عبدالرحمن سالم -الفيوم-
مع شروق صباح كل يوم يمسك عم محمد احمد عبد العزيز بكرسيه الخشبي المتهالك ومنضدته الصغيرة ليجلس بجوار الجدار ، هو لا يقصد أو يتعمد الجلوس في قارعة الطريق ، لكن الواقع المؤلم اجبره علي ذلك ، جلس في مكانه المعتاد بجوار مصنع الحصير عند مفارق حماده في تلك المدينة البسيطة سنورس ، يظل قابعا في المكان لساعات طويلة ، يترقب الناس المارين من امامه ، الوقت يمر ببطئ شديد واللحظات تتوقف ، يحاول ان يعيد ترتيب اموره وتنظيم حياته من جديد ، لكن للاسف كل مرة يخفق في التخلص من تراكمات السنين ، طموحه بسيط ، وكل ما يرجوه ان يكون شخصا اخر مختلف عن الان ، يحاول الهروب من فقر يكبل كيانه ويقيد ذاته وحزن يطرد افراحه ، القدر اوقعه امامي ، عندما رأني انا واحدي الاعلاميات نرصد لمشكلة ما بالقرب منه ، هرول مسرعا الينا ليشكو مرار الكأس وعسر الحال ، كلماته وقعت علي مسامعي كالسيل اغرقتني في الاحزان ، عذرا فكل تكتب إلا وجع الحاجة وذل السؤال ، نظر إلي وسألني وكأنه يعلم اني مؤسس لحركة مشاركة شعبية ، أو رئيس لجمعية السواقي للتنمية ، قال لي .. اين ضمائرهم .؟ ألم يؤلمهم عسر حالنا . واين ذهبت ألسنة تصدح ليل نهار وتتغني بالدفاع عن الفقراء ومناصرة حقوق الانسان . اين نحن المعذبون في الارض من قانون الحد الادني من الاجور .؟ تساؤلات عديدة ألقاها علي اذني ، رق لها قلبي وانفطر امامها فؤادي ، للاسف عجزت عن الرد أمام شخص كل عمله هو الجلوس امام مرفق المياة ليكتب طلب أو شكوتين من مواطن اخر الي المسئول يريد تركيب عداد مياه أو الابلاغ عن ماسورة انفجرت امام منزله ، ليعود الي اسرته في نهاية يوم شاق بخمسة جنيهات أو أقل ، شرد بذهنه عني فجأة ، تركني برهة من الوقت ونظر الي علم مصر المرفوع علي المبني المقابل لجلسته بكرسيه ومنضدته الصغيرين ، خاطب العلم نادما .. ابكيك يا مصر أم انتي التي تبكي علي شخصي النحيل ، الجرح فيكي لكن نزفه يؤلمني ، دمعت عيناه وواصل عم محمد أحمد شكواه قائلا .. سجل يا سيدي وأرصد جيدا ، قل لهم ولا تخف ، لا تخشي علي جمعيتك أو حركتك الشعبية ، قل لهم علي لساني ..عندما يسرقون اسمك وبيتك وأهلك وبيتك ، فليس عليك إلا ان تقول الحمد لله ، صراحة وقتها شعرت بجهلي وتواضع مستواي الفكري ، القيت بغروري وجنون العظمة جانبا تملصت من حركتي الشعبية وجمعيتي الاهلية كما نصحني ، لم اعلم ماذا قصد من الجملة السابقة ، وما اذا كان ذلك اسقاط علي الواقع السياسي المرير الذي نعيشه الان ، لم أرد ان اثقل بسؤالي علي رجل تئن اوجاعه ووهن الامل بداخله ، قلت في اعماقي لا تحزن يا عم محمد ، فكلنا انت ايها الرجل