش الأنظمة القمعية وتصيبها فى مقتل.. والكاريكاتير يقاتل مع الثوار

على فرزات: السخرية تهز عروش الأنظمة القمعية وتصيبها فى مقتل.. والكاريكاتير يقاتل مع الثوار على فرزات: السخرية تهز عروش الأنظمة القمعية وتصيبها فى مقتل.. والكاريكاتير يقاتل مع الثوار
رسام الكاريكاتير السورى الذى حاول نظام «الأسد» تحطيم أصابعه لـ«الوطن»: حزين لوضع السوريين بمصر (2-2)

كتب : حسن عبدالله الإثنين 09-12-2013 10:46

ريشته رصاص، ترسم ديكتاتوراً، أى ديكتاتور، فيتحسس الزعماء العرب رؤوسهم ومسدساتهم ثم يصوبونها نحوه! على فرزات، رسام الكاريكاتير السورى المعروف، فنان سياسى بامتياز، قبيل انطلاق الثورة السورية بثلاثة أشهر رسم كاريكاتيراً أفزع سوريا؛ «القذافى» يفر فى سيارة متهالكة و«الأسد» يشير إليه (AuTO STOP) كى يهرب معه هو وأسرته، وفى اليوم التالى ترصدته ثلة آثمة من شبيحة النظام وأثخنوه طعناً وضرباً وتحطيماً لأصابعه التى يرسم بها، ثم ألقوه فى العراء بين الحياة والموت. واندلعت الثورة السورية المباركة، فكان «فرزات» فى طليعتها برسومه وأعماله التى حملها الثوار وغزت العالم. وصوب على فرزات الكاريكاتير نحو الديكتاتوريين العرب من جديد، ولكن هذه المرة بالاسم والرسم وبلا رموز، وبدأ منهجه القتالى الجديد بصديقه فخامة الرئيس الديكتاتور «بشار» و... أطلق ريشته، وترنح «الأسد» وهو على وشك السقوط. فى الكويت، التى انتقل للإقامة فيها، التقيت على فرزات بمكتبه فى جريدة الوطن الكويتية التى يعمل بها، فى حوار مطول حول ريشته المغموسة فى مداد من دم السوريين الأطهار وأوجاع أخرى. وهنا الحلقة الثانية من الحوار:

■ كيف استقبلت أغنية على الحجار التى كتبها «الأبنودى» لك وللثورة السورية؟

- لا أملك صدقاً أى عبارة تفى هذه المشاعر الطيبة، التى عبر عنها أخى عبدالرحمن الأبنودى وعلى الحجار فى أغنيتهما، حقها. هذه هى القلب والرقى، مصر الشعب التى تتواصل مع سوريا الشعب منذ آلاف السنين، وسيجرف هذا التواصل كل أشكال الفساد والسياسات القذرة والطحالب العابرة والمؤقتة عن طريق هذا الصرح الإنسانى العظيم.

النظام السورى سقط بعد 6 أشهر من انطلاق الثورة.. نحن الآن نحارب إيران وروسيا وحزب الله وإسرائيل وأمريكا

■ هل ستصدر جريدتك الساخرة «الدومرى» من القاهرة؟

- الحقيقة أننى حزين، فهناك بعض الأخبار التى تصل إلىّ بخصوص وضع السوريين فى مصر وتعامل السلطات معهم بقسوة وفرض تأشيرة عليهم. وأنا لا أنكر أن بعض السوريين شاركوا الإخوان فى أنشطتهم لكنهم أعداد محدودة، وكان هناك سوريون آخرون يقفون مع الشعب المصرى فى ثورته على الإخوان، وبالتالى ينبغى ألا يوضع الجميع فى سلة واحدة، وأن تعود مصر منارة تحتضن كل المبدعين العرب.

■ عندى سؤال أخشى أن أطرحه عليك حتى لا تغضب.

- تفضل اسأل، وأعدك ألا أغضب.

■ هل تأثرت رأسك بالعلقة التى أخذتها؟

- (مندهشاً): لم يحدث، ولكن لماذا هذا السؤال؟!

■ لأننى لاحظت أن أعمالك قبل العلقة كانت أشد تألقاً ووهجاً عما هى عليه الآن!

- (ضاحكاً): لم يحدث أى شىء لريشتى ولا لرأسى، بل بالعكس صرت أشد إيلاماً عن السابق؛ أعمالى تنشرها كبريات الصحف العالمية كنيويورك تايمز والجارديان وغيرهما، وأصابعى التى حاولوا تحطيمها ظهر لكل واحد منها عشرة أصابع تقاتل مع المقاتلين الذين يحملون رسوماتى ويعلقونها فى معسكراتهم. لعلك تأثرت بنشر الجريدة لبعض أعمالى القديمة عند سفرى للخارج.

■ لكنك فى كل أعمالك تصطدم بالسياسى ورأسك كان مطلوباً من عدة أنظمة ولم ينقذك إلا الربيع العربى، أليس كذلك؟

- (ضاحكاً) نعم نعم، لكننى أنتقد ممارسات كالقمع والظلم وغياب البديهيات كالحريات والعدالة، فمثلاً أرسم عن الديكتاتورية فيحتج 4 أو 5 من الديكتاتوريين كما حدث مع «صدام» و«القذافى» و«الأسد» وغيرهم. أرسم قيماً إنسانية عامة فيتحسس لصوص الحرية وسُرّاق الفرحة من حياتنا رؤوسهم وأقفيتهم.

■ فى المرحلة السابقة من حياتك الفنية كانت رسوماتك رمزية وصامتة بلا تعليق، لكنك تخليت عن هذا الأسلوب، لماذا؟

- الفكرة الآن خرجت من عموميتها إلى الشخصية المقصودة، فبدلاً من توجيه النقد إلى ديكتاتور بشكل عام أصبحت أضع لهذه الشخصية التى صبغت حياتنا بالذل والعار إطاراً محدداً وواضحاً، فعلت هذا مع صدام حسين ثم مع الزعيم الذى كان محرماً مجرد رسمه بالكاريكاتير فى سوريا. لا بد من تحطيم هذه الآلهة المزيفة، وكما فى الملاكمة لا بد من توجيه الضربة القاضية للخصم بعد جولات من المناورات والمناوشات، ونحن كنا نناور بالرمز حتى جاءت لحظة الحقيقة لتوجيه الضربة القاضية لتلك الديكتاتوريات ورموز الظلم، ولإزالة هذا الوهم الذى عشش فى عقول الناس، لقد صار بعض المرضى والشبيحة يسجدون لصور الزعيم أثناء الثورة فى سوريا! وأنا أشعر بالفخر لأن هذا الجيل الذى يقود الثورة الآن حرر عقله من أكاذيب «البعث» والزعامات الزائفة، وصار يدفع حياته من أجل حريته ووطنه.

■ الرمز بطبعه جميل لأنه حمّال أوجه وينشط العقل، ألا تعتقد أن المباشرة ستكون خصماً من رصيدك الفنى الذى تشكل عبر السنين؟

- لا بد فى لحظات تاريخية معينة أن تلبس الرمز اللباس العسكرى وينزل ليقاتل مع الناس، ينبغى أن تواكب حرارة الشارع الذى يتعرض للقتل والتنكيل به، وفى الوقت ذاته لا يفقد الرمز قيمته الفنية. مقتل الكاريكاتير هو التعرض للفكرة مباشرة، ولذلك لا بد من رمزية معينة تضفى عليه طابعاً إنسانياً، فالمباشرة تكون فى الشكل وليس الفكرة، لقد استخدمت الرسم المباشر للرئيس فى سوريا كى أكسر حاجز الخوف والرهبة والقداسة التى صنعتها الأجهزة الأمنية والإعلام له طوال العقود الماضية، وإلا فأنا جبان وأخون نضال الشعب الذى يواجهه بصدور عارية يومياً، لا بد أن يقاتل الكاريكاتير ويثور مع الناس.

■ ما الذى جعل الكاريكاتير أحد أسلحة الربيع العربى التى استخدمتها الشعوب فى انتفاضاتها وثوراتها؟

- تعرف أن الكاريكاتير فن ساخر، وقد تبين أن السخرية أصابت الأنظمة الديكتاتورية فى مقتل، عاينت ذلك بنفسى على أرض الواقع، ولذلك فأنا اليوم بصدد إعادة إصدار جريدة «الدومرى» مرة أخرى، وسيكون الموضوع الرئيسى فى العدد الأول هو «المقاومة الساخرة» بالكاريكاتير والمشاهد المسرحية التى تقطر سخرية، رأينا ذلك فى مصر وتونس وليبيا وسوريا وغيرها من بلدان الربيع العربى. فى حمص على سبيل المثال كانت المقاومة تسخر من دعاوى النظام الذى يصف الثوار بالعصابات الإرهابية بتمثيل مشهد ساخر، يعلق فيه الممثلون (المقاومون) الباذنجان كقنابل وقرون البامية كطلقات، ويحاكون رأس النظام والمقاومة بشكل كوميدى ساخر وموجع، كما أن المقاومة كانت تراسل بعضها فى الدول الثائرة عبر اللافتات الكاريكاتيرية فتقرأ مثلاً: «من جرذان سوريا إلى جرذان ليبيا: نحن معكم»، اكتشفت الشعوب أن السخرية تهز العروش لأنها تكسر الهيبة التى نسجتها الأنظمة حول نفسها عبر سنين، كطائر نقار الخشب الذى يظل ينقر الشجرة الضخمة حتى يخترقها.

■ هل خرجت بأعمالك من أسر الورق والجريدة إلى رحابة الشارع؟

- نعم، قمت بعمل معارض لرسوماتى فى الحدائق العامة والشوارع، وتبرع بعض المواطنين بنشر أعمالى فى المحافظات إلى أن هاجمونى واعتدى الشبيحة علىّ بالقسوة التى رآها الجميع.

■ ألا يفكر رسامو الكاريكاتير العرب الذين اكتشفنا أهميتهم أخيراً فى تكوين تجمع جديد لهم؟

- نحن قنابل موقوتة بالنسبة لكثير من الأنظمة العربية، ومن الصعب أن نتجمع فى بلد واحد، فالبعض منا ممنوع من دخول بعض الدول، وثمة من هو مطلوب الرأس، وأزعم أنه لا يوجد مكان واحد يمكنه تحملهم.

الكاريكاتير فن محارب وصدامى، وهو ما يضع أمامه ألف حاجز ونقطة تفتيش، لذلك فأنا أفضل أن يكون رسامو الكاريكاتير جزراً متناثرة حرة على أن يتجمعوا فى مكان واحد، إنهم مشاغبون.

■ بعض هؤلاء المشاغبين من زملائك لا يفرقون بين الكاريكاتير والنكتة.

«بشار» كان يسألنى: «أنت تقيس نبض الشارع.. بماذا تنصحنى؟».. وكنت أطالبه بالنزول للشارع.. لكنه لم ينزل

- كان وما زال هدفنا أن نخرج مفهوم الكاريكاتير من النكتة والتهريج إلى الموقع الفاعل المؤثر فى العقل والوجدان والشارع. مجلة تايم الأمريكية أجرت استفتاء حول أكثر 100 شخصية مؤثرة فى العالم عام 2012، واختارنى قراؤها من بين العشرة الأوائل، وهذا لم يأت من فراغ وإنما لأننا نقلنا الكاريكاتير من السطحية والتهريج إلى التأثير والمواجهة.

■ هناك بعض الفنانين العرب الذين ينقلون الكاريكاتير من الصحف الأجنبية نصاً مع ترجمة بالعربية للتعليق عليها، والأمثلة كثيرة، ولعلك تعرفها.

- بداية، الاستفادة من أعمال الآخرين طبيعى، لأن الثقافة حلقات متواصلة، فأنت تنتج ثقافتك وتستمر فيها حتى يتسلمها منك غيرك ويحملها كشعلة الأولمبياد التى يحملها العدّاء من بلد إلى الآخر. أما الاستنساخ فهذا مشكلة، لأنه سرقة لأعمال الغير وقلة حيلة ونضوب فنى، فهناك فنانون كجامع المطر الذى يجف بمجرد تعرضه للشمس، وثمة آخرون كالنبع الفوار الذى لا يجف.

الجيل الذى يقود الثورة الآن حرر عقله من أكاذيب «البعث» ويدفع حياته من أجل وطنه

■ ما رأيك فيمن يشكك فى الربيع العربى ويعتبره مؤامرة خارجية على دوله؟

- الربيع العربى لم يكن معروضاً بالسوبر ماركت واشترته الشعوب، وإنما هو ظاهرة مناخية طبيعية، فكما تنتقم الطبيعة لنفسها بالزلازل والبراكين والعواصف عندما يعتدى عليها، كذلك البشر؛ يشكلون «تسونامى» إنسانياً عندما تنتهك كرامتهم وحريتهم وتمارس الأنظمة عليهم القمع والظلم، فيكتسحون هؤلاء الظالمين.

■ أنت كنت مقرباً من النظام فى سوريا فهل...

- (مقاطعاً) هم من كانوا يتقربون منى، ولم أزر أى مسئول فى مكتبه، «بشار» هو الذى كان يزور معارضى ويحضر إلىّ، لم أكن محتاجاً إليهم، لكنهم هم من كانوا يحتاجون إلىٌ. «بشار» كان يقول لى «أنت تقيس نبض الشارع، فبماذا تنصحنى؟»، فقلت له انزل للشارع. لكنه لم ينزل. لو كنت استفدت شيئاً منهم لكانوا فضحونى وشهروا بى.

■ ما رأيك فى الدعوة التى أطلقها البعض للحوار مع النظام فى...

- (مقاطعاً مرة ثانية ولكن بغضب) أى نظام؟! وأين هو كى نتحاور معه؟! نحن نحارب وإيران وحزب الله وإسرائيل وأوروبا وأمريكا، فالنظام سقط بعد أقل من ستة أشهر من انطلاقة الثورة، لكن هؤلاء جميعاً هم من يحاربون الشعب السورى ويقتلونه إما بالسلاح أو بالصمت المتآمر. النظام السورى هو نتاج مافيات عالمية تتصارع الآن على حصصها.

■ ترسم فى صحف الكويت منذ نحو ربع قرن، فماذا عن تجربتك؟

- أعتقد أن ربيع الكويت الدائم وفر لى مساحة كبيرة من الحرية، فلم يتم منع رسم واحد لى، أنا أرسم بكل حرية فى الكويت، وهو ما يشكل دعماً أخلاقياً وإنسانياً ووطنياً أعتز به، وفى محنتى الأخيرة وقفوا معى بكل قوة ومنحونى رعايتهم وضمدوا جراحى التى أُثخنت بها.

DMC