أخبار عاجلة

شقيق زكريا الزبيدى لـ«المصري اليوم»: أخى أراد الحياة لكن الاحتلال يدفعه إلى الموت

شقيق زكريا الزبيدى لـ«المصري اليوم»: أخى أراد الحياة لكن الاحتلال يدفعه إلى الموت شقيق زكريا الزبيدى لـ«المصري اليوم»: أخى أراد الحياة لكن الاحتلال يدفعه إلى الموت

اشترك لتصلك أهم الأخبار

عمره أصغر من عمر النكبة، لكنه ولد على أنقاضها فى أحد أكبر مخيمات الضفة المحتلة؛ تؤكد عيناه المتعبتان وندوب وجهه أنه عاش طويلا كأنما أراد أن يجسد الحكاية الفلسطينية منفردًا.

إنه زكريا الزبيدى، أحد أربعة أسرى، أعاد الاحتلال اعتقالهم بعد هروبهم من سجن «جلبوع» شديد الحراسة، عبر حفرة ذاع صيتها فى مختلف وسائل الإعلام العالمية.

برز اسم زكريا الزبيدى وتصدرت صورته إعلام الاحتلال الإسرائيلى حاملا كلاشينكوف روسى على ظهره، خلال انتفاضة الأقصى.

«المصرى اليوم» التقت شقيقه يحيى الزبيدى، وهو معتقل سابق فى سجن جلبوع الإسرائيلى أيضا، ليحكى لنا قليلا عن قصة شقيقه زكريا، وكيف شوه الاحتلال طفولته بكسر ساقه اليمنى، ثم اعتقله فى سن الـ15، حقيقة رعاية يهودية يسارية لموهبته وشغفه بالتمثيل، وكذلك حقيقة ولع شابة يهودية به، وصولًا إلى مشاركته فى حفر فوهة التحرر من «جلبوع».

زكريا الزبيدى يقدم الحلوى لطفلة فلسطينية

استهل يحيى الزبيدى حديثه عن معنويات شقيقه المرتفعة رغم وهن جسده؛ لكنه لم يخف قلقه العارم على حالة زكريا الصحية؛ إذ يعانى من الإهمال الطبى، رغم إصابته بكسرين خطرين فى ضلوع القفص الصدرى، وآخرين فى وجنته وعظام وجهه وساقه، غير أن عينيه تستوجب إجراء جراحة عاجلة لزرع قرنية يستعيض بها عن تلك التى أصيبت بالهشاشة نتاج التعذيب.

ويقول يحيى الزبيدى: «يتعرض أخى للتعذيب لرفضه الاعتراف بالجرائم التى يوجهها له الاحتلال، ويكتفى بالقول إنه وجد حفرة تشع نورًا فخرج منها؛ نقل الاحتلال زكريا إلى مستشفى «شعارى هاتسيدك» ثلاث مرات؛ كإجراء روتينى لكنهم اكتفوا بإعطائه المسكنات، وإعادته لاستكمال التحقيق دون معالجته». ويتابع: «أخى ورفاقه حطموا أسطورة المنظومة الأمنية التى لا تقهر».

أما رسالة «زكريا» للعالم العربى فاختصرها شقيقه فى كلمات محمود درويش: «نحن الضحية التى جُرب فيها كل أنواع القتل، لكننا الأعجوبة التى لا تموت».

زكريا الزبيدى برفقة أطفال فى مدينة جنين

على الفور أحالنا «يحيى» للحديث عن طفولة زكريا الزبيدى التى قضاها فى مخيم جنين، المحاط بمرتفعات الضفة الغربية، حيث ولد شغفه بالتمثيل ومن ثم إنشاؤه مسرح «الحرية» استعاضة عن ذاك المسرح الذى أنشأته يهودية يسارية تدعى «ارنا» ناهضت انتهاكات الاحتلال ونادت بـ«التعايش السلمى» وهدمه الاحتلال فوق رأسها ورأس الأطفال المشاركين به، والذى كان بينهم يحيى و4 من إخوته حاولت رعاية موهبتهم.

يؤكد يحيى الزبيدى أن أخاه لم يكن طالبا الموت إنما محبًا للحياة التى لم يستطع إليها سبيلًا؛ إذ خيمت غيوم الاحتلال على طفولته بإصابة ساقه اليمنى قبل أن يكمل عامه الـ13 ما أدى إلى تقصير عظامها بعد إجراء 4 جراحات، ثم اعتقاله قبل أن يتم عامه الـ16.

كان محمد الزبيدى، والد زكريا، مدرسًا منعه الاحتلال من مزاولة مهنة التدريس بتهمة الانضمام إلى حركة «فتح»، ثم توفى إثر إصابته بالسرطان تاركًا زوجته «سميرة» رفقة 8 أبناء هم على الترتيب: «عبدالرحمن، زكريا، طه، يحيى، داوود، كوثر، عدن، وجبريل».

يؤكد يحيى الزبيدى أن زكريا كثانى أكبر إخوته، حمل على عاتقه مسؤولية والده، رفقة شقيقيه عبدالرحمن وطه، ثم يعيدنا إلى تفاصيل مأساوية قائلًا: «قتل قناص إسرائيلى «سميرة»، أم زكريا، أمام عينيه فى 4 مارس 2002؛ تلك المرأة التى خصصت الطابق العلوى من منزلها لبروفات التمثيل المسرحى لمسرح دشنته يهودية يسارية تدعى «إرنا»، نعم لم تسلم أمنا من رصاصات الاحتلال، بل قتلت داخل منزلها، وكأنما أراد الاحتلال أن يبعث برسالته لنا بأن لا تعايش سلميا تحت احتلال».

زكريا الزبيدى

وكان زكريا الزبيدى تحدث فى مقابلة صحفية سابقة عن أسباب اتجاهه للمقاومة المسلحة، موجها رسالته للاحتلال قائلًا: «هدمتم منزلنا وقتلتم أمنا وأخانا. قدمنا لكم كل شىء. وفى المقابل حصلنا على رصاصة فى صدر أمى. أسبوعيا كان يأتى من 20 إلى 30 إسرائيليا إلى المسرح فى منزلنا. نستضيفهم ونطعمهم، ولم يهتم نفرٌ منهم بمقتل أمى. هذا هو الوجه الحقيقى لليسار فى إسرائيل»!.

وهى كلمات وثقها شقيقه الأصغر جبريل عبر مقطع مصور نشره بحسابه الشخصى بموقع التواصل «فيس بوك».

يسترسل يحيى الزبيدى: «لم ولن نكون دعاة موت إنما دعاة حياة، أردنا العيش فسرقوا حياة أمى وشقيقى، أراد زكريا الحياة ودشن (مسرح الحرية) لتدريب أطفال المخيم، لكنه لم يستطع إلى هذه الحياة سبيلًا؛ بل تعرض بيته للهدم ثلاث مرات متلاحقة 1988، 2002 و2004، ولاحقه الاحتلال لقتله كما قتل أمه وشقيقه، لكن عناية الله أحاطته لينجو من 4 محاولات اغتيال».

يضيف بنبرة حماسية: «تلك الندوب التى تزين وجه أخى، تحكى قصته؛ بل تحكى قصة «جنين»، بل قصة الوطن المحتل ككل؛ فهى نتاج قذيفة هاون ألقاها جنود الاحتلال فى وجهه أثناء مطاردته، لدى اجتياح المخيم فى العام 2002، السر وراء عداء الاحتلال لجنين أنها خط الدفاع الأول عن وطننا».

يحيى الزبيدى شقيق زكريا

يتابع: «تنهل رصاصات الاحتلال من أرواحنا ظنًا منهم أن رؤوسنا ستنحنى، إلا أن تلك الرصاصات التى توقع بذوينا تدفعنا للنهوض ومواصلة السير؛ فأبناء جنين لم ولن يحنوا رؤوسهم».

ثم ينقلنا يحيى الزبيدى للحديث عن الجانب الإنسانى والاجتماعى بحياة شقيقه زكريا الزبيدى، متحدثًا عن حب يهودية يسارية له، نظرًا لحبه لأطفال المخيم ومحاولاته المستميتة تعويض معاناتهم؛ فقد كان زكريا يحلم بأن يصبح ممثلًا مشهورًا قبل أن يريد له القدر أن يجسد واقع بلاده.

يؤكد يحيى الزبيدى شعبية شقيقه داخل المخيم؛ فهو محل حب واحترام الصغير والكبير، لافتًا إلى أن واقعة اعتقاله فى صباح الأربعاء 27 فبراير 2019، بعد أن أنهى دراسته العليا فى جامعة بيرزيت بتخصص دراسات عربية معاصرة، وفور مناقشة أطروحة الماجستير التى تحمل عنوان: «الصياد والتنين.. المطاردة فى التجربة الفلسطينية من عام 1968 إلى 2018» كانت بمثابة صدمة على المخيم بأسره. ويتابع: «يقبع الزبيدى فى سجون الاحتلال رفقة مناضلين أمضوا أكثر من نصف أعمارهم خلف القضبان بسبب مقاومتهم الاحتلال وسعيهم للحرية كصديقه ورفيق رحلته بمسرح الحرية؛ المؤلف والكاتب وليد دقة».

يؤكد يحيى الزبيدى قلق أطفال زكريا الثلاثة: «محمد، سميرة وأيهم» أعمارهم على الترتيب، 8،12، 17 عامًا، على حياة والدهم التى باتت مهددة بين مطرقة وقوعه تحت التعذيب بين يدى الاحتلال، وسندان السجن مدى الحياة وراء جدرانه.

ويتابع: «أفرط جنود الاحتلال فى تعذيب زكريا؛ كون وجهه صار معروفًا لإعلام الاحتلال، فور انضمامه لكتائب شهداء الأقصى، الجناح المسلح لحركة فتح، مع كلاشينكوف روسى، يبدو كرمز لانتفاضة الأقصى؛ إذ لاحقه جنود الاحتلال لينجو من 4 محاولات اغتيال، كما وصفه ضابط «الشاباك»، يتسحاق إيلان، بأنه: «يبدو كقط الشوارع ذى 7 أرواح، حاولنا الإمساك به مرارا، لكنه أفلت من أيدينا».

وحول دور شقيقه زكريا فى مخطط الفرار من جلبوع، وهل بعث بأى تفاصيل لمحاميه، قال يحيى الزبيدى إن هذا السر لا يزال فى جعبة الأبطال الستة ولا يمكن الإفصاح عن تفاصيله وهم قيد التحقيق، مؤكدًا أن اثنين منهم، هما يعقوب قادرى وأيهم كممجى سبق أن حاولا الفرار قبل أن ينضم إليهم زكريا، وميزهم سجانو جلبوع بشارات حمراء كعلامة لأنهم «يشكلون خطرًا ويجب مراقبتهم بشكل دورى»، لكنهم ورغم المراقبة المشددة تمكنوا من تحطيم أسطورة المنظومة الأمنية التى لا تقهر.

أشار يحيى الزبيدى إلى قصة أسطورية أخرى، لجد زكريا لأمه، الأسير المحرر محمد جهجاه، الذى كان ضمن 60 أسيرًا فلسطينيًا لاذوا بالفرار من سجن شطة الإسرائيلى فى 31 يوليو 1958، إثر معركة دامية مع حراس السجن، محتفيًا بشجاعة شقيقه زكريا ورفاقه؛ إذ كرر زكريا قصة جده البطل بعد مرور 63 عامًا، كأنما أراد القدر أن يبعث برسائله للاحتلال، مفادها أنه «لا غرفة التوقيف باقية، ولا زرد السلاسل!».

المصرى اليوم