أخبار عاجلة

القصة الكاملة لمذكرات «مبارك» فى حرب أكتوبر «السادات» أوصى بها.. ونائبه أملاها فى 1978

القصة الكاملة لمذكرات «مبارك» فى حرب أكتوبر «السادات» أوصى بها.. ونائبه أملاها فى 1978 القصة الكاملة لمذكرات «مبارك» فى حرب أكتوبر «السادات» أوصى بها.. ونائبه أملاها فى 1978
السادات كان مولعاً بالتوثيق لذلك طلب من «مبارك» تسجيل مذكراته فى الحرب.. وكلف رشاد رشدى بكتابتها.. و«رشدى» اعتذر لأنه كتب «البحث عن الذات» ورشح المرحوم محمد الشناوى

كتب : نشوى الحوفي الخميس 26-09-2013 09:01

لماذا مذكرات مبارك الآن؟ سؤال لا بد أن يكون مطروحاً، وأنت تقرأ كتاب «كلمة السر.. مذكرات محمد حسنى مبارك. يونيو 67 - أكتوبر 73»، والذى يصدر عن دار «نهضة ». إن للسؤال إجابات عدة، أولاها: الأقدار التى شاءت أن تخرج تلك المذكرات التى سجلها مبارك فى نهاية السبعينات مع الإعلامى الراحل الأستاذ محمد الشناوى، ولكنها لم تصدر فى حينها حيث احتفظ بها محررها، ونسيها صاحبها.. إلى أن وصلت إلى الكاتب السياسى عبدالله كمال منذ عدة أشهر، فتأكد أنها تخص الرئيس الأسبق، وتولى إعادة تحريرها والتقديم لها.

لقد حاول محرر المذكرات فى ٢٠١٣ إبلاغ الرئيس الأسبق حسنى مبارك بعثوره على هذا الكنز الخاص الذى كان قد تم الانتهاء من إعداده فى ما بين عامى ١٩٧٨ و١٩٧٩.. أرسل لوسطاء مختلفين، ثم كان أن تعرف مبارك على مذكراته المنسية عبر محاميه الأستاذ فريد الديب، إلا أن الإجابة لم تأت إلا بعد إخلاء سبيل مبارك مؤخراً. ومن ثم عرض كمال على دار «نهضة مصر» طباعتها ونشرها فى كتاب، فرحبت بذلك وبشدة.

«مبارك» كتب مذكراته فى صورة «مبارزة» مع قائد سلاح الجو الإسرائيلى فى حرب ١٩٦٧

لماذا كان الترحيب من جانبنا؟ ذلك هو السبب الثانى فى قائمة أسباب نشر مذكرات الرئيس الأسبق، إذ نؤمن بأهمية التوثيق وأن نستمع لأبطال الأحداث وشخوصها -سواءً اتفقنا أو اختلفنا معهم- لا نأخذ جانباً على حساب الآخر. ولو كتب الرئيس الأسبق أو من تلاه فى الحكم مذكراته لنشرناها، ويبقى الحكم لكل الناس. وهذا هو السبب الثالث فى اختيار نشر تلك المذكرات التى تمنحك قدراً من الرؤية فى كيفية الحكم على شخصية الرجل. ذلك أن الحكم على مبارك الضابط والقائد قد يختلف عن الحكم على مبارك الرئيس.‬

فى دار نهضة مصر لم يكن نشر مذكرات مبارك الأولى عملاً عادياً، وعابراً، ولكنه جاء فى إطار خطة متكاملة، للاحتفال بذكرى مرور ٤٠ عاماً على حرب أكتوبر ١٩٧٣.. تلك الحرب التى صنعت مجد مصر، وحررت أرضها، وقام بها جيل قدير لن ينساه التاريخ.. وفى الخطة، بل وفى نفس اللحظة التى تصدر فيها مذكرات مبارك «كلمة السر» سوف ننشر أيضاً كتاب «مشير النصر - الأوراق الخاصة للمشير أحمد إسماعيل»، وزير الدفاع فى حرب أكتوبر، التى كتبها مجدى الجلاد رئيس تحرير جريدة «الوطن».. كما ننشر مذكرات وزير الخارجية الأسبق أحمد أبوالغيط - شاهد على الحرب والسلام.. وهو يبدأها من وقت أن كان مساعداً لمستشار الأمن القومى المرحوم حافظ إسماعيل، حيث كان دبلوماسياً فى غرفة العمليات السياسية للحرب على إسرائيل.. فى أكتوبر ١٩٧٣، وصولاً إلى مراحل التفاوض السياسى مع إسرائيل بعد ذلك، حيث كان معاصراً ومشاركاً وفاعلاً فى مختلف فتراتها من خلال عمله الدبلوماسى. ‬

نعود إلى مذكرات مبارك الأولى، وهنا أعود إلى ما يرويه عبدالله كمال بعض أجزاء فى تقديمه للكتاب كيف وصلته تلك الوثيقة المهمة تاريخيا: ‬

«قادتنى إلى هذه الوثيقة التاريخية.. صُدفة سعيدة. للدقة وجدتنى فى طريقها، إذ لم أبذل جهداً، ولم أخطط لمسعى كى أحصل عليها.. بل ولم أكن أعرف بوجودها من الأصل.. لم يذكر أحد من قبل أن محمد حسنى مبارك نائب الرئيس أنور السادات قد كتب مذكراته.. حتى مبارك نفسه لم يعلن ذلك وربما لم يكن يتذكره.

كان كل ما أعرفه أن الرئيس مبارك له مذكرات مسجلة تليفزيونياً عن طريق إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة فى ما بعد عام ٢٠٠٠، وأنه قد دوّن مذكراته الأخيرة فى الفترة بين تخليه عن منصبه فى ١١ فبراير ٢٠١١.. وقبل أن يتم التحقيق معه، ومن ثم احتجازه ومحاكمته بعد ذلك.

الحكاية بسيطة للغاية: تعرفت إلى مخرج سينمائى وتليفزيونى شاب وواعد. كان واحداً من بين مجموعة من الشباب الذى بدأت فى التواصل معه بعد ٢٥ يناير ٢٠١١.. كنت ولم أزل أحاول التقرب من جيل جديد لم أكن قد تواصلت معه بقدر كافٍ للاطلاع على أفكاره.

إن كريم هو حفيد المرحوم محمد الشناوى، الرجل الذى كتب تلك المذكرات بعد أن استمع لمبارك شهوراً طويلة، وتفرغ لتدوينها شهوراً أطول. وبين الحفيد والجد كان الأب الذى بقيت المذكرات فى حوزته طوال تلك السنوات.. الأستاذ حازم الشناوى الإعلامى والمذيع المعروف بالتليفزيون المصرى.

قبل سنوات طويلة كنا قد تعارفنا.. أنا وحازم الشناوى، إذ كان يقدم فى نهاية التسعينات برنامجاً شهيراً يذاع على القناة الثالثة، اسمه «غداً تقول الصحافة»، بموازاة برنامج آخر أوسع شهرة اسمه «الكاميرا فى الملعب».

مرت سنوات طويلة منذ آخر لقاء، ربما خمسة عشر عاماً على الأقل، حين زارنى الأستاذ حازم مع ابنه كريم وفى يده «وثيقة أبيه».. التى كتبها على لسان حسنى مبارك.. راوياً قصة القوات الجوية فى حرب أكتوبر، وكيف صنعت هذا المجد العظيم. فى هذا اليوم أولتنى عائلة الشناوى ثقة تمنيت أن أكون على قدرها.

روى لى حازم الشناوى قصة أبيه مع تلك المذكرات. وقد كانت بدورها قصة بسيطة ولكنها شاءت أن تضيف من بساطتها بعضاً من الحكمة إلى وقائع التاريخ.. وادخرها الزمن بطريقة غير متوقعة لكى تكون ذات يوم شهادة موثقة عما تم إغفاله حيناً أو الغضب منه حيناً آخر.

كان المرحوم الرئيس محمد أنور السادات قد أصدر مذكراته الشهيرة «البحث عن الذات» فى أبريل ١٩٧٨، وقرأها كثير من المصريين.. فى مطلع شبابى ونهاية صباى كنت واحداً من هؤلاء.. النسخة كانت تباع بـ ٢٥ قرشاً. وقد كانت عامرة بتفاصيل كثيرة وسيرة رئيس حكى نفسه وروى عن نفسه.. وكان أهم ما يميز «البحث عن الذات» ما يتعلق بالوقائع التاريخية النابضة والحية وقتها.. تلك التى تخص سجل السادات الأعظم فى حرب أكتوبر المجيدة.. فضلاً عن بدء مسيرته نحو السلام مع إسرائيل.

كان السادات واعياً بأهمية الكتب، وضرورة أن يكتب هو بنفسه، وهو ما عُرف عنه منذ سنوات طويلة.. كان قد بدأ الكتابة خلالها فى عديد من الصحف المصرية أبرزها المصور والهلال فى حدود عام ١٩٤٨. ثم بعد ثورة ١٩٥٢ كان أن أصدر مجموعة من الكتب.. هى: قصة الثورة كاملة، يا ولدى هذا عمك جمال، معنى الاتحاد القومى، ٣٠ شهراً فى السجن، نحو بعث جديد، القاعدة الشعبية.. ثم فى نهاية السبعينات أصدر «البحث عن الذات» وفيه روى قصة حياته.

حين صدرت جريدة «مايو» فى نهاية السبعينات، ناطقة باسم الحزب الوطنى الذى أسسه السادات بديلاً لحزب مصر العربى، وعقب بدء التعددية الحزبية، كان أن أملى مجموعة مقالات باسمه عنوانها «عرفت هؤلاء».. وكان معروفاً كذلك أنه يملى مباشرة أو بشكل غير مباشر على الأستاذ أنيس منصور كثيراً من المقالات التى تظهر فى صور حوارات بمجلة أكتوبر. وبنفس الأسلوب مع تفاصيل مختلفة فى الطريقة كان أن كتب المرحوم الدكتور رشاد رشدى أستاذ الأدب والنقد الكبير مذكرات السادات «البحث عن الذات».

كان الرئيس الراحل مولعاً بالتوثيق، ومعنياً بالكتابة، ومهتماً بالكتب، حتى رغم أن الدعاية اليسارية ضده قد رسخت فى الذهنية العامة أنه لا يحب القراءة ويصيبه الملل من التقارير المكتوبة. واحدة من بين الترويجات غير المدققة التى انتشرت فى ثقافتنا دون أن تخضع لأى مراجعة.. ولم يكن اليسار وحده مشاركاً فى مثل تلك الترويجات، بل كان لدى الإخوان ماكينتهم الخاصة.

عين الرئيس الراحل أنور السادات الفريق طيار حسنى مبارك نائباً له فى ١٩٧٥. وقد كان هذا القرار مثيراً للجدل وقتها، حول أسباب الاختيار، ولماذا مبارك بدلاً من كل العسكريين المجايلين له، وفى صدارتهم قادة حرب أكتوبر زملاؤه.. وفيهم من هم أقدم منه.

ومن الواضح أن تقدير السادات كان قد شمل ما هو أبعد.. إذ كان هو صاحب فكرة تلك المذكرات لكى يروى فيها نائب الرئيس حسنى مبارك قصة ما حدث بعد هزيمة ١٩٦٧ وصولاً إلى نصر ١٩٧٣.

اتصل الرئيس السادات بالدكتور رشاد رشدى، وكلفه بأن يكتب مذكرات قائد سلاح الجو، نائب الرئيس، وأن يستمع منه إلى قصة هذا المجد الذى يجب أن تضم تفاصيله دفّتا كتاب للتاريخ.. اعتقد السادات أن الدكتور رشاد باعتباره كاتب مذكراته الناجحة سيكون الأنسب لكى يخوض جولة نجاح إضافية بمذكرات حسنى مبارك.

من المدهش، وإن كان من المنطقى، أن اعتذر الدكتور رشدى.أسبابه يمكن تفهمها. كان تبريره للسادات مبنياً على أساس أنه كتب مذكرات الرئيس ولا يمكنه أن يدوّن بنفس الأسلوب مذكرات نائب الرئيس. اقتنع الرئيس السادات وطلب منه أن يرشح بديلاً.. كان هو الأستاذ محمد الشناوى.

كان الأستاذ الشناوى درعمياً، حصل على ماجستير فى علم النفس، وكان إذاعياً مرموقاً.. فى زمن كانت فيه الإذاعة نجمة وسائل الإعلام، بينما شاشات التليفزيون لم تصل إلى كافة بيوت مصر كما هو الحال الآن. كان قد قطع طريقاً طويلاً فى خبرة العمل كإذاعى قدير.. عمل مذيعاً لسنوات طويلة، وهو صاحب فكرة تأسيس الإذاعات المحلية، وأول مدير لمحطة «القاهرة الكبرى»، ومؤلفاً درامياً فى سجله ما لا يقل عن مائة سهرة وخمسين مسلسلاً، بخلاف التدريس فى المعهد العالى للفنون المسرحية، وكلية ضباط الشرطة المتخصصين.

وفقاً لرواية حازم الشناوى عن والده الراحل فإن محمد الشناوى اجتمع مع نائب الرئيس محمد حسنى مبارك عشرات المرات، روى له فيها كل تفاصيل ودقائق الست سنوات التى قضاها فى عملية إعادة بناء القوات الجوية، منذ كان ضابطاً قيادياً.. تلقى ضربة يونيو وهو لم يزل قائداً لقاعدة بنى سويف الجوية.. وحتى أصبح مديراً للكلية الجوية وإلى أن أصبح قائداً للقوات الجوية، محققاً النصر الجوى الأهم فى تاريخ مصر.

وقد كتب محمد الشناوى النص فى حدود ٥٠٠ ورقة فلوسكاب بخط اليد، بعض صفحات منها كان قد دوّن عليها مبارك ملاحظات بخط يده بقلم أحمر.. خصوصاً فيما يتعلق بالمعلومات الفنية والعسكرية الدقيقة.. وتمثل هذه الأوراق الوثيقة الأهم حول تلك السنوات وهذا السلاح وهذا البطل.. إذ لا توجد تقريباً غيرها بهذه الدقة وتلك الشمولية وهذا التنظيم.. والأهم على لسان محمد حسنى مبارك.. صانع هذا التاريخ بين كل صناع التاريخ من الجيل البطل الذى حقق نصر أكتوبر.

ليس معروفاً على وجه الدقة ما هو السبب الذى منع نشر تلك المذكرات، وما الذى عطل عملية النشر بعد أن اكتملت الوثيقة.. إذ لم أجد لدى الأستاذ حازم ما يمكن نقله عن والده فى هذا السياق. غير أن المؤكد أنه كان هناك حرص عائلى على الاحتفاظ بالوثيقة إلى أن يحين وقت تنفيذ وصية الوالد الراحل بالنشر، عندما يجد ابنه ذلك مناسباً.

فى بداية ٢٠١٣ وضع الأستاذ حازم الشناوى ثقته فى كاتب هذه السطور، وسلّمنى صورة من تلك «المذكرات - الوثيقة» لكى تجد طريقها إلى النور، وترك لى -مشكوراً- أسلوب ترتيب ذلك.. توثيقاً وتدقيقاً.

حرب الاستنزاف كانت «جامعة» التحقنا بها قبل النصر الكبير.. وكان ضرورياً أن يواجه الطيار المصرى عدوه الإسرائي

DMC