مع اشتداد أزمة تفشي جائحة كورونا بدأت بعض الأصوات تتصاعد مطالبة بالاستغناء عن العمالة الوافدة، وإرجاع الملايين منهم إلى بلادهم. وقد تجاوزت بعض الأصوات -مع الأسف- حدود المنطق في هجومها على العمالة الوافدة، والزعم بأنها كانت سببًا وحيدًا ومباشرًا في تفشي فيروس كورونا بيننا، والادعاء من البعض بأن الوافدين أكلونا وأكلوا خيرات بلادنا. والحق أن هذه المزاعم والادعاءات يشوبها قدر كبير من التهويل والمبالغة والبُعد عن العدل والإنصاف.
ولا أجد ردًّا على هؤلاء أفضل من كلمة رائعة لمولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله-، قالها قبل أعوام في ندوة حول هذا الموضوع عندما كان أميرًا لمنطقة الرياض؛ إذ قال: "إن هؤلاء العمال الوافدين جاؤوا إلى بلدنا برغبتنا، وبطلب منا، ويعيشون بيننا بمحض إرادتنا؛ ليقدموا الخدمات المطلوبة منهم لمجتمعنا في كل المجالات. وقد أسهموا بجهدهم وعرقهم في بناء مجتمعنا، وتطوير جميع جوانبه". ودعا -أعزه الله- إلى حُسن معاملتهم، والبر بهم، وإعطائهم حقوقهم غير منقوصة.
وتشير بعض التقديرات الإحصائية إلى أن عدد سكان المملكة العربية السعودية يقترب من نحو 35 مليون نسمة، منهم قرابة 14مليون وافد. وقد اعتدنا بين الفينة والأخرى على إثارة مسألة العمالة الوافدة!! وتختلف طريقة التعاطي معها بحسب اختلاف الظروف، وتنوُّع الأهواء.. ففي حين تتعالى أصوات قلة من النشطاء بطرد هذه العمالة نجد أصواتًا أخرى تتعامل مع الموضوع بطريقة أكثر هدوءًا وموضوعية، وأكثر حكمة وعقلانية.
وفي الحقيقة لا يمكن إنكار أهمية الدور الذي لعبته العمالة الوافدة في كل المجالات والقطاعات، ولاسيما التعليم، والطب، والتشييد والبناء.. وغيرها، فبجهود أبناء الوطن وهؤلاء نرى هذه النهضة العمرانية والتعليمية والصناعية المزدهرة في ربوع مملكتنا الحبيبة من أقصاها إلى أقصاها، التي تتمتع بها كل مدننا ومناطقنا -ولله الحمد والمنة-. ومن الوفاء والنبل والشهامة الإسلامية والعربية أن نقول لهؤلاء الناس شكرًا على كل ما بذلتموه وقدمتموه لنا ولأبنائنا.. ولكن على صعيد آخر من حقنا أن نفكر في مصالح أبنائنا وبناتنا من الأجيال الصاعدة التي تلقت قدرًا كبيرًا من التعليم والتدريب والتأهيل والدراسة؛ فمن حق هؤلاء أن يجدوا فرص العمل المناسبة في وطنهم؛ ليعيشوا فوق أرضهم سعداء مسرورين. وهنا يجب على كل شاب سعودي وفتاة سعودية أن يتعلموا ويدرسوا؛ كي يمتلكوا المهارات الكافية لإثبات جدارتهم بالالتحاق بفرص العمل المناسبة لهم فوق تراب وطنهم، وهكذا وبالتدريج يتم إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة، ويتم الأمر بكل هدوء وسلاسة، ويأخذ أبناء الوطن فرصتهم في حمل مسؤولية النهضة في بلدهم؛ لأنهم الأولى بذلك.. ولكن في الوقت نفسه علينا أن ندرك أنه لا يمكن الاستغناء بشكل كامل عن العمالة الوافدة في كل المجالات في لحظة واحدة؛ فسوف يستغرق الأمر بعض الوقت، وسنبقى دائمًا في حاجة إلى الكفاءات المتميزة في كل المجالات. علمًا بأن كل الدول العظمى فيها عمالة أجنبية.