| أبطال الصاعقة يروون لـ"الوطن" مهمة الموت في 200 يوم خلف خطوط العدو بحرب أكتوبر

بالفيديو| أبطال الصاعقة يروون لـ"الوطن" مهمة الموت في 200 يوم خلف خطوط العدو بحرب أكتوبر | أبطال الصاعقة يروون لـ"الوطن" مهمة الموت في 200 يوم خلف خطوط العدو بحرب أكتوبر
عبدالرؤوف خليفة بطل الصاعقة في معركة "السبت الحزين" قاتل خلف خطوط العدو رغم إصابته بقذيفة

كتب : ربيع ممدوح منذ 6 دقائق

أرواح محمولة على الأيادي، مهمة مستحيلة، وذهاب بلا عودة، تدربوا بشكل قاسٍ، خاضوا معارك شرسة خلال حرب اليمن وحرب الاستنزاف، أهلهم هذا ليقع عليهم الاختيار في إنجاز "مهمة الموت".

أبطال الكتيبة 83 صاعقة أو كما أطلقوا عليهم "العائدون من الموت"، كانت مهمتهم عمل كمائن خلف خطوط العدو وعرقلة تحركاته بالقرب من مطار أبورديس بجنوب سيناء، خلال حرب 6 أكتوبر، أتموها جيدا ولم يعد منهم سوى 5 أبطال بعد 200 يوم خلف خطوط العدو.

بعد 40 عاما، التقت الـ"الوطن" اثنين من هؤلاء الأبطال، ليرويا بطولاتهم وبسالتهم يوم العزة والكرامة، وكيف عادوا من "المهمة المستحيلة".

بدأ بطل الصاعقة اللواء أركان حرب مجدي شحاتة حديثه عن دوره وبطولاته في حرب أكتوبر، عن الكتيبة 83 وبطولاتها وبسالتها خلال حرب اليمن وحرب الاستنزاف، وكيف كان ترابط هذه الكتيبة، والتي وصفها بأنها كانت أسرة واحدة وبها كفاءات عالية جدا ولها العديد من الأعمال البطولية، والتي كان من أهمها عملية "السبت الحزين" التي كبدت العدو الإسرائيلي خسائر فادحة خلال حرب الاستنزاف، إضافة إلى أن الكتيبة كانت لها بطولات في عمليات الاستطلاع وزرع الألغام.

الأبطال: مكثنا 5 أشهر في مغارة بالجبل وكنا نسير يوما كاملا لإحضار المياه ونعيش على حفنة دقيق

وقال عنها زميل الكفاح وأحد أبطالها عبدالرؤوف جمعة، إنه انضم إلى هذه الكتيبة منذ التحاقه بالخدمة الوطنية أثناء حرب اليمن، وفي حرب الاستنزاف قام وعدد من جنود الصاعقة بقيادة اللواء عبدالحميد خليفة بعملية وصفتها الصحف الإسرائيلية بـ"السبت الحزين"، حيث دمروا دبابتين و5 سيارات لنقل الجنود وأسروا مجندا إسرائيليا، "يهودي من أصل إسباني".

وأضاف: تم نقل الكتيبة قبل إعلان ساعة الصفر إلى منطقة نائية بالقرب من الزعفرانة ومنطقة الكريمات لتلقي التدريبات هناك، في الوقت الذي أكد فيه عبد الرؤوف أنه تم تسريحه من الجيش هو وعدد كبير من الجنود، كنوع من التمويه، وبعد أقل من شهر تمت إعادته هو وباقي زملائه إلى صفوف الكتيبة في الزعفرانة.

العقيد كمال عطية قائد المجموعة ألقى كلمة معنوية على الضباط والجنود والتي كانت بمثل الإشارة لقرب ساعة الصفر، لتلهب حماسة الأبطال واشتياقهم ليوم الكرامة.

وكانت لحظة الصفر لجنود وأبطال الصاعقة بعد هذه الكلمة المعنوية مباشرة، ليتم تشكيل الفرق وتستعد كل منها للتحرك بالطائرات الهليكوبتر للانتقال إلى خلف خطوط العدو.

وصف بطل الصاعقة المهمة التي أسندت إليهم بالمهمة الانتحارية "ذهاب بلا عودة"، لأن أقرب قوات لنا في هذه المنطقة كانت على بعد 200 كيلو متر، وليس معنا سوى إمدادات معدودة تكفي لمدة ثلاثة أيام فقط، خلال فترة الصمود إلى أن تصل إلينا أي إمدادات أخرى.

وتابع: تحركنا في عدة محاور، لكل محور منهم عدة طائرات، وكنت ضمن المجموعة التي توجهت إلى وادي سدرة في أبو رديس، "بعد وصولي في أول طائرة انتظرت باقي الطائرات، وبعد طول انتظار لم تصل إلى مطار أبو رديس سوى طائرة واحدة فقط، انتظرنا ثلاثة أيام ولم يكن هناك أية تحركات على الطريق الرئيسي وكانت مهمتنا قطعه وعمل كمين عليه"، وفي اليوم الثالث وبعد انتظار الأبطال للاشتباك مع العدو، جاءت لحظة الحسم، "في اليوم الثالث وصلت مجموعة كبيرة جدا للعدو ومرت بالطريق، وكان يبدو أهمية هذه المجموعة من خلال تأمينها بأكثر من 15 سيارة".

واستطرد بطل الصاعقة، "وجدنا صيدا ثمينا، والولاد كانوا متلهفين للثأر"، كان في مقدمة مجموعة العدو عدد 2 أتوبيس، ونظرا لأهمية من كانوا فيه من ركاب، قرر قائد المجموعة اللواء مجدي شحاتة ضرب هذه الأتوبيسات أولا، ومع أول صيحة "الله أكبر" انهال وابلا من الأعيرة النارية وقذائف الأر بي جي والقنابل اليدوية باتجاه الأتوبيسات وباقي المجموعة، حتى دمرت بشكل كامل خلال دقائق.

وأضاف: انسحبنا من مكان الكمين باتجاه القاعدة على بعد 4 كيلومترات، وفي صباح اليوم الرابع أجرت قوات العدو مسحا شاملا للمنطقة بحثا عن أبطال قوات الصاعقة المصرية التي نفذت العملية، حتى اكتشفوا مكان تمركزهم، "قاموا بمحاصرتنا بكل الأدوات القتالية من دبابات ومدفعية وطائرات، وكان عددهم أكثر من 500، بينما كنا لا نتعدى 40 فردا، وبعد حرب نفسية لمحاولة استسلامنا فاجئنا العدو بمعركة شرسة كبدناه خسائر فادحة، جعلتهم يتراجعون لضربنا، واستمرت هذه المعركة حتى نفذت جميع ذخائرنا واستشهد جميع جنود المجموعة".

الأبطال يروون الدور البطولي والوطني للعرب والبدو في مساعدة الجيش أثناء المعركة

وتابع: لم يتبق من المجموعة بأكملها سوى قائدها اللواء مجدي شحاتة، الذي ظل أكثر من 12 يوما في مطاردة مع العدو بحثا عن أي ناجٍ من الفرقة "كنت وحدي بعد معركة فقدت فيها جميع جنودي وأحبتي"، قررت التوجه إلى الشمال للانضمام باقي القوات، باتجاه وادي بعبع مكان وجود اللواء عبد الحميد خليفة ومجموعته من كتيبة الصاعقة، وبعد ثلاثة أيام من الرحلة، ومطاردة عنيفة من اليهود، تقابل مع عدد من البدو وصفوا له طريق الوصول إلى وادي بعبع لينضم إلى مجموعة الصاعقة هناك بقيادة اللواء عبد الحميد خليفة، حتى وصل إلى المنطقة.

واستطرد: أثناء اختبائه ليلا عن أعين العدو، سمع أصواتا، فقام بالنداء على زميله "عبدالحميد" حتى وصل إليه أحد البدو، فقال له تعالى سأرشدك عن باقي زملائك، حتى وصل لمقابلة اللواء عبدالحميد خليفة ومعه ثلاثة جنود من بينهم الحج عبد الرؤوف جمعة.

هنا يتذكر عبدالرؤوف بطل الصاعقة، الأحداث قبل الالتقاء باللواء مجدي شحاتة، حيث قامت الطائرات بنقله هو وزملاؤه بقيادة اللواء عبدالحميد خليفة إلى وادي بعبع، ودارت معارك عنيفة بين قوات الصاعقة والعدو، كبدوا فيها القوات الإسرائيلية خسائر فادحة، حتى نفذت جميع ذخائرهم، واستطاعو قطع الطريق على إمدادت العدو والحيلولة دون وصولها إلى الجبهة.

وأضاف: ظل عدد محدود من المجموعة على قيد الحياة، بقيادة اللواء عبدالحميد، وبعد اختفاء دام 5 أيام عن أعين العدو الذي كان يبحث عنهم ليل نهار قرروا التوجه إلى الشمال للانضمام إلى قوات الجيش، "مشينا بالليل في الوادي وبعد 6 ساعات من المشي المتواصل وجدنا أنفسنا في موقع للعدو، فاشتبكنا معه، وقام بأسر 5 أفراد منا، ولم يتبق غيري وسيادة اللواء والمجندون "السيد علي، ومحمد عبدالرحمن".

وتابع: استطاع اللواء عبدالحميد الخروج من المعركة سالما هو ومجندوه باستثناء المجند عبدالرؤوف، الذي أصيب إصابة بالغة الخطورة، بدفعة رشاش نص بوصة، "جريت وأنا مصاب ومش حاسس بحاجة لحد ما وصلنا إلى جبال عالية احتمينا فيها"، وبعد يومين، تعرفوا على "عم علي" وهو أحد البدو الذي ساعدهم في الحصول على .

وفي هذا التوقيت وأثناء ذهاب الحاج عبد الرؤوف مع "عم علي" لإحضار الماء، تقابل مع اللواء مجدي شحاتة، "سمعت صوت بيقول يا "عبدالحميد"، فقال لنا "عم علي" انتظروا هنا وأنا هشوف مين، لنفاجأ بأنه عائد بسيادة اللواء".

وقال: "ربنا لم شملنا، لواءان وثلاثة عساكر"، وهنا أصبح الوضع في غاية الخطورة على "عم علي" وعائلته، فاقترح عليهم أن يختبئوا في مكان بالجبل، على أن يزورهم كل ثلاثة أيام، "مشينا 7 ساعات حتى وصلنا إلى جبل به مغارة مليئة برمال المغنسيوم".

يصف اللواء مجدي شحاتة لحظة مقابلته باقي زملائه من فرقة الصاعقة، بأنها "معجزة إلهية"، وقرر الأبطال انتظار وصول قوات لهم أو الانتقال إليها، ووسط الصعوبات التي تواجههم من نقص في الذخيرة والطعام والشراب، طلبوا من البدو الانتقال إلى مكان آمن، "البدو وقفوا معانا وقفة مشرفة جدا، وبالفعل انتقلنا إلى مكان غاية في الصعوبة ولا يمكن لأحد الوصول إليه، ودلتنا عليه سيدة عجوز"، وكان عبارة عن مغارة مهجورة.

وعن طريقة المعيشة داخل المغارة، قال بطل الصاعقة اللواء مجدي، "كنا نحضر الملح من الجبل، ونجمع العشب الجاف لإشعاله، وكانت رحلة إحضار الماء شاقة نستعد لها منذ الصباح، ونعود بالماء في المساء، وكنا نقسِّم العمل علينا، من يجمع العشب ومن ينظف المكان، ومن يعمل الشاي، ومن يجهز الطعام".

واعتمد الأبطال على أقل الإمكانات للمعيشة، فقد كان البدو في أسوء الظروف المعيشية "تخيل ناس مش لاقية تأكل وكانت بتساعدنا على الأكل عن طريق شوية دقيق أو شوية أرز، وكنا بنعجن الدقيق ونسوية على النار".

"عم علي" هو وابنته فاطمة وزوجته وأم حميدة زوجة أخية ومحمود وعم صبحي، من العرب الذين ساعدوا الأبطال بالطعام، لمدة أكثر من 5 أشهر، والذين لن تفارق أسماؤهم ذاكرة الأبطال حتى الموت رغم أنها مليئة بمئات الأحداث والمعارك.

المشير أحمد إسماعيل والفريق حسني مبارك كانا في انتظار الأبطال العائدين من الموت لتكريمهم

وبعد أن تماثل عبد الرؤوف للشفاء من إصابته، طالب الأبطال من "عم علي" الرحيل ومساعدتهم لمعرفة الطريق، فتنكر الأبطال الخمسة في زي البدو، وبدأوا رحلة العودة إلى القناة، لمدة 30 يوما، يسيرون ليلا على طريق النجم القطبي شمالا، وكانوا يستعينون بالعرب خلال طريقهم، حتى التقوا بعض العرب الذين كانوا يعملون بالتنسيق مع المخابرات الحربية في مساعدة العائدين من خلف خطوط العدو، للعودة إلى صفوف القوات المسلحة.

استقبلت المخابرات العامة في القاهرة الأبطال العائدين من خلف خطوط العدو، وطالبتهم بتقرير مفصل منذ انطلاقهم إبان بدء الحرب وحتى لحظة وصولهم، وقال اللواء مجدي "سيادة المشير أحمد إسماعيل أول ما عرف بوصولنا طلب إنه يشوفنا وقابلنا بعدها بيومين".

ON Sport