أخبار عاجلة

المنشغلون أبدًا..!

المنشغلون أبدًا..! المنشغلون أبدًا..!

المنشغلون أبدًا..!

يتمتع مجتمعنا السعودي - ولله الحمد - بأنه مجتمع شاب؛ إذ تؤكد الإحصاءات أن نحو ثلثَي السكان تحت سن الأربعين؛ وهذا يجعل المجتمع متسمًا بالحيوية، ومفعمًا بالحركة والنشاط في جميع المجالات. وقد وسَّعت الدولة - حفظها الله - من خطة الابتعاث على مدى العقدَيْن الماضيَيْن، وعاد عشرات وربما مئات الآلاف من المبتعثين إلى أرض الوطن محمَّلين بشتى أنواع العلم والمعرفة التي حصلوا عليها من كبريات الجامعات العالمية.

ومن الطبيعي أن يلتحق هؤلاء بمختلف مجالات العمل في القطاعَيْن الحكومي والخاص. ومن الطبيعي كذلك أن يتم ضخ دماء جديدة في شتى قطاعات الإنتاج، وكان من المتوقع أن يكون الحصاد مبهرًا في الميادين كافة، لكن في الحقيقة كانت النتائج دون المأمول!! فبدلاً من أن نرى تطورًا حقيقيًّا، نلمسه بالفعل في طرق وأساليب العمل والإدارة، وجدنا اقتصار الاهتمام على الشكل والمظهر في معظم الأحيان!! وبقاء الحديث عن التطوير في إطار الكلام فقط، والإخفاق - أحيانًا - في إحداث التغيير الذي كنا نتطلع للوصول إليه بنِسَب مُرضية على الأقل!!

وقد يتساءل البعض عن السر في ذلك، ولماذا لم يحدث تطوير حقيقي في معظم المجالات رغم توفير الإمكانات المادية الكبيرة، والموارد البشرية المؤهلة والمدربة على أحدث الطرق، وفي أرقى الجامعات؟!! والحق إن الإجابة واضحة ومفهومة.. وهذه النتائج غير مستغربة؛ فعندما ينصرف الاهتمام إلى الشكل على حساب المضمون فلا بد أن تكون النتائج سطحية وشكلية، لا تنفذ إلى العمق والجوهر والمضمون؛ وبالتالي يظل الوضع كما هو في معظم الأحيان.

ولا بد أن نعترف بكل وضوح وشفافية بأن هناك خللاً ما قد وقع على نطاق واسع ونحن نقوم بتعليم وتدريب وتأهيل هذه الكوادر البشرية؛ إذ جرى ترسيخ الاحتفاء بالمظاهر على حساب الجوهر؛ فترى الموظف يهتم بمساحة مكتبه وفخامة الأثاث الذي فيه أكثر من اهتمامه بتطوير خطط واستراتيجيات وأساليب العمل والإنتاج! بل إن هناك أعدادًا هائلة من الموظفين تقضي ساعات طويلة من أوقات العمل في السعي في لا شيء، وفي الكلام والتنظير بعيدًا عن محاولة بذل أي جهد حقيقي في التطوير والإبداع!

ومن أغرب الظواهر التي بدأنا نرصدها في المجتمع (ظاهرة الموظفين الجدد)، أدعياء الانشغال الدائم؛ فترى أحدهم يوهم كل مَن حوله بأنه لا يجد وقتًا لحك رأسه من كثرة الأعباء والمسؤوليات الملقاة على عاتقه، وكلهم تقريبًا يُشعرون مَن حولهم بأنهم حجر الزاوية، ونقطة الارتكاز في الشركة أو المؤسسة أو جهة العمل التي يعملون فيها، بل يوهمونك بأنهم أصبحوا محور الكون، وتتقمصهم روح غريبة جدًّا من العجلة والتوتر!! فهم من اجتماع لاجتماع، ومن ورشة عمل لأخرى، ومن رد على الهاتف الجوال أو محادثة عبر تحويلة العمل إلى تعقيب على أحد الإيميلات الرسمية، وتظل تلاحق أحدهم ليشرح لك خطته في تطوير العمل، وتبنيه رؤية محددة تحقق الأهداف والتطلعات المأمولة، لكنك لا تظفر بإجابة شافية، ولا تجد شيئًا ذا بال!!

وأبرز ما نرصده من سلبيات في هذا الشأن هو ادعاء هؤلاء الموظفين الجدد أنهم وحدهم يحتكرون الحقيقة والفهم؛ الأمر الذي أدى إلى وجود قطيعة وظيفية عميقة، تزداد يومًا بعد يوم!!

صحيفة سبق اﻹلكترونية