أخبار عاجلة

"الصندوق المجتمعي" تجربة وطنية فريدة خففت الآثار الاقتصادية لجائحة "كوفيد-19"

استفاد من مبادراته 9 ملايين شخص بكل مناطق المملكة غالبيتهم من الأسر الأكثر تضررًا

فرضت جائحة "كوفيد-19" تحديًا على كل حكومات ومجتمعات العالم، واستجابة لهذا التحدي تباينت مبادرات ومعالجات الدول في مواجهة الجائحة من الناحية الصحية ومن ناحية آثارها الاقتصادية والاجتماعية.

وفي المملكة العربية تميّزت الاستجابة بنظرة شمولية منذ البداية إذ وضعت نصب عينها معالجة الآثار الاقتصادية بالتزامن مع مواجهة المخاطر الصحية، وكان ذراعها في مواجهة الآثار الاقتصادية مبادرة "الصندوق المجتمعي".

استجابة سريعة

"استطعنا بفضل الله ثم بجهود حكومة سيدي خادم الحرمين الشريفين وولي عهده التكيّف بسرعة مع التحديّات التي فرضتها جائحة كورونا كوفيد -19 على مستوى العالم والتي امتد تأثيرها إلى الحياة الاقتصادية والاجتماعية التي هي من صميم اهتمام وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وقد عملنا في الوزارة على إدارة الأزمة بتوازن لا يهمل أي جانب فأطلقنا مبادرة "الصندوق المجتمعي" بهدف تخفيف آثار الجائحة الواقعة على الفئات المتضررة، استشعارًا لأهمية الإنسان في بلادنا الغالية" بهذه الكلمات يشير نائب وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية ماجد بن عبدالرحيم الغانمي إلى نشأة الصندوق المجتمعي الباكرة التي كانت من أسباب نجاحه.

ويفصّل الدكتور محمد بن عبدالله المجيدل، عضو مجلس إدارة مجلس المؤسسات الأهلية، في نشأة الصندوق بقوله إن اجتماعًا مشتركًا ضم وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية والهيئة العامة للأوقاف ومجلس المؤسسات الأهلية ومجلس الجمعيات الأهلية بغرض توحيد المبادرات التي نشأت استجابة للتحديات التي فرضتها الجائحة، مبيّنًا أن الاجتماع خرج بتوصيات كان من أهمها تأسيس الصندوق المجتمعي والتزام أطراف الاجتماع بإيداع مبلغ مائة مليون ريال لإطلاق الصندوق وتحفيز مساهمة بقية القطاعات.

رؤية نبيلة

يؤكد أحمد صالح بن ماجد، وكيل تنمية المجتمع بوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، أن "الوزارة عملت على إدارة الأزمة بتوازن لا يهمل أي جانب" وتبعًا لذلك جاءت مبادرة الصندوق المجتمعي لأجل تخفيف آثار الجائحة الواقعة على الفئات المتضررة، استشعارًا منا لأهمية الإنسان في بلادنا الغالية".

ويضيف أن رؤية الصندوق تمثلت في تحقيق "مجتمع متكاتف في الأزمات والكوارث"، فيما ركزت رسالته التي نشأ لتأديتها على "مساندة الأجهزة الحكومية في الاستجابة للأزمات والكوارث عبر تحفيز القطاعين الخاص والأهلي والأفراد والمؤسسات على تمويل وتنفيذ المبادرات الإسعافية التي تخفف الآثار الاجتماعية والاقتصادية لجائحة كورونا". وقال ابن ماجد إن أربعة أهداف تفرعت عن الرؤية والرسالة كانت هي محاور مبادرات الصندوق، وعدّد تلك الأهداف في "مساندة جهود القطاع الحكومي في الحد من آثار الأزمات، وتفعيل دور القطاع الأهلي في مواجهة الأزمات والكوارث، وتخفيف آثار الأزمة عن الفئات المجتمعية الأشد تضررًا، وتوسيع نطاق المعالجات ليشمل كل مناطق المملكة".

وفي السياق نفسه، يشير الرئيس التنفيذي للصندوق المجتمعي، فيصل اليوسف، إلى القيمة التي قام عليها الصندوق وكانت سببًا في نجاحه"، "كان زادنا في المعالجة قيم التكافل والتعاون الراسخة في مجتمعنا وفي قطاعات أعماله، التي كانت وستظل كفيلة بإعانتنا على تجاوز الأزمة وخفض الضرر إلى أقل المستويات. وقد عملنا على استنهاض تلك القيم عبر "الصندوق المجتمعي" الذي اضطلع بمهمة استقطاب الدعم من المحسنين وقطاعات الأعمال، وتحويله إلى مساعدات ترفع الضرر عن المتأثرين اقتصاديًا من الجائحة. بل امتد عطاء الصندوق إلى مساندة الجهات الصحية في عملية التوعية والتثقيف".

شراكات مثمرة

نفّذ الصندوق المجتمعي مبادراته عبر جمعيات محلية في كل منطقة، وذلك عبر تمويل الجمعيات من صندوق التبرعات وبالتالي تتولى الجمعيات مسؤولية تحويلها إلى مواد وبرامج حسب حاجة المستفيدين الذين تقوم هي بتحديدهم تحت إشراف الهيئة العامة للأوقاف ومجلس المؤسسات الأهلية ومجلس الجمعيات الأهلية.

ويعد وكيل تنمية المجتمع بوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أحمد صالح بن ماجد هذه الشراكة بين الصندوق والكيانات الأهلية أحد عوامل نجاح الصندوق، بعد وجود ثقافة التكافل وسرعة تأسيس الصندوق ويقول: "ومما زاد من تميز مبادرة الصندوق أنه استنهض روح التعاون في المجتمع، حيث تضافرت جهود مختلف القطاعات مع الجهود التي تقوم بها الوزارة، كما ساعد نشوء الصندوق المبكّر على استباق الآثار ومكافحتها وخفضها. وإضافة إلى هذين العامِلين المهمين اكتمل مثلث التميّز بالعمل مع شركائنا".

وعن هذه الشراكة الثلاثية، يقول رئيس مجلس الجمعيات الأهلية، الدكتور سعدون السعدون عضو لجنة الصندوق، إن الصندوق المجتمعي شكّل لجنة تنفيذية ضمّت ممثلين عن الجهات الثلاث كانت سببًا في تنسيق الجهود وكفاءة العمل.

وفيما يخص دور مجلس الجمعيات الأهلية قال السعدون إن الصندوق مكّن الجمعيات التي تقع تحت إشراف مجلس الجمعيات الأهلية من لعب دور الذراع التنفيذي لتوصيل الدعم للمستفيدين من مبادرتي "غذاؤنا واحد" و"إفطار رمضان"، إضافة إلى الانفراد بتنفيذ مبادرة "وطن العطاء" بتمويل من مصرف الراجحي عبر الصندوق المجتمعي بتكلفة تسعة ملايين ريال.

من جانب آخر أثنى الدكتور محمد بن عبدالله المجيدل، عضو مجلس إدارة مجلس الجمعيات الأهلية، على الشراكة التي قام عليها الصندوق وأوضح أن من عوامل نجاحها توزيع الأدوار بدقة حسب الاختصاصات، وأوضح أن مجلس المؤسسات الأهلية تولى حوكمة أعمال الصندوق بغرض إحكام عمليات استلام وصرف التبرعات وبالتالي كسب ثقة المانحين، إضافة إلى التواصل مع المؤسسات المانحة والوقفية وشرح أهداف الصندوق وأدواره وآلية عمله.

أما عبدالرحمن العقيل عضو لجنة الصندوق، نائب محافظ الهيئة العامة للأوقاف، فقد كشف عن جانب آخر من أوجه الشراكة تمثل في تقديم الدعم للحرمين الشريفين لتطبيق احترازات الوقاية من الجائحة وتهيئتهما لفتح أبوابهما للمصلين.

وإلى جانب ذلك كشف العقيل عن تعاون وثيق بين الهيئة العامة للأوقاف ووزارة الشؤون الإسلامية تحت مظلة الصندوق المجتمعي أثمرت عن تقديم الدعم في تطهير وتعقيم أكثر من أحد عشر ألف جامع ومسجد على مستوى المملكة.

تبرّعات سخيّة

فور إطلاق الصندوق المجتمعي برأسمال مستهدف (500) مليون ريال، تدفقت التبرعات على خزانة الصندوق من كل القطاعات. وتبيّن إحصائيات المساهمين في الصندوق حسب القطاعات أن مساهمة الجهات الحكومية بلغت في جملتها (316,893,300) ريال، تلتها مساهمة القطاع المصرفي بمبلغ (101,084,000) ريال، ومن بعدها مساهمة شركات القطاع الخاص بمبلغ (27,350,039) ريالاً، ثم المؤسسات المانحة بمبلغ (23,900,000) ريال، وأخيرًا تبرعات الأفراد بمبلغ (2,128,126) ريالاً.

ولأن الظروف التي فرضتها الجائحة أثّرت على مدخرات الأسر والأفراد من المال والتموينات وأصبحت هناك فئات بحاجة إلى الدعم الغذائي؛ أطلق الصندوق مبادرتين هما "غذاؤنا واحد" و"إفطار صائم" اللتين اشتملتا على مواد غذائية جافة وأخرى وجبات جاهزة.

وتشير تقارير الصندوق إلى أن عدد الوجبات الموزعة عبر مبادرات الصندوق قد بلغ أكثر من (ستة ملايين) وجبة جاهزة، فيما تجاوز عدد السلال التي احتوت مواد غذائية جافة (مليوني وثلاثمائة) سلة من حساب الصندوق. وبلغ مجمل الدعم المقدم من الصندوق لمبادرة "غذاؤنا واحد" (189,198,000) ريال مقابل (52,000,000) ريال لمبادرة "إفطار رمضان".

وإذ تجاوز إجمالي عدد المستفيدين مبادرات الصندوق الاقتصادية في كل مناطق المملكة (تسعة ملايين)، تُظهر البيانات أن غالبيتهم من الأسر الأكثر تضررًا، والباعة المتجولون، والأسر المنتجة، والعمالة المتعطلون عن العمل، والجاليات.

ونجح الصندوق في الوصول إلى المستفيدين عبر استنهاض طاقات المتطوعين من أبناء المملكة من الجنسين، إذ فاق عدد المتطوعين في تنفيذ مبادرات الصندوق 120 ألفًا وبلغ على وجه التحديد (121.820) متطوعًا ومتطوعة.

ويتضح من تقارير الصندوق أن دوره لم يقتصر على تقديم الدعم الغذائي فقط بل دعم برامج تثقيفية وأخرى صحية في إطار مساندة الجهود الصحية للحد من انتشار الجائحة عبر رفع الوعي. فالجمعيات التي تلقّت دعم الصندوق بلغت (633) جمعية في مجالات الإغاثة والصحة والتثقيف.

شكر وتقدير

في إفادته، ركز المدير التنفيذي للصندوق، الأستاذ فيصل اليوسف، على شكر كل من أسهم في إنجاح فكرة ومبادرات الصندوق، قائلاً: "ما كان لمبادرة الصندوق أن تنجح في المهمة المعقودة عليها لولا عطاء المانحين والمتبرعين من مؤسسات وشركات القطاع الخاص".

وأشار اليوسف إلى قائمة طويلة من الجهات المانحة، أبرزها: مؤسسة سالم بن محفوظ الأهلية، مؤسسة سليمان صالح العليان الخيرية، مبرة شهداء الحرم المكي الشريف، أوقاف محمد إبراهيم السبيعي، مؤسسة عبد الله بن عبدالعزيز الراجحي الخيرية، مؤسسة سليمان صالح العليان، مؤسسة المجدوعي الخيرية، مؤسسة سليمان بن عبد العزيز الراجحي الخيرية، مؤسسة نماء الراجحي الإنسانية، مؤسسة سالم بالحمر وعائلته الخيرية.

وأضاف اليوسف: "ما كان ذلك العطاء ليصل إلى أهل الحاجة في الوقت المناسب بالهيئة المناسبة لولا تعاون المؤسسات والجمعيات الأهلية التي تسلّمت دعم الصندوق وقامت بتحويله وتوصيله إلى المستفيدين في كل مناطق المملكة".

وتوجّه اليوسف بالشكر إلى "كل من دعم وسهّل عمل الصندوق، وفي مقدمتهم إمارات المناطق وشركاؤنا المشرفون على تنظيم العمل الوقفي والأهلي: الهيئة العامة للأوقاف، مجلس المؤسسات الأهلية، مجلس الجمعيات الأهلية"، حسب قوله. وأضاف: "ويمتد الشكر إلى المتطوعين من شباب المملكة الذين قامت مبادرات الصندوق على أكتافهم الفتيّة وقلوبهم الوطنية".

وفي ختام إفادته أثنى اليوسف على كوادر الوزارة في جميع فروعها، الذين تولّوا في أحلك الظروف مهمة التصدي للجائحة وتقديم الدعم للمتضررين، متحملين مخاطر العمل ومؤثرين مصلحة المجتمع، ووصفهم بأنهم "كانوا جسور الخير حين تقطعت بالناس السُبُل".

تجربة خالدة

هل ينتهي دور الصندوق بزوال جائحة كورونا؟ يجيب أحمد صالح بن ماجد، وكيل تنمية المجتمع بوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، أن الصندوق باقٍ لمواجهة أي مستجدات وأن الخبرة التراكمية التي تكوّنت له لن تضيع سدى.

ومن جانب آخر يصف عبدالرحمن الأحيدب، المدير التنفيذي لمجلس المؤسسات الأهلية بأن الصندوق كان كالــ "البذرة الرائعة" التي ستبقى دومًا لمواجهة النوازل والطوارئ على ذات المبدأ التعاوني والتنسيقي بين الشركاء الثلاثة وبابتكار منتجات تناسب كل حادثة وتلبي حاجة المستفيدين.

وفي السياق ذاته دعا الأستاذ عبدالرحمن العقيل، نائب محافظ الهيئة العامة للأوقاف، إلى استمرار الصندوق بالأهداف النبيلة ذاتها والاستفادة من تجربته التنظيمية وفكرته الفريدة.

صحيفة سبق اﻹلكترونية