أخبار عاجلة

«الوطن» تواصل نشر مذكرات «مشير النصر»: المخابرات العامة.. دور لا ينسى

«الوطن» تواصل نشر مذكرات «مشير النصر»: المخابرات العامة.. دور لا ينسى «الوطن» تواصل نشر مذكرات «مشير النصر»: المخابرات العامة.. دور لا ينسى
مخاوف الساعات الأخيرة بعد ترحيل الخبراء الروس.. ورصد تفاصيل ما جرى من أجل نجاح «حرب الكرامة» فى ضرب نظرية الأمن الإسرائيلى

كتب : سماح حسن الأحد 13-10-2013 08:24

تلقيت صباح الخميس 4 أكتوبر، اتصالاً هاتفياً من الرئيس السادات، أخبرنى فيه باجتماعه مع السفير السوفيتى لدينا، فى منزله بالجيزة، وأن السفير نقل له طلب الكرملين السماح بهبوط أربع طائرات نقل سوفيتية فى مطار القاهرة صباح الجمعة 5 أكتوبر لنقل الخبراء والمدنيين السوفيت من العاملين فى المصانع والقطاع المدنى، والعودة بهم لبلادهم، وقال لى الرئيس إنه وافق على ذلك، وعلم من السفير أن سبب تلك الخطوة المفاجئة خشية موسكو من اندلاع حرب باتت وشيكة، وخشيت أن يثير سفر تلك الأعداد ريبة المترددين على المطار، وأن يثير الشكوك حول أسباب سفرهم، فاقترحت على الرئيس هبوط الطائرات فى أحد المطارات العسكرية، فوافقنى الرأى.

رجال الجهاز السيادى «تكفلوا» بخطة تدمير محطة المحولات الكهربية بوادى العريش لتعطيل ثلاجات حفظ أطعمة العدو وتكييف غرفة عملياته.. صباح 4 أكتوبر

كان الإعداد للمعركة ولساعة الحسم يجرى على قدم وساق.

وانتقل الرئيس السادات يومها إلى قصر الطاهرة، حيث كان قد تم إعداده من قبل القوات المسلحة بكافة تقنيات الاتصال، ليتمكن الرئيس من متابعة الموقف أثناء الحرب فى حال تعرض الاتصالات لأية مشكلة قد تنجم عن الأعمال العسكرية.

فى ذات الوقت، الذى كنت أحمل هم رحيل أكثر من ثمانمائة سوفيتى، خوفاً من أن يلفت هذا نظر قادة إسرائيل ويدفعهم للبحث وراء أسبابه؛ ولذا قلت للسفير السوفيتى حينما جاء للاتفاق على إجراءات رحيل مواطنيه؛ إن من حقه أن يفعل ما يشاء، ولكننى أرى الوقت غير مناسب للقيام بتلك الخطوة، فلم يجب سوى بالقول إن تلك إرادة القيادة فى موسكو، وكان له ما أراد يوم الجمعة الخامس من أكتوبر.

كانت الأوامر قد صدرت بتدمير محطة المحولات الكهربائية الإسرائيلية الواقعة خلف جسر وادى العريش، وذلك لمنع إمداد معسكرات العدو فى سيناء وثلاجات حفظ طعامه الضخمة وأجهزة التكييف فى غرفة العمليات، بالطاقة الكهربائية إلى جانب تدمير مركز التنصت الذى أقامته إسرائيل فى تلك المنطقة.. وكان السؤال المُلح كيف نفعل هذا؟ ولكن رجال المخابرات المصرية كانوا قد حددوا الوسيلة، وموعد التنفيذ الذى بدأ صباح الخميس 4 أكتوبر، ولذلك قصة لا بد من روايتها، حيث تعبر عن معدن المصرى الأصيل واستعداده لبذل الغالى والرخيص من أجل وطنه.

وما حدث أنه وفى يوم الخميس دخل رجل فى الأربعين من عمره لصيدلية فى شارع 23 يوليو بمدينة العريش المحتلة منذ عام 1967، وأعطى تذكرة الدواء للصيدلى محمود حمودة، الذى بدأ فى قراءتها وكانت تحتوى على نوعين من الدواء، هما: 6 حقن ڤيتامين ب المركب و12 كبسولة مضاد حيوى كلورومايسين، ولكن كانت هناك خطوط صغيرة تحت رقم 6، وحرف ب ورقم 12 فى التذكرة، فأدرك الصيدلى أن تلك رسالة مُشفرة، سرعان ما فك رموزها وعرف المهمة المكلف بها، فمنح الرجل الدواء، وسارع لإغلاق صيدليته، والإرسال لبعض زملائه لتنفيذ مهمة تدمير محطة المحولات التى خططت لها المخابرات العامة المصرية منذ أسابيع معهم، وزودتهم بالمتفجرات والعبوات الناسفة اللازمة لذلك.

ولهذا توجهت لمكتبى فى صباح يوم الجمعة، الذى كان قد تم تحديده كيوم لتنفيذ تلك العملية فى العريش وظللت فى انتظار خبر نجاح العملية، وذلك لأهمية تدمير تلك المحطة قبل بدء الحرب.

وشعرت بالارتياح مع ورود أخبار نجاح عملية التدمير، ولا أملك هنا سوى الانحناء لهؤلاء الأبطال الذين كتبوا بدمائهم بطولة جديدة لحماية أمن الوطن.

أثناء وجودى فى مكتبى يوم الجمعة الخامس من أكتوبر، دخل علـىَّ اللواء حسن الجريدلى، وسألنى إن كان معى أمر موقع بالحرب والقتال من القائد الأعلى للقوات المسلحة، فأجبته بالنفى، وأضفت: «يا حسن الخطط جاهزة، والريس يعرف كل التفاصيل، وأصدر التوجيه السياسى فى الأول من أكتوبر».

فأجابنى حسن بقوله إن الواجب علينا حفظاً للتاريخ، أن يكون معنا أمر مكتوب وموقع من القائد الأعلى للقوات المسلحة، كوثيقة للتاريخ يتم حفظها بالسجلات الرسمية، وهو ما حدث، فعندما جاء الرئيس السادات إلى مركز العمليات مساء الخامس من أكتوبر لمتابعة الاستعدادات النهائية للقوات، وقع على أمر القتال الذى كتب نصه اللواء حسن الجريدلى وكان نصه:

توجيه استراتيجى من رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة إلى الفريق أول أحمد إسماعيل على وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة..

1 - بناء على التوجيه السياسى العسكرى الصادر لكم منى فى أول أكتوبر 1973، وبناءً على الظروف المحيطة بالموقف السياسى والاستراتيجى: قررت تكليف القوات المسلحة بتنفيذ المهام الاستراتيجية الآتية:

(ا) إزالة الجمود العسكرى الحالى، بكسر وقف إطلاق النار اعتباراً من يوم 6 أكتوبر 1973.

(ب) تكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة فى الأفراد والأسلحة والمعدات.

(جـ) العمل على تحرير الأرض المحتلة على مراحل قتالية حسب نمو وتطور إمكانيات وقدرات القوات المسلحة.

2 - تنفيذ هذه المهام بواسطة القوات المسلحة المصرية منفردة أو بالتعاون مع القوات المسلحة السورية..

وهكذا سجل التاريخ وثيقة أمر بدء القتال والموقع من الرئيس السادات فى 5 أكتوبر عام 1973 كنت أتابع الاستعدادات فى اللحظات الأخيرة قبيل المعركة بقلق شديد وذلك لأسباب عديدة منها تسريبات الصحافة الإسرائيلية أن قوات جيش الدفاع الإسرائيلى تراقب عن كثب كل ما يدور على الجانب المصرى من قناة السويس، وتتخذ كافة الإجراءات لتفادى هجوم مصرى مفاجئ. لقد توقعت أن تثير تدريباتنا وتحركاتنا على ضفة القناة شكوك إسرائيل، ولكن كان الغرور قد وصل منتهاه بقيادات العدو الذى كان يرفض تحليل البنتاجون لما يرد من أخبار عن الجبهة المصرية، واحتمال وقوع هجوم وشيك، بل إنهم كانوا يتعاملون مع التحرك على الجبهة المصرية على أنه مجرد مناورة لإيمانهم أن المصريين لن يفعلوا شيئاً. فى ذات الوقت الذى خشيت فيه أن يلفت رحيل الخبراء المدنيين السوفيت يوم 5 أكتوبر، أنظار إسرائيل ومحلليها، ولكنهم لم يسمعوا سوى أصوات عقولهم.

الغريب فى الأمر، أن العدو حصل فى يوم الخميس 4 أكتوبر على صور التقطتها طائرات الاستطلاع الأمريكية توضح اتخاذ قواتنا وضع الهجوم، وكذلك الأمر على الجبهة السورية التى كانت تتأهب لوضع هجومى بدفع المدفعية المتوسطة للأمام، ولكن رجال المخابرات الإسرائيلية تعالوا على تلك اللقطات ولم يروا فيها سوى مناورة عسكرية. والحقيقة أننا كنا سَرَّبنا تلك المعلومات قبل أشهر من الحرب، مبررين ما نقوم به من مناورات عسكرية، برغبة الرئيس السادات فى امتصاص غضب قوات الجيش من تأخر إعلان موعد بدء الحرب.

فى صباح السادس من أكتوبر، وأثناء وجودى فى مكتبى، جاءنى كل من اللواء محمد حسنى مبارك، واللواء محمد على فهمى، وكان هدف زيارتهما الاطمئنان على وضع القوات الجوية وقوات الدفاع الجوى، بعدها بدأت فى الاتصال من داخل مركز العمليات (10) بكل القادة وقادة الجيوش الميدانية لأخذ تمام الاستعداد لتنفيذ عملية الهجوم من كل قائد، كان اللواء حسنى مبارك قائد القوات الجوية، قد نبهنى إلى أن سماء لا توجد بها طائرة واحدة، بعد إصدار الأوامر للطيارين بأخذ وضع الاستعداد لساعة الصفر، وخشى مبارك أن يثير اختفاء طائراتنا شكوك الإسرائيليين الذين اعتادوا رؤية طائراتنا بشكل يومى أثناء التدريب، فما كان من قائد القوات الجوية إلا أن أصدر قراره لقادة بعض القواعد الجوية، بالسماح لعدد من الطائرات بالانطلاق والقيام بأعمال تدريبية معتادة على ارتفاعات يُسمح باكتشافها ليطمئن العدو بأننا نمارس نشاطنا التدريبى المعتاد.

قبيل الحرب بساعات، أخبرتنى المخابرات الحربية بأن جولدا مائير صدقت لرئيس الأركان الإسرائيلى على طلب منحه سلطة إعلان تعبئة القوات الاحتياطية فى السابعة من صباح يوم السبت السادس من أكتوبر، وكان دافعه فى ذلك ورود معلومات له بقرب وقوع هجوم مصرى سورى وشيك.. والأكثر أن الجنرال داڤيد إليعازر طلب من الإسرائيلية بناء على هذه المعلومات الواردة له السماح له بشن هجوم إجهاضى ضد الجبهة المصرية والسورية، فى الواحدة ظهر السادس من أكتوبر. أى قبل ساعة واحدة من بدء هجومنا، إلا أن حكومته رفضت طلبه!!

وزير الدفاع يكشف حقيقة الثغرة: طوَّرنا الهجوم يوم 14 لتخفيف الضغط عن سوريا.. واحتوينا قوات العدو تماماً عدا «جيب الدفرسوار» وبدأنا حرب استنزاف جديدة أوقفها قرار «مجلس الأمن»

حرب الكرامة

كان طبيعياً أن يكون أول هدف سياسى استراتيجى لأى عمليات للقوات المسلحة المصرية هو إثبات فشل نظرية الحدود الآمنة لإسرائيل، وأن هذه النظرية ما هى إلا وسيلة للتمسك بالأراضى المحتلة من قبل قادة الصهيونية.

وعلى ضوء هذا الهدف، وصلنا إلى أن تحقيقه يتطلب من القوات المسلحة تحقيق عدد من الأهداف تتلخص فى: هزيمة قوات العدو الإسرائيلى فى سيناء والهضبة السورية، والاستيلاء على مناطق ذات أهمية استراتيجية تهيئ الظروف المناسبة لاستكمال تحرير الأراضى المحتلة بالقوة، لفرض الحل السياسى العادل للمشكلة.

وبناءً على هذا الهدف الواضح، كان على القيادة المصرية أن تخطط للقيام بعمليات هجومية استراتيجية مشتركة، تنفذ بالتعاون مع القوات المسلحة السورية وتقوم فيها مصر بالاقتحام المباشر لقناة السويس، وتدمير خط بارليف، والاستيلاء على «رؤوس كبارى» بعمق 10 - 15 كيلومتراً على الضفة الشرقية للقناة، وتكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة، وصد وتدمير هجمات العدو المضادة، وتطوير الهجوم شرقاً لتحقيق مهمة القوات المسلحة.

وقد تحقق هذا الهدف كاملاً، لقد ثبت لإسرائيل والعالم أن نظريتها فى الحدود الآمنة باطلة، وبالتالى، انك

DMC