وعلم الريافة، فرع من فروع الفراسة، يقصد به معرفة استنباط الماء من الأرض، بواسطة بعض الأمارات الدالة على وجوده، ويقال إن اسمه مستمد من
«الريف»، حي يرمي كذلك إلى تحديد المواقع المناسبة للزراعة، من حيث وفرة المياه وقربها ومدى عذوبتها، وخصوبة الأرض.
واشتهرت بعض القبائل العربية بمعرفة رجالها بهذا العلم، ومنها عشيرة آل همزان من قبيلة شمر، حيث عرفوا بفراستهم الفطرية في هذا الفن الحيوي، واتسعت شهرتهم في هذا المجال، وكان الناس في مختلف مناطق الجزيرة العربية يستعينون بهم، لتحديد المواقع المناسبة لحفر آبار مميزة بوفرة الماء أو بالعذوبة.
تجارب
منذ القدم اجتهد الإنسان ساعيا نحو الماء، الذي كانت الآبار من أهم موارده العذبة، لكن الآبار كانت تحتاج أولا لمن يحدد مكان حفرها، مستندا إلى أدلة تشير إلى وجود الماء في هذا الموضع أو ذاك، وهنا برز مجموعة من الناس سموا لدى بعض العامة بـ «الصَنَاتُين»، وهم رجال يُنصتون أو يتصنتون لصوت جريان الماء في باطن الأرض.
وكان عبيد بن حمدان المحمدي، الذي أسهم في الدلالة على نحو 2556 بئرا عثر فيها على الماء، قد قال في تصريحات إعلامية سابقة «نحن كصناتين لا نجزم بوجود الماء من عدمه، ولكن نتتبع إشارات تدل على وجوده، فلا نجزم بهذا الوجود، وإنما نشير لاحتمال الوجود ونترك لصاحب الأرض أو الراغب بحفر البئر حرية اتخاذ القرار بالحفر من عدمه».
وعمل المحمدي سنوات طويلة في هذا العلم، دون أن يتقاضى مقابله أي ثمن، ويقول: استخدم «سيخاً» من الحديد له آلية للعمل، تعتمد على الإمساك به بيده والمشي فوق الأرض المراد البحث عن الماء في باطنها، فإذا تحرك هذا «السيخ» الحديدي وبدأ بالدوران حول نفسه، كان ذلك إشارة على وجود الماء بباطن هذه الأرض، وتحديداً فوق المكان الذي تحرك فيه «السيخ».
حكاية الأسياخ
كثيرا ما كان ممارسو الريافة يشاهدون وهم يسيرون بخطوات وئيدة وتركيز شديد، حاملين سيخين من حديد ويتحركون بهما على سطح الأرض المُراد البحث عن الماء في جوفها، فإذا تحركت الأسياخ دل ذلك على وجود الماء، ويشير ممتهنون لهذا الأمر إلى أن قوة حركة السيخيّن تدل على مقدار المياه في البئر، فكلما كانت الحركة قوية كان الماء أكثر وفرة.
كما يستطيع هؤلاء الممارسون تحديد ما إن كانت المياه عذبة أو مالحة، بالنظر إلى طبيعة سطح الأرض ونوعها، فإن كانت الأرض وتربتها زيتية «دهنية» كانت المياه مالحة.
تفسير العلم
يرفض العلم تفسير تلك العلاقة التي يتحدث عنها ممارسو هذه المهنة، والمتعلقة بتحرك الأسياخ ووجود الماء، ويرون أن خبرة حاملي الأسياخ الحديدية أو حتى أعواد الأشجار، هي التي تسعفهم في تحديد وجود المياه، ويرى البعض أن كثيرا من هؤلاء الممارسين كانوا مزارعين، أو عانوا خلال حفرهم آبارا لمزراعهم، لكنهم اكتسبوا خلال هذه العملية خبرة أفادتهم في تحديد طبيعة ونوعية الأرض، التي تحتوي على مياه من عدمها.
يذكر أن «الوطن» كانت قد نشرت قبل سنوات تحقيقا عمن يسمى «المسمع» الذي يمتهن تحديد مواقع المياه، وخلصت في تحقيقها إلى أن الحدس هو العامل الأهم في تحديد مواقع المياه، ونقلت عن أحد المشاركين في ذلك التحقيق، أن مهنة «المسمع» هي مهنة معروفة منذ عهد الصينيين والفراعنة والعصور القديمة، وهي ترجع إلى علم تتبع المجال المغناطيسي الناتج عن احتكاك الماء بالصخر، وتفاعل الجسم مع حركة الماء وتقاطع الصخور المختلفة.
ويشدد مسمعون نجحوا في تحديد مواقع عشرات الآبار، على أنهم يمكنهم الشعور بمكان وجود الماء من خلال أجسادهم، حتى قيل أن بعضهم تفوق على الآلات الحديثة في هذا المجال.
في المقابل، يرى كثيرون أن هذا العمل ينطوي على التخمين والحدس الذي لا يعرف أحدا أي مبرر علمي مفهوم له، ويتفقون على أن المسمع لا يستطيع تحديد مكان بئر النفط أو المعادن الأخرى، لأن أعماق النفط بعيدة تصل إلى أكثر من أربعة آلاف متر، فيما لا يستطيع المسمع أن يعرف عن وجود الماء، إلا إن كان على عمق لا يتجاوز الـ100 متر تقريبا.
أدوات مختلفة
يختلف الصناتون أو المسمعون في الأدوات التي يستخدمونها، وإن كانت الأسياخ الحديدية هي الأكثر شهرة في هذا المجال، لكن ذلك لم يمنع آخرين من استخدام أسياخ من نحاس، أو أدوات خاصة مثل مسمارين ويكون فيها مغناطيس يتحرك من موقع إلى آخر، ومن خلاله يتم تحديد موقع المياه، وهناك من يستخدم عصا من النحاس لتحديد مواقع المياه.
ويجمع كثيرون على أن بعض الممارسين يستطعيون تحديد مكان المياه، وآخرون يحددون درجة الملوحة، ومسافة وجود المياه وعمقها وروافدها.
ويقول الباحث الفلكي الدكتور خالد الزعاق إن «الريافة هي من فراسة الإنسان العربي الذي يقطن في صحراء جافة وقاحلة، تستلزم وجود الماء والبحث عنه، وهذا البحث يتم وفق عدة طرق منها فراسة الشخص، ومنها السلوك الحيواني والسلوك الزراعي، وهذا الأخير تحديدا يستدل به على وجود المياه، لأن المياه تنقسم إلى قسمين، أولهما مياه سطحية لها نباتاتها الخاصة، وثانيهما مياه عميقة يستدلون على وجودها بجذور النباتات، لأن هناك بعض النباتات جذورها تتجه إلى مكان تواجد المياه، وبالنسبة لسلوك الحيوانات ومنها الطيور يتم الاستدلال بها على وجود المياه كالهدهد، الذي ينفث أحياناً في مكان توجد به تربة رطبة، علاوة على ذلك يمكن الاستدلال بوجود الماء بمعرفة نوعية الأرض والمكان، فالغالب تتوفر المياه في المجارف، وهي الأماكن الفاصلة بين طبقة وطبقة أخرى».
شهرة كبيرة
مزاولة التفرس لمعرفة ما في باطن الأرض من المياه، من حيث كميتها ودرجة عذوبتها ونقاوتها، وبعدها في باطن الأرض، كانت له شهرة واسعة بين المزارعين كبار السن، الذين عرف بعضهم هذه المهنة ومارسها، وأُطلق على ممارسيها في المنطقة الشرقية «حفارو الأعيان».
وفي الأحساء تحديدا ازدهرت هذه المهنة كثيرا، لوجود أكثر من 25 ألف حيازة زراعية فيها، وتلك الحيازات بحاجة ملحة إلى كميات كبيرة من المياه لري المزروعات، وكذلك لأغراض الترفيه «برك السباحة».
ويشير حسين الهاشم لـ«الوطن» ـ وهو من أشهر العاملين في مهنة حفر الأعيان «الآبار» في الأحساء ـ إلى أن حفاري الأعيان يستعينون بـ3 وسائل لتحديد عمق وكمية المياه في الآبار الجوفية، قبل البدء في أعمال الحفر، وهي:
1- الأجهزة التقنية الحديثة وتتفاوت أجرتها لتحديد الموقع الواحد من 1500 ريال إلى 3000 ريال، وذلك تبعاً لدقة نتائج المعلومات والمعلومات المطلوب توفيرها، وهي الأفضل.
2- الاستعانة بقضيبين من النحاس والتجول داخل الحيازة الزراعية، حتى يتجاذب القضيبان، وتتفاوت التكلفة من 150 ريالا إلى 500 ريال، كما تتفاوت دقة هذه الوسيلة من شخص إلى آخر تبعاً لخبرته، وتصل نسبة تأكيد نجاحها إلى 90 %.
3- الاختبار بثبات «البيضة» في الكف، عند وقوف البيض، يدل على توفر المياه، وهي الأرخص، ونتائجها غير مؤكدة.
أغصان الأشجار
يبين الهاشم، أنه في السابق، كان البعض يستعين بغصنين من أغصان أشجار معينة، ويتم الاختبار من خلالهما على موقع المياه في الحيازة الزراعية، ومع نضوب كثير من الآبار ومع قلتها، صار من الأفضل الاستعانة بالأجهزة التقنية الدقيقة، حتى لا يضطر المرء للحفر عدة مرات، وتحديد المواقع القريبة من سطح الأرض بدلاً من الأعماق، وتحديد المياه الأكثر وفرة وعذوبة.
التجارب الحقلية
أكد عبدالمحسن السماعيل «مالك لمزرعة في واحة الأحساء الزراعية»، أن التجارب الحقلية، أثبتت جدوى «الريافة»، في تحديد مواقع آبار المياه الجوفية، في أعماق كبيرة من طبقات الأرض، وتحديد أعماقها التقريبية باستخدام أدوات بدائية، وذلك في مزارع عدة في واحة الأحساء، مستشهداً في ذلك بقيام مقيم كبير في السن، يتجاوز الـ60 عاماً «من سكان بادية الشام»، بزيارة مزرعته ومزارع أخرى قبل أكثر من 16 عاماً، ونجح في تحديد موقع وعمق بئر للمياه الجوفية، وأضاف «بدا أنه على معرفة تامة بتفاصيل موقع وعمق العين، وبعد نصف ساعة من البحث استطاع تحديد موقع البئر وبيان مواصفاتها وتحديد عمقها التقريبي».
ويذكر السماعيل، أن المقيم أبلغه أن السر في قدرته تلك، والذي يتمثل في امتلاكه أحاسيس شديدة، وذاكرة حادة، وموهبة فطرية في تحديد مواقع المياه وأعماقها، وقد صقلت تلك المهارة عبر ممارسة دامت نحو 17 عاما.
وأضاف السماعيل «حاجة أسرة المقيم للاستدلال على مواقع المياه وأعماقها، دفعته لممارسة هذه المهنة، للحاجة الماسة لتوفير كميات كبيرة من المياه لأفراد عائلته ولماشيتها ومزارعها في البادية السورية، وقد استطاع تحديد مواقع عشرات آبار المياه الجوفية في كثير من المواقع، حتى ذاع صيته في سورية وعدد من الدول».
وتابع «بعد مضي 12 سنة في ممارسة تحديد مواقع المياه، بدأت الخبرة لديه في الازدياد شيئاً فشيئاً، حتى استطاع أن يتمكن من تحديد عمق المياه وإعطاء بعض المعلومات الجيولوجية والصخرية القريبة من المياه».
مهمة الأربع ساعات
يعدد السماعيل بعض الأدوات المستخدمة في الاستدلال على مواقع المياه، وهي أدوات بسيطة وبدائية، تتمثل بوجود قضيبين معدنيين يتأثران بالمجالات المغناطيسية، حيث يقوم بإمساكهما بطريقة خاصة، ومن ثم يبدأ التحرك في الموقع في عدة اتجاهات إلى أن يحصل تجاذب بين القضيبين بفعل المجال المغناطيسي الأرضي، وهو ما يقضي بوجود المياه في باطن الأرض، في الموقع الذي تجاذب فيه القضيبان.
ونقل السماعيل عن المقيم، قوله «مهمة الاستدلال قد تستغرق في بعض المواقع 4 ساعات، وهي عادة ما تكون في المواقع التي تجري فيها المياه الأرضية والتي يسميها بـ «الشعاب».
وتابع «من خلال عملي أسعى إلى اختيار موقع يكون نقطة التقاء لـ «شعاب» متعددة حتى تكون كمية المياه أكبر.
علم الريافة
- فرع من فروع الفراسة.
- يقصد به معرفة استنباط الماء من الأرض بواسطة بعض الأمارات الدالة عليه
- يقال إن اسمه مستمد من «الريف»
- اشتهرت بعض القبائل العربية بمعرفة رجالها بهذا العلم
ألقاب ممارسي هذه المهنة
«مسمع»
«صنات»
«سايوس»
«مرزم»
«حفار أعيان»