أخبار عاجلة

السيد نجم يكتب: حكاية مقاتل قديم (قصة قصيرة)

السيد نجم يكتب: حكاية مقاتل قديم (قصة قصيرة) السيد نجم يكتب: حكاية مقاتل قديم (قصة قصيرة)

اشترك لتصلك أهم الأخبار

كل ما حرص عليه بعد تسريحه وانتهاء فترة تجنيده التى بلغت خمس سنين بسبب المعارك، أن وضع صورته منذ فترة قريبة؛ وهو بملابس التمويه والخوذة الحديدية والحذاء البيادة الأسمر، باختصار أن يضع صورة المقاتل القديم قبل أن ينسى الاولاد والأحفاد بطولاته!.

بنفسه تخير رفا خشبيا فى مكان بارز، يواجه باب الشقة فيراه القادم والغادى، ولم ينتظر حضورهم، تولى مهمة الدعوة لرؤيته وهو بطل منذ عشرات السنين، لم ينس رجال الإعلام والمهتمين بالمواقع الإلكترونية والشات!، كما لم ينس رئيس المدينة ومأمور قسم الشرطة ومدير المستشفى الكبير.. باختصار قابل كل المسؤولين فى المدينة!، يراه سكان المدينة كلهم.. يبدو جدى وكأنه تفرغ لتلك المهمة، أن يحيل صورته إلى كائن حى بينهم.

أطرف ما حرص عليه مقابلة كل حراس العمارات والمنشآت وحتى البيوت الصغيرة، ويترك بين يديه قسما فى ورقة أن يقرأها ثم ينفذها؛ وما كانت إلا التوصية بدعوة السكان لزيارة البطل القديم ورؤية الصورة بحجمها الكبير.

فلما غاب الجميع ولم يحضر من بينهم لا الكبير ولا الصغير، صمد وبدأ معركة جديدة مع أولاده وأحفاده.. استخرج عشر صور منها وطلب من الجميع أن يضعوا الصورة فوق مقعد الصدارة.. حول الموائد.. وبقاعة استقبال الضيوف، حتى شعروا بحرارة جسده فوق أسرتهم. الذكور منهم لم يعد يغفل لهم جفن، الأزواج يتابعون الزوجات أثناء تقلبهن على السرير، والمراهقات القادرات على ولادة الأحلام، بدأن بالبحث تحت جلابيبهن قبل الخلود إلى النوم، وفى الصباح يهمسن إلى بعضهن بما يشعرن به من عسعسة وقشعريرة.

فلما بلغ الهمس والنمنمة مسامع الرجل العجوز، ولأن تاريخ البطل الخفى فيه من الخبائث ما يشيب منه الولدان، قرر مقاومة مؤامرة تحاك من الجميع وعليه أن يصمد.. قرر أن ينقل الصور كلها ﺇلى غرفة نومه، ويكتفى برفع واحدة منها فقط على الجدران الأمامية.

انتهت المهمة، ذهب الجميع بعد افتتاح الاحتفال برفع صورته من جديد، إلا من الجد الذى فضل أن يبقى نهار يومه وليلته، برفقة صورة البطل وحده، فلما فتحوا عليه باب الغرفة فى الصباح الجديد، نالت منهم الدهشة: صغر حجم الجد وبات أقصر طولا، ونحيفا. لكنهم فشلوا فى إقناعه، أن يخرج من غرفته.

تشاوروا فى الأمر، كان قرارهم أن يتركوا العجوز على راحته.. يوما بعد يوم يتابعونه، الأمر الوحيد اللافت؛ أن الجد بدا أقصر طولا وأكثر نحافة. لخطورة الأمر أحضروا الأطباء من كل التخصصات.. فشل الطب والأطباء، الجد يتضاءل بشكل لافت، كل أعضائه تخبو إلا صوته!.

وبقى موضوع صوته المرتفع الذى يعبر عن عنفوان وقوة كاذبة!، بدأ يأمرهم بأمر غريب: أن يضعوه على البرواز الذهبى الذى يحيط بالصورة.. كان له ما أراد فحجمه أصبح بحجم الفأر، ومع ذلك لم يحزن أحدهم.. المشهد الذى جعلهم يبكون أخيرا، يوم أن أصبح فى حجم النملة وبلا صوت البتة!.

المصرى اليوم