لم يكن القلق الذي سيطر على عدد من قادة إسرائيل قبل انطلاق حرب أكتوبر بساعات منحصراً في تل أبيب فقط.
كانت المعلومات قد تناثرت بسرعة البرق إلى الجبهة الجنوبية وهناك التقط العميد محلي «بينو» نائب مدير المدرعات الإسرائيلية بسيناء، المعلومات الواردة بشغف.
كان «بينو» نائباً للجنرال «ماندلر» مدير المدرعات الإسرائيلية بجبهة سيناء، والذي اشتهر بلقب «الرجل الحديدي» وهو أيضاً صاحب الفضل في إعداد خطة تحرك المدرعات الإسرائيلية في سيناء والتي أطلق عليها اسم «برج الحمام».
الخطة اعتمدت على تحريك المدرعات في أقصى سرعة ممكنة إلى الضفة الشرقية بمجرد ورود معلومات عن احتمالات عبور المصريين للمانع المائى. وبالفعل بدأ «بينو» في تنفيذ خطة «برج الحمام»!
كانت عقارب الساعة تشير إلى الساعة 1405 عندما اتصل الجنرال جونين قائد جبهة سيناء بـ«البرت ماندلر». وقال له: لقد حان الوقت لتنفيذ خطة «برج الحمام»، لم يتمالك «ماندلر» نفسه، ورد بتوتر على جونين قائلاً: «نعم لقد حان الوقت.. إن المصريين يمطروننا الآن بقنابل». اعتقد ماندلر أن القنابل المصرية هي مجرد معركة خاطفة أو عملية محدودة وغاب عن «الرجل الحديدى» أن مصر استطاعت أن تعبر بعزيمتها من الهزيمة إلى النصر وأنها في طريقها لتدمير «أبراج الحمام»!
والمثير أن يوم الأحد السابع من أكتوبر كان محدداً للاحتفال بتوديع مخطط «أبراج الحمام» بنقله من منصبه في قيادة مدرعات سيناء إلى هيئة أركان جيش الدفاع الإسرائيلي. كان «البرت ماندلر» الجنرال المدلل لكثير من قادة إسرائيل، فهو من الرعيل الأول لقادة آل صهيون. وساهم بجهد كبير في الجيش الذي سعى «بن جوريون» إلى تكوينه من العصابات الإسرائيلية المختلفة ومنها «الجنداع» و«الهاجاناه»، واشترك «البرت» منذ ذلك الحين في كل المواجهات العربية الإسرائيلية بدءًا من حرب فلسطين إلى أن أصبح قائداً لأحد الألوية المدرعة في حرب يونيو 1967.
تحولت أحلام الجنرال الحديدي بين يوم وليلة إلى سراب، فخلال اليوم الذي كان مقرراً أن يحتفل فيه بتوديع جبهة سيناء كانت القوات المصرية تحتل المواقع التي كان من المفترض أن تتمركز فيها المدرعات الإسرائيلية وفقاً للتحركات المحددة في خطة «برج الحمام»، وبين دقيقة وأخرى كان «ماندلر» يتلقى معلومات لا تنذر بأي خير مما دفعه إلى الاتصال بقيادته ليخبرهم بأنه اشتبك في أول أيام المعركة بنحو ثلاثمائة مدرعة ولم يتبق منها سوى أربع فقط مع أول ضوء في اليوم التالي.
وظلت الخسائر تتوالى يوماً بعد يوم حتى جاء يوم الخميس 18 أكتوبر1973، وفي هذا اليوم كان «جونين» قائد جبهة سيناء يحلق بطائرة مروحية لتفقد المواقع ومتابعة سير العمليات الحربية على الجبهة. ومن الطائرة أجرى اتصالاً لاسلكياً مع «البرت ماندلر» داخل المصفحة التي يتجول بها داخل الموقع وبعد ثوان معدودة من المحاولة انقطع الاتصال اللاسلكي وانزعج «جونين» من انقطاع الاتصال بـ «البرت» وقال: «يبدو أن هناك أمراً ما».
صدق حدس «جونين»، فقد رصدت عناصر الاستطلاع المصرية موقع الرجل الحديدي وانطلقت قذيفة مصرية إلى المصفحة الإسرائيلية التي يستقلها مخطط «أبراج الحمام» لتنفجر على الفور وبداخلها الرجل الحديدي وعدد من الضباط الإسرائيليين.. وتنتهي إلى الأبد أسطورة «أبراج الحمام» هي ومخططها في يوم واحد.