كتب : أمل القاضي منذ 45 دقيقة
بِناية صغيرة يكثر تواجدها بالأحياء الشعبية، تشبه في داخلها غرفة متسعة لا تحتاج في أثاثها سوى لمنبر خشبي ومكبر صوت، وسجادة بحجم مساحتها لغطاء أرجائها، وقليل من كتب الفقه والمصاحف ليستخدمها مرتادوها إن أرادوا، تفتح أبوابها خمس مرات يوميًا أمام أصحاب المحال و"الصنايعية" والجالسين بمحيطها على المقاهي، تجمعهم تلك "الزاوية" خلف إمام واحد؛ تلبيةً لأذان المؤذن "حي على الصلاة".
في حي مصر القديمة ومع اقتراب موعد صلاة العصر، يتوجّه "عم مصطفى"، الرجل الستيني وخادم زاوية "الصابرين"، لفتح أبوابها أمام المصلين، فيما يتجه "الحاج إبراهيم"، بجلبابه الأبيض ولحيته التي أصابها الشيب، نحو مكبرات الصوت ليرفع الأذان، ثم يتقدم المصلين لإمامتهم؛ احترامًا للسن وليس التدين، وبعد الانتهاء من صلاته يعتدل في جلسته للتفكير في مصير "الزاوية" بعد قرار وزارة الأوقاف بمنع صلاة الجمعة بها.
"الزاوية" ليست مكانًا للصلاة فحسب، لكنها أيضًا لها دور خيري ومجتمعي في المناطق الشعبية بشكل خاص، والمتمثل في "صندوق الزاوية"، والذي يتم من خلاله جمع التبرعات بالجهود الذاتية من سكان المنطقة، والتي تستفيد من أمواله العديد من السيدات الأرامل والأطفال الأيتام بالمنطقة، ويكون بمثابة دخل شهري لهم، بالإضافة إلى توفير بعض الأدوية أو المستلزمات الطبية مثل "كرسي متحرك"، حسبما يروي "عم مصطفى" خادم الزاوية.
ينهض "الحاج إبراهيم"، إمام المصلين، من جلسته، وقبل مغادرته يتخذ قراره بعدم إغلاق "الزاوية" يوم الجمعة، إلا بعد تلقيه قرارًا رسميًا من الوزارة بذلك، قائلًا "مش هنقفل بيوت ربنا قدام الناس لحد ما يوصلنا قرار رسمي من الوزارة يقول اقفلوها، ولو اتقفلت مفيش قدامنا غير المساجد الكبيرة؛ لأن موقفنا منه مش هيعمل حاجة، يعني لو الحكومة عايزة تنفذ اللي في دماغها هتعمله، احنا المهم عندنا الصلاة مش المكان".
وحول إشارة البعض إلى أن للقرار هدفًا سياسيًا، يقول: "احنا ناس عوام مالناش أي انتماءات سياسية، وخطبة الجمعة كلها عن (قال الله وقال الرسول)، ولما مابيجيش خطيب الجامع التابع للأوقاف يوم الجمعة؛ أي حد مننا بيقف على المنبر ويخطب، ودي بتبقى في حالات قليلة أوي، ربنا وضع المساجد للعبادة مش للسياسة، ودايمًا ننبه على الناس إن الكلام عن الأحداث بيكون بعد الصلاة خارج الزاوية تمامًا".
وبنبرة هادئة ووجهٍ تعلوه علامة الصلاة، يقول الحاج "محمد يوسف"، أحد المترددين على "زاوية الجمعية الشرعية" بالمنيل، إن "قرار وزارة الأوقاف غير مُجدٍ ومصيره إلى الفشل"، معللًا ذلك بأن "مساحة المساجد الكبيرة لا يمكنها استيعاب أعداد سكان الحي؛ خاصةً يوم الجمعة، حيث إن هناك شبابًا ورجالًا كثيرين لا يؤدون إلا صلاة الجمعة فقط؛ ما يجعل توزيع تلك الأعداد على المساجد الكبرى المحدودة بالحي أمرًا صعبًا".
ويرى الحاج "يوسف" أن الهدف من ذلك القرار يظل لدى متخذيه، قائلًا "ربما يحمل في طياته شيئًا إيجابيًا وهو اقتصار الخطابة على علماء الأزهر وأهل الدين، ولكن لا ينبغي تطبيقه على الزوايا المعتدلة، ويمكن مخاطبة المسؤولين بالأوقاف لمراقبة خطب المشايخ، ومن ثمّ يُمنع أصحاب الخطاب الديني المتشدد من اعتلاء المنابر، ويتم استبدالهم بآخرين بدلًا من الإغلاق أو المنع التام، فنحن نريد ترغيب الناس في الدين وليس إبعادهم".