السلام بالقوة: مقاربة أمريكية لإعادة ضبط التوازن

السلام بالقوة: مقاربة أمريكية لإعادة ضبط التوازن السلام بالقوة: مقاربة أمريكية لإعادة ضبط التوازن
يعود مفهوم «السلام من خلال القوة» إلى واجهة النقاش مع تصاعد الضربات العسكرية الأمريكية ضد تنظيم داعش في سوريا، في سياق تؤكد فيه واشنطن أن الردع العسكري لا يزال شرطًا ضروريًا للاستقرار. وبينما يُقدَّم هذا النهج بوصفه عودة إلى عقيدة تقليدية في السياسة الخارجية الأمريكية، يراه مؤيدوه محاولة لاستعادة المصداقية بعد سنوات من التردد، في منطقة لم يؤدِّ فيها ضبط النفس إلى تقليص العنف بقدر ما أتاح للفاعلين المسلحين توسيع نفوذهم.

ضربات سوريا

وأعقبت الضربات الجوية الأمريكية في وسط وشرق سوريا كمينًا وقع قرب تدمر في ديسمبر، أسفر عن مقتل جنديين أمريكيين ومترجم مدني. واستهدفت العملية مواقع قيادة ومستودعات أسلحة وبنى لوجستية لتنظيم داعش، في رسالة مباشرة مفادها أن استهداف القوات الأمريكية سيقابل برد عسكري حاسم.

ولا تقتصر دلالة هذه الضربات على بعدها التكتيكي، بل تكمن أهميتها في محاولة إعادة ترسيخ الردع، عبر ربط الأقوال بالأفعال، وإعادة تعريف كلفة الهجمات على المصالح الأمريكية.

أزمة الردع

وعلى مدى سنوات، قُيِّدت السياسة الأمريكية بهواجس التصعيد، ما تُرجم عمليًا إلى استيعاب الاستفزازات وتأجيل الردود الحاسمة. وبدلًا من تحقيق الاستقرار، أسهم هذا النهج في تراكم قدرات الميليشيات وتوسيع شبكات الوكلاء، مع تآكل الثقة بجدية التهديدات الأمريكية.

ويذهب هذا الطرح إلى أن الردع لم يفشل لأنه فقد صلاحيته، بل لأنه طُبِّق بصورة انتقائية وغير متسقة، ما شجع الخصوم على اختبار الحدود.

القوة كأداة

وتؤكد الإدارة الأمريكية أن الضربات الأخيرة لا تمثل بداية حرب مفتوحة، بل إجراءً عقابيًا يهدف إلى تعديل حسابات الخصم. ومن منظور إستراتيجي، يُنظر إلى العقاب بوصفه وسيلة لتشكيل التوقعات، إذ تميل الجهات المسلحة إلى تذكّر ما يُفرض عليها فعليًا، لا ما يُعلن خطابيًا.

وفي هذا السياق، يكتسب الوجود الأمريكي في شرق سوريا ــ حيث ينتشر نحو ألف جندي ــ معناه فقط إذا كان مدعومًا بقدرة ردع ذات مصداقية، وإلا تحول إلى نقطة ضعف قابلة للاستهداف.

علاقة تكامل

ويُقدَّم نهج «السلام بالقوة» باعتباره بديلًا عن الدبلوماسية، غير أن أنصاره يرونه مكملًا لها. ويُستشهد باتفاقيات أبراهام بوصفها مثالًا على تسويات جرت في ظل تفوق أمريكي واضح، ما أسهم في إعادة تشكيل توازنات إقليمية.

وينسحب المنطق ذاته على مساعي الوساطة الدولية، حيث يُنظر إلى المفاوضات المدعومة بقوة عسكرية معتبرة على أنها أكثر قابلية لإنتاج تسويات مستدامة.

المنظمات المسلحة

وينطلق هذا التصور من أن تنظيمات مثل داعش وحماس وحزب الله لا تعمل بمعزل عن بيئات إقليمية أوسع، تتداخل فيها الأيديولوجيا والتمويل والزمن. ويُعد الوقت، وفق هذا التحليل، المورد الأثمن لهذه الجهات، إذ يسمح لها بإعادة التنظيم والتسلح كلما طال أمد التهدئة غير المشروطة.

كما يربط الطرح بين هذه الشبكات ودور إقليمي أوسع لإيران، بوصفها داعمًا لوكلاء مسلحين يعتمدون على إستراتيجية الإنهاك وزعزعة الاستقرار مع الحفاظ على هامش الإنكار.

الضغط المستمر

ولا يقتصر تفكيك هذه الشبكات، بحسب هذا النهج، على الضربات العسكرية المتفرقة، بل يتطلب ضغطًا متواصلًا ووضوحًا سياسيًا وأيديولوجيًا. ويُنظر إلى التيارات الفكرية المرتبطة بالتطرف السياسي، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، على أنها رافد أيديولوجي يسهم في تطبيع العنف وتغذية التطرف، ما يستدعي معالجة تتجاوز البعد الأمني إلى المجال الفكري والمجتمعي.

شرط للاستقرار

ويخلص أنصار «السلام بالقوة» إلى أن التاريخ الدولي يُظهر أن فترات الاستقرار النسبي اقترنت بوضوح هياكل القوة ومصداقية تطبيقها. فالضعف، وفق هذا المنظور، يوسّع هامش الخطأ، بينما يضيّقه الوضوح المدعوم بالقوة.

وعلى الرغم من أن عملية عسكرية واحدة لا تصنع إستراتيجية شاملة، فإنها قد تهيئ الظروف لبلورتها، عبر توجيه رسائل واضحة بأن الصبر ليس مفتوحًا إلى ما لا نهاية، وأن القوة، حين تُستخدم بحزم، يمكن أن تكون أداة تمهيد للسلام لا نقيضًا له.


الوطن السعودية