وسيم عفيفي
قضية الذات الإلهية في الأمور الإبداعية تم تداولها على الألسن والهيئات الإعلامية
منذ صدور رواية أولاد حارتنا للأديب العالمي نجيب محفوظ ، والتي كانت سبباً في قيام بعض الشباب المتشددين بمحاولة اغتياله فيما بعد .
إلا أن السينما المصرية كانت قد انتهجت في بعض أعمالها أسلوباً متغايراً في مثل هذه القضايا
والعجيب أن مثل هذه القضايا برغم ما تلقاه من محاذير فكرية في الغالب غير مبررة
إلا أن الأفلام التي تتعرض لهذه الأفكار تلقى رواجاً فنياً كبيراً ومشاهدةً كبيرة .
هناك 6 أفلام سينمائية يمكن اعتبارها يقيناً أنها تناولت هذه الفكرة
نجيب محفوظ والبحث عن الله بالجو الصوفي . .
أول هذه الأفلام هو فيلم قلب الليل مع نجيب محفوظ وفريد شوقي وعاطف الطيب ونور الشريف ، ربما قد فُهِم أن جعفر " نور الشريف " ذلك الفتى الأزهري الذي تربى في الكنف الصوفي لجده " فريد شوقي " بالقاهرة الفاطمية والذي يُرسل حفيده المغضوب على والده إلى الأزهر ليتعلم ولكن " جعفر " يتعرض لمغريات الدنيا فيقرر الخروج متمرداً على التعاليم التي وضعها جده له فيُعاقب بالحرمان من الميراث
وتدور الدنيا بجعفر ويدخل غمار الفلسفة الاجتماعية والسياسية والخلافات فى وجهات النظر ويقتل المحامي سعد مردداً أنه حقير ، تافه ، حقود
ويموت الجد ، دون أن يذكر الحفيد فى الوصية ، ويتحول قصره إلى وقف وتموت زوجته هدى ويؤلف كتاباً حول نظريته ويهاجر ابنه إلى اسطنبول.
هيبة فريد شوقي جعلت الجميع يعتقده الإله في قلب الليل .
ثم يخرج جعفر من السجن فى الفيلم وحين يخرج يجد نفسه بلا مأوى فيتم جنونه
ويُختتم الفيلم بحوار فيه عدة أفكار خطيرة حيث يقول جعفر
" هخرج أواصل نشر رسالتي ، ربنا أراد إنه يطول في عمري في حين ما مات الجميع
ودا عشان اواصل نشر فلسفتي الجديدة اللي هتنقذ البشرية من الضياع والهلاك
تلك النظرية تعتمد اول ما تعتمد على إيجاد المركب الموضوعي الذي تتلاقى عنده الحتمية التاريخية والحتمية البيولوجية والحتمية الأيدولوجية ليتولد منها حرية الإنسان
نعم ، أنا أتمرغ في التراب ، لكني في الأصل هابط من السماء
أنا المستهين الوحيد بالحياة ، والحياة لا تحترم إلا من يستهين بها
كل ما تسألون الله أن لا يقع لكم أنا ذهبت إليه على قدميه إني بلا فخر بحر من المعرفة
جدي أوقف كل ثروته للحسين فهل أنا أغنى من الحسين حتى يوقف له ثروته
أنا صنف من البشر لا يُهزم ، أنا من هزم كل الأعداء ، وما زلت أحيا
ومع ذلك فأنا لا أيئس أبدا أنا القادم إليكم لينقذكم من الضياع والهلاك
أنا القادم إليكم لينقذكم من الضياع والهلاك
نظريتي بين أيديكم فاقرؤها قبل أن يحل بكم الهلاك يا غجر
أنا لن أيئس وسوف أنقذكم من الضياع والهلاك "
نور الشريف وبراعة أدواره في 3 أفلام عن الله والشيطان والحياة والآخرة .
ثم تأتي ثاني أعمال نور الشريف في فيلم البحث عن سيد مرزوق والمتأمل للفيلم سيجده يصور الحياة البسيطة لبطل الفيلم التي تتغير لتدخل سيد مرزوق فيها " على حسنين " والذي يقوم بسحب يوسف " نور الشريف " لغمار الدنيا من البوتقة داخل قوقعة النفس
وكأن النفس هي الجنة وحين يخرجه منها كإبليس يتركه وحيداً ليتهم بعد ذلك في قتله ، ويظل هارباً يبحث عنه طيلة الفيلم في رحلة بحث لا تنتهي للوصول إلى بر الآمان ، والإنسان لا يلتقي بإبليس إلا في الآخرة دون أن يلتقط أحدهم طرف الخيط ، ولتبقى رحلتنا في البحث عن الله والوصل للإيمان مشروطة ببذل الجهد والخروج للدنيا ، ليس فقط البقاء بين جدران المساجد وهي نفس الفكرة التي تعرض لها نجيب محفوظ بجوه الصوفي في قلب الليل .
حسين فهمي ونور الشريف والنية والإرادة مع الله وإبليس .
ثم تأتي ثالث أعمال نور الشريف وهو فيلم اختفاء جعفر المصري مع حسين فهمي
حيث تتناول فكرة الفيلم موضوع العلاقة بين النية والإرادة عند إبليس والدنيا والفرق بينهما عند الله في نفس الدنيا ولكن النهاية في الآخرة
فأحداث الفيلم تدور حول المنافسة بين اثنين من رجال الاعمال هما جعفر " نور الشريف "
و داوود " زين عشماوي " والتى تصل الى حد ان يقتل كل منهما الاخر
وهنا يظهر الشيطان " حسين فهمى " لداوود فى صورة رجل ويطلب منه الموافقة على تخليصه من جعفر منافسه اللدود فيوافقه داوود ثم يتراجع بعد فترة فيخسر داوود كل شيء
و بعد فترة قصيرة يفقد جعفر كل امواله فى البورصة فيذهب اليه الشيطان ويعرض عليه ان يعيد اليه كل ما فقده من امواله فى مقابل موافقته على قتل احد الصيادين فيوافق جعفر ويقوم بالفعل بقتل همام الصياد الفقير الذى كان يعول اسرته الصغيرة ، يعانى جعفر من عذاب الضمير فيذهب لقرية الصيادين حيث يقابل حليمة " رغدة " زوجة همام وعندما يقرر ان يعترف لها بأنه هو الذى قتل زوجها تخبره بان سالم " حسين فهمى ايضا " شقيق زوجها
هو الذى قتله ، يحاول الشيطان اغراء جعفر مرة اخرى ولكنه يتغلب عليه ويعود الى رشده ويعيش قصة حب مع حليمة ويتزوجها فى النهاية وينجب منها ومن خلال الاحداث نرى كيف ان الانسان الضعيف يمكن ان يبيع نفسه للشيطان مقابل هدف مادى او مصلحة شخصية
الفيلم يتعرض لقضية هامة جداً وهي قضية الحب والتي يمكن أن يكون منبعاً دينياً أصله الله
فاروق الفيشاوي ومحمود عبد العزيز ولقاء الشيطان وملك الموت .
تتكرر علاقة إبليس والإنسان في الدنيا والله مع ملك الموت في الفيلم الرابع وهو سوق المتعة
لوحيد حامد وسمير سيف ، وتدور قصة الفيلم حول نفس صفقة جعفر المصري ولكنها من نوع مختلف ، فهناك صفقة أدخلت أحمد " محمود عبد العزيز " للسجن والذي تم الإرماز له بالأرض بينما النعيم الذي كان عليه وهو الغِنى كان الجنة فيتم عرض صفقة أخرى عليه من ويطرح الفيلم عدة تساؤلات خفية عن علاقة الإنسان بالحياة والتحولات التي تفرضها عليه الظروف ، ولكن يُحسم هذا بالموت ولكن ليس بسبب شيء إلا نقض العهد مع الشيطان
وظهر ذلك جلياً في جملة قالها فاروق الفيشاوي
" أنا بتشاف مرة واحدة بس
اللي بيشوفني تاني محدش بيشوفه بعد كده
يعني لو شوفتني مرة تانية لازم تعرف اني جاي أقتلك "
خالد صالح وهاني سلامة وخالد يوسف والعداوة بين روحانية السماء ومادية الأرض .
ويتكرر الموضوع نفسه من زاوية في الفيلم الخامس وهو الريس عمر حرب
فالكازينو هو الدنيا ، التي بتا كافة الأفكار الفلسفية فالريس عمر حرب في رأيه الشيطان الذي يغوي الإنسان ، ويحرك غرائزه الجنسية والمادية .. أراد أن يخلق صراعاً بين الخير والشر على طريقته ، ينتصر فيه الشر في النهاية ، بحكم أن لغة الشر هي المتصدرة على كل شيء في عالمنا الحالي وبرغم تعدد الجوانب في الفيلم بين الجوانب الإنسانية والعاطفية ، والجنسية ، والمادية في الفيلم إلا أن المتأمل للفيلم يجد أن عمر حرب ليس الشيطان بل هو الاله
و منير هو عدو عمر حرب و خالد هو الانسان و الكازينو هو العالم...
ويطرح الفيلم كما يرى أغلب المفكرون أن الانسان يعيش فى العالم القذر ويشعر بالذنب و يتألم لأنه لم يعد قادرا على العودة الى بيت ابيه وهنا يتخلص حال الانسان المطرود من الجنة
و يشعر بأنه خاطى و ان الاله اصبح يكرهه بسبب الخطيئة وهذا التصور عن وجود عداوة بين روحانية السماء ومادية الارض
تكون المفاجأة أن منير ليس عدواً لعمر حرب فالشيطان فى الواقع ليس عدواً للإله
بل مجرد " موظف " عنده لتُختتم قصة الفيلم بمشهد "المصالحة " بين عمر حرب و بين خالد وهنا قضية المصالحة بين الاله و الانسان عن طريق الكشف و المعرفة
عندما يقوم حرب الوهم وإظهار الامور على حقيقتها امام خالد
لينتهي الحال بأنه لا توجد مصالحة حقيقية فى الفيلم لأنه لم توجد خصومة اصلاً
كل ما حدث هو ان خالد صار يعلم الحقيقة التى تعذب كثيراً لأنه لم يفهمها كتاريخ في الماضي
أحمد زكي وداوود عبد السيد يُشكلان فكرة الوجودية بالإسقاط والرمزية .
ثم نصل إلى الفيلم السادس وهو فيلم أرض الخوف لداوود عبد السيد وأحمد زكي
والذي طرح قضية الوجودية
يُخطئ من يظن أن فيلم ارض الخوف فيلما بوليسيا بل هو فيلم يطرح فكرة الوجودية
ويكون البطل الرئيسي في الفيلم هو الاسقاط و الرمزية في عدة أدلة بالمشاهد منها :
اعطاء الضابط يحيى اسم حركي " ادم " وفي ذلك اشارة الى نزول الانسان على الارض
ثم المشهد الذي يتم فيه تقديم تفاحة داخل طبق للضابط يحيى
كذلك دور الفنان عبد الرحمن ابو زهرة موظف البريد الذي يتلقى الرسائل من الضابط
واسمه " موسى " وفي ذلك اشارة الى بدء نزول الرسالات السماوية
وأن عدم الرد على رسائل الضابط يحيى من قبل القيادات حتي ينتابه التخبط والشك عما اذا كان في مهمة سرية أم ان تلك المهمة من نسج خياله وان حياة الاجرام هي حياته الحقيقية
يطرح عدة تساؤلات :
هل الانسان في مهمة و اختبار سماوي على الارض ؟
هل بما أن الدنيا دار اختبار سيظل الانسان في اشتياق لحياة الارض ؟
أمام كل هذه الأفلام تبقى الحقيقة خالدة وهي أن الفن عالم ساحر
ولكن شرط أن تُدرك سحر هذا العالم أن يكون لك حساً فلا إحساس لمن لا حس له
وهناك احتمال كبير أن يحدث صدام بين الدين والفن بالفكر
ولكن في النهاية سيعلو الدين على الفن