أخبار عاجلة

"آيا صوفيا" من متحف إلى مسجد.. جدل وانقسام.. ماذا أراد "أردوغان" من وراء القرار؟

"آيا صوفيا" من متحف إلى مسجد.. جدل وانقسام.. ماذا أراد "أردوغان" من وراء القرار؟ "آيا صوفيا" من متحف إلى مسجد.. جدل وانقسام.. ماذا أراد "أردوغان" من وراء القرار؟
اتهامات للرئيس بالاستغلال السياسي.. ومنعطف حاد في العلاقات التركية – الأوروبية

أثار إعلان تركيا تحويل آيا صوفيا إلى مسجد بعد أن ظل متحفًا لأكثر من 80 عامًا عاصفة هادرة من الجدل والانتقادات والاعتراضات، وهو الجدل النابع من كون المسجد الذي جرى تحويله إلى متحف في عهد الرئيس التركي الأسبق كمال أتاتورك عام 1935م، كان في الأصل كاتدرائية بناها الإمبراطور البيزنطي جستينيان الأول، وظلت لقرون رمزًا للكنيسة الأرثوذكسية، ولعبت دور الكنيسة المركزية للإمبراطورية البيزنطية التي يُتوج فيها الأباطرة.

الجدل الذي أثير لم ينطفئ بعد، وما زال يخيم على النقاشات والأحاديث في وسائل الإعلام وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، فبعضهم يصفه بالقرار السياسي، رغبة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في استرجاع شعبيته وشعبية حزبه المتدنية في الفترة الأخيرة، خصوصًا في أوساط التيار المحافظ، وعلى الرغم من ذلك يلفت مراقبون إلى أنه لن يساعد "أردوغان"، ولن يغير من التوقعات السياسية حول مستقبله. فيما يراه آخرون سيزيد من حدة الانقسام والاستقطاب في الداخل التركي، كما سيشكل منعطفًا حادًا في العلاقات التركية الأوروبية، في ظل سعي تركي قديم محموم للالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي.

تمهيد وبيئة خصبة

وعلى الرغم من صدور القرار قبل أيام بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد، إلا أن المحلل السياسي المختص بالشأن التركي، كرم سعيد يرى أن الرئيس التركي وحزبه الحاكم قد مهد له عبر السنين الماضية، وأوجد له الأرض الخصبة لتنفيذه، وعن ذلك يقول لـ"سبق" إنه: "كان هناك مؤشرات كثيرة سبقت هذا القرار قبل نحو 4 أعوام، فقد كان هناك حديث تركي متواتر في الداخل عن أهمية وقيمة آيا صوفيا للمجتمعات المسلمة. فقد كان يتم فتحه في بعض الأحيان والمناسبات الرمزية، وتلي القرآن عشية عملية نبع السلام، فقد كان هناك جهد من حزب العدالة والتنمية لتوفير بيئة خصبة قبيل تحويله من متحف إلى مسجد".

ولكن في ظل الأزمات المتلاحقة التي تعيشها تركيا، والتدهور الاقتصادي، وانخفاض قيمة العملة، فضلاً عن التعامل الضعيف مع جائحة كورونا، فقد كان من الغريب إثارة جدل لا يهدأ حول "آيا صوفيا"، ويفتح الباب لصراعات مع أوروبا، في ظل عدم رضا أوروبي عن أطماع أردوغان في سوريا وليبيا والعراق، وتعامله السيئ مع الملف الكردي، وغيرها من الملفات الداخلية.

محاولات لكسب كتل انتخابية

ويرى "سعيد" أن للقرار أهدافًا أخرى منها محاولة القفز على تراجع موقع وشعبية حزب العدالة والرئيس التركي في الداخل التركي، خصوصًا أن كل الاستطلاعات التي أجريت في الفترة الماضية كشفت عن تراجع شديد لشعبية الرئيس مقارنة بصعود بعض رموز المعارضة سواء صلاح الدين ديميريتاش، أو أكرم إمام أوغلو، أو منصور يافش رئيس بلدية أنقرة الذي أحرز نجاحات كبيرة في مكافحة كورونا مقارنة بالأداء الضعيف للحكومة التركية، على حد تعبيره.

ويضيف الباحث في الشأن التركي أن القرار ليس إلا محاولة لتثبيت ولاء القطاعات الانتخابية المحافظة لحزب العدالة والتنمية، وكذلك محاولة لكسب قطاعات أخرى ذات ميول إسلامية مؤدلجة، محذرًا في الوقت نفسه من تداعيات القرار داخليًا وخارجيًا، إذ سيزيد من حدة الاستقطاب السياسي والمجتمعي في الداخل، وسيعود من جديد النزاع على هوية الدولة بين تركيا علمانية أقرب لأوروبا، خصوصًا في ظل مكافحتها للالتحاق بالاتحاد الأوروبي، وما بين تيار يعلي من شأن أهمية أن تكون أنقرة في صدارة العالم الإسلامي، واستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية القديمة. كما سيؤثر على صورة أنقرة في الأوساط الدولية بعد الانتقادات الشديدة التي وجهت إليها على خلفية القرار.

خلق حالة انقسام سياسي

وعبّر رئيس الوزراء الأسبق، ورئيس حزب "المستقبل" المعارض، أحمد داوود أوغلو عن خشيته من تبعات القرار في زيادة حدة الاستقطاب السياسي في بلاده، والتغطية على التدهور الذي تعيشه حاليًا، قائلاً في تصريحات تلفزيونية: "تركيا لديها مشكلة مع جائحة كورونا، مع الحرية الاقتصادية، مع الحريات الإعلامية، مع الاستقطاب، ولا يجب استخدام آيا صوفيا للتغطية على كل هذه القضايا، يجب ألا ننسى أن لتركيا بعدًا دوليًا، كان يجب شرح قضية آيا صوفيا بطريقة منطقية لا جعلها حربًا إسلامية مسيحية".

مضيفًا: "لسنا ضد تحويل أيا صوفيا إلى مسجد، ولكن يجب عدم استخدام ذلك كأداة للحصول على أفضلية سياسية، ونشر المزيد من الاستقطاب داخل المجتمع، لقد عانت تركيا كثيرًا في آخر 4 سنوات من هذا الاستقطاب".

من ناحية أخرى، لا يتوقع إيرك إيسن، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بيلكنت في أنقرة، أن ينجح القرار في توسيع قاعدة "أردوغان الانتخابية، كما أنه من غير المرجح أن يكون للتغيير أي تأثير على الناخبين الشبان في تركيا، الذين ينفرون من حزب العدالة والتنمية، على حد تصريحاته لموقع "أحوال تركية".

بطالة ونفور

فبحسب الدراسة التي أجراها مركز "غيزي" للبحوث فإن نحو 13 مليون شاب تركي لا يتبنّون قيم حزب العدالة والتنمية المحافظة. ويبقى أكثر من ربعهم عاطلين عن العمل، حيث بلغت نسبة البطالة لدى المواطنين الأتراك الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة نحو 25 % في الأشهر الأخيرة.

ويتابع "إيسن": "بالنسبة للناخبين الشباب، ليست آيا صوفيا قضية مهمة حقًا. ما هو أكثر أهمية من الافتقار إلى فرص عمل جيدة، ونقص الفرص التعليمية، والانكماش الاقتصادي؟".

قرار سياسي انتخابي

ويتفق المحلل السياسي محمد حامد في تصريحات لـ"سبق" مع ما أورده "إيسن"، بقوله إن القرار لا يؤثر إطلاقًا على الناخبين الأتراك الذين يبحثون عن قرارات تخدم الاقتصاد التركي الهش، الذي يواجه صعوبات كبيرة في النمو في السنوات الأخيرة.

ويزيد "حامد" بقوله إن القرار أيضًا ليس من شأن المسلمين في أي مكان في العالم، ولا يعود على الشعوب المسلمة بأي مصلحة، ويتابع بقوله إن: "القرار سياسي بامتياز، وموجه للداخل، وللناخبين من الكتلة الإسلامية المحافظة المؤيدين لتوجهات العدالة والتنمية، أو حزب الحركة القومية، وله علاقة بالقوميين الأتراك والتيار المحافظ. فهو يعد محاولة ترميم لشعبية الحزب الحاكم الذي يواجه انشقاقات داخلية".

ويصف الباحث السياسي أهداف القرار، وما يريده الرئيس التركي من خلفها بالتشويش على التدهور الاقتصادي، مشيرًا إلى أن تركيا تعيش تعثرًا منذ عام 2018 قبل جائحة كورونا. ويردف: "كما يريد [أردوغان] أن يخلق حالة صدام مع اليونان وأوروبا المسيحية، وتوظيف القرار دينيًا بحديث عن القدس وربطها بتحويل آيا صوفيا، على الرغم من العلاقات الأردوغانية القوية مع إسرائيل".

ويرى "حامد" أن القرار أصدر منه "أردوغان" وليس من مجلس الدولة التركي، لافتًا إلى أنه بحسب دستور البلاد، فإن للرئيس أن يعين نصف أعضاء المجلس، فضلاً عن افتقاد القضاء التركي للنزاهة، على حد قوله.

صحيفة سبق اﻹلكترونية