لبنان يخاطر ويتبنى الدولرة مع انهيار عملته المستمر

لبنان يخاطر ويتبنى الدولرة مع انهيار عملته المستمر لبنان يخاطر ويتبنى الدولرة مع انهيار عملته المستمر
فيما يقع الاقتصاد اللبناني في حالة من الفوضى وسقوط عملته، يقضي التجار معظم وقتهم في محاولة مواكبة تقلبات الصرف، وتعتمد الشركات بشكل متزايد على أحد الأصول الأكثر موثوقية في العالم وهو -الدولار الأمريكي- كطريقة للتعامل مع أسوأ أزمة مالية في تاريخها الحديث، حيث فقدت الليرة اللبنانية 95% من قيمتها منذ أواخر عام 2019، والآن تطالب معظم المطاعم والعديد من المتاجر بدفعها بالدولار، وبدأت مؤخرًا في السماح لمحلات البقالة بالبدء في فعل الشيء نفسه.

وذكر سامي زغيب، الخبير الاقتصادي ومدير الأبحاث في مركز (The Policy Initiative)، الذي يتخذ من بيروت مقرًا له، إن الدولرة يمكن أن تعطي انطباعًا باستقرار مالي أكبر، لكنها ستزيد أيضًا من التفاوتات الاقتصادية الهائلة بالفعل. تعميق الأزمة

وبينما تهدف هذه «الدولرة» إلى تخفيف التضخم وتحقيق الاستقرار في الاقتصاد، فإنها تهدد أيضًا بدفع المزيد من الناس إلى براثن الفقر وتعميق الأزمة؛ ذلك لأن قلة في لبنان لديهم إمكانية الوصول إلى الدولارات لدفع ثمن الطعام والضروريات الأخرى بهذه الطريقة.

وأظهر تقرير قامت به إحدى الوكالات أن الفساد المستشري في لبنان يعني أن القادة السياسيين والماليين يقاومون بديل الدولرة؛ إصلاحات طويلة الأجل للبنوك والوكالات الحكومية من شأنها إنهاء الإنفاق المسرف وتحفيز الاقتصاد.

بلا مرسوم

حكومي وأشار زغيب إلى أن التحول لم يحدث إلى يهيمن عليه الدولار بشكل أكبر بموجب مرسوم حكومي، ولكن من قبل الشركات والأفراد الذين رفضوا قبول الدفع بعملة تفقد قيمتها بلا هوادة.

أولاً، تم تسعير السلع والخدمات الكمالية بالدولار للأثرياء والسياح وأصحاب المولدات الخاصة، الذين يتعين عليهم دفع ثمن الديزل المستورد، ثم كانت معظم المطاعم.. والآن محلات البقالة.

العملة الفعلية

وذكر وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال، أمين سلام، أن الليرة اللبنانية «استخدمت سوء استغلال» على مدى السنوات الثلاث الماضية، وأن تحويل محلات البقالة إلى الدولار سيجلب بعض الاستقرار لأسعار الصرف المتقلبة.

مع رفض المزيد من الأشخاص والشركات للعملة المحلية، يصبح الدولار تدريجيًا العملة الفعلية، وقالت ليال منصور، الخبيرة الاقتصادية المتخصصة في الأزمات المالية في البلدان المدولرة، إن انعدام الثقة بالليرة اللبنانية أصبح لا رجوع فيه: «سئم الناس من تقلب ، ويضطرون إلى قضاء الكثير من الوقت في تغييره، لذلك من الناحية العملية، على المستوى المجتمعي، من الأفضل استخدام الدولارات»، «هذه نهاية الليرة اللبنانية كما نعرفها».

مزيد من الضغط

وقال لورانس وايت، أستاذ الاقتصاد بجامعة جورج ميسون، إنه بدون إستراتيجية لمعالجة المشاكل الأساسية للاقتصاد، فإن الحكومة «تسمح بحدوث ذلك»، وتعني الدولرة أن البنك المركزي لا يمكنه الاستمرار في طباعة العملة التي تغذي التضخم، وقد يؤدي وجود عملة أكثر موثوقية إلى خلق المزيد من الثقة للشركات، لكن قد يتعرض الكثير من الناس لمزيد من الضغط إذا اعتمدت بيروت رسميًا العملة الأمريكية كعملة لها، وقد لا يتجاوب الملايين في لبنان الذين تحملوا دولرة السلع الكمالية على نحو مماثل لمحلات البقالة، التي كانت أسعارها ترتفع بالفعل ببعض من أعلى المعدلات على مستوى العالم.

أكثر من 90% من السكان يكسبون دخلهم بالليرة اللبنانية، وفقًا لمسح أجرته منظمة العمل الدولية ووكالة الإحصاء التابعة للحكومة اللبنانية عام 2022، العائلات التي تتلقى أموالاً من أقاربها في الخارج تنفق الكثير منها في إبقاء الأضواء مضاءة وتغطية النفقات الطبية.

يجب أن يتم الدفع لهم بالدولار للتكيف بشكل مناسب، وهو ما تعاني منه معظم الشركات وأرباب العمل، وخاصة الدولة اللبنانية.

تحولات شبيهة

وتحولت دول أخرى مثل زيمبابوي والإكوادور إلى الدولار للتغلب على التضخم المفرط والمشاكل الاقتصادية الأخرى، مع نجاح متباين، وتعاني باكستان أيضًا من انهيار العملات، لكن أزمتها الاقتصادية مرتبطة إلى حد كبير بحدث خارجي - حرب في أوكرانيا، التي تسببت في ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، فيما الكثير من مشاكل لبنان من صنعه.

فعندما شعرت البلاد بآثار وباء (COVID-19)، والانفجار المميت في ميناء بيروت في عام 2020 والغزو الروسي لأوكرانيا، قام بنكها المركزي ببساطة بطباعة المزيد من العملات، مما أدى إلى تآكل قيمتها وتسبب في ارتفاع التضخم.

ووقع ثلاثة أرباع سكان لبنان البالغ عددهم 6 ملايين نسمة في براثن الفقر منذ بدء أزمة عام 2019، وأدى انقطاع التيار الكهربائي المعطل ونقص الأدوية إلى إصابة جزء كبير من الحياة العامة بالشلل.

ودفع نقص العملة البنوك إلى الحد من عمليات السحب، مما أدى إلى محاصرة مدخرات الملايين من الناس، وقاد ذلك بالبعض إلى اليأس لإعاقة البنوك لاستعادة أموالهم بالقوة.

ازدياد الأضرار

وتفاقمت الأضرار التي لحقت بالسنوات القليلة الماضية بسبب عقود من سوء الإدارة الاقتصادية التي سمحت للحكومة بالإنفاق بما يتجاوز إمكانياتها.

واتُهم رئيس البنك المركزي في البلاد مؤخرًا باختلاس الأموال العامة وجرائم أخرى، وتتقلب الليرة اللبنانية المنهارة كل ساعة تقريبًا، على الرغم من ارتباطه رسميًا بالدولار منذ عام 1997، إلا أن قيمة الجنيه يتم تحديدها الآن من خلال معدل غير شفاف في السوق السوداء أصبح معيارًا لمعظم السلع والخدمات.

وتراجعت قيمته الشهر الماضي من نحو 64 ألف جنيه للدولار إلى 88 ألف جنيه في السوق السوداء، في حين إن السعر الرسمي 15 ألف جنيه.

ومما زاد الطين بلة بالنسبة لبلد يعتمد على استيراد المواد الغذائية والوقود وغيرها من المنتجات المسعرة بالدولار، ضاعفت الحكومة مؤخرًا مبلغ الضريبة ثلاث مرات - بالليرة اللبنانية - التي يجب على المستوردين دفعها على هذه السلع.

وسيؤدي هذا على الأرجح إلى ارتفاع الأسعار، بالنسبة للشركات الصغيرة، قد يعني ذلك بيع المنتجات بخسارة بعد دقائق فقط من تكديسها على الرفوف.

تطورات أخرى

معلمو المدارسالعامة مضربون عن العمل لمدة ثلاثة أشهر لأن رواتبهم بالكاد تغطي تكلفة البنزين للسفر.

يهدد عمال الاتصالات بالإضراب عن العمل لأن أجورهم لم تتناسب مع انخفاض قيمة الليرة اللبنانية.

لا يقترب لبنان من تنفيذ أنواع الإصلاحات اللازمة لإنقاذ صندوق النقد الدولي، مثل إعادة هيكلة البنوك والهيئات الحكومية غير الفعالة، والحد من الفساد، وإنشاء نظام سعر صرف موثوق وشفاف.

بين زغيب، الخبير الاقتصادي في بيروت، أنه يخشى أن يؤدي غياب السياسة السليمة والإصلاحات الاقتصادية إلى أن الدولرة لن تؤدي إلا إلى تعميق الفقر، مما يزيد من صعوبة دفع العائلات مقابل الرعاية الصحية والتعليم والغذاء.


الوطن السعودية