مباشر-أحمد شوقي: حالة من التفاؤل الحذر تخيم على المستثمرين في سوق النفط قبل الاجتماع المرتقب لأعضاء أوبك والحلفاء يوم الخميس، مع انتظار ماذا يمكن أن يفعل كبار المنتجين لإنقاذ السوق.
الحذر يأتي من أن سوق النفط لا يحتمل صدمة أخرى مع حقيقة تعرض أسعار الخام لأكبر خسائر شهرية على الإطلاق خلال مارس/أذار الماضي بأكثر من 54 بالمائة، دفعت السعر عند 20 دولاراً للبرميل وهو المستوى الأدنى منذ 2002.
وفضلاً عن التأثير الحاد لفيروس كورونا على الطلب، كان انهيار اتفاقية خفض الإنتاج بين أوبك وحلفائها بداية من الشهر الماضي القشرة التي قصمت ظهر البعير وكبدت أسعار الخام خسائر فادحة.
وكانت أوبك تريد تخفيض إضافي للإنتاج بمقدار 1.5 مليون برميل يوميًا حتى نهاية عام 2020، لمواجهة آثار فيروس كورونا على الطلب، لكن روسيا لم تكن على استعداد لتقليص إضافي للإمدادات.
ومنذ ذلك الحين، تعهدت روسيا والسعودية بإغراق السوق بالملايين من براميل النفط الزائدة في معركة ضارية حول حصتهما في السوق في منافسة مع النفط الصخري الأمريكي أيضاً.
لكن بدا أن الطرفان تأثرا سلبا بالهبوط الحاد للأسعار، ليقررا مجدداً العودة إلى طاولة المفاوضات بتدخل من الولايات المتحدة لحماية صناعة النفط.
وعاد الأمل إلى سوق النفط في الأسبوع الماضي مع بداية ظهور تقارير عن خفض حاد لإنتاج الخام مما جعل الأسعار تحقق أكبر مكاسب أسبوعية في تاريخها، لكن التوقعات تشير إلى أن أوبك لن تتمكن من فعل الكثير للسوق.
دوافع وآمال الاجتماع المنتظر
يحمل اجتماع كبار منتجي النفط في أوبك وحلفاءها وعلى رأسهم روسيا يوم الخميس آمالاً كبيرة بخفض حاد في الإمدادات يداوي جراح السوق المتضرر في الأساس من تراجع الطلب وحرب الأسعار التي اندلعت في أوائل مارس/آذار المنصرم.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، دعت السعودية أعضاء أوبك وحلفائها لاجتماع عاجل يوم الإثنين الماضي لموازنة سوق النفط قبل أن يتم تأجيله لاحقاً إلى الخميس.
وقال مسؤول بوزارة الطاقة الروسية لوكالة "تاس" إن الوزارة تلقت دعوة من أوبك للمشاركة في مؤتمر الفيديو يوم الخميس.
بالطبع لا يخفى أن تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف انهيار الأسعار بالحديث مع السعودية وروسيا كان سببا في الدعوة لاجتماع عاجل في ظل سعي ترامب لإنقاذ صناعة النفط في الولايات المتحدة.
وقال الرئيس الأمريكي في تغريدة عبر "تويتر" الأسبوع الماضي إنه تحدث مع مسؤولي السعودية وروسيا حول تخفيف الضغط في سوق النفط، وإنهاء حرب الأسعار، متوقعاً قيام "أوبك+" بخفض إنتاج الخام بأكثر من 10 ملايين برميل يومياً.
لكن ليس من المحتمل أن تتدخل الولايات المتحدة في سوق النفط وتتبنى خفضاً للإمدادات بالتعاون مع كبار المنتجين، خاصة مع تأكيد ترامب أن أوبك لم تطلب ذلك حتى الآن، لكنه أشار إلى أن إنتاج الخام الأمريكي انخفض بالفعل على أي حال مع معاناة الصناعة.
وكان تدهور صناعة النفط سببا رئيسياً في تغير موقف ترامب الذي طالما طالب أوبك وحلفاءها بخفض أسعار النفط، لكن مع الانهيار الأخير عكس الرئيس الأمريكي وجهته ليدعو إلى زيادة أسعار الخام.
وينظر محللو الطاقة في "أوراسيا جروب" إلى تغير موقف ترامب على أنه أكبر عقبة أمام صفقة "أوبك +" في ظل عدم الوضوح بشأن أولويات الرئيس الأمريكي، بحسب شبكة "سي.إن.بي.سي".
بالطبع وصول أسعار النفط إلى 20 دولاراً للبرميل يشكل معاناة لصناعة الخام في الولايات المتحدة حيث يتمحور إنتاجها حول النفط الصخري مرتفع التكلفة عن نظيره التقليدي كما أنه أقل كثيرًا من سعر التعادل لكافة مناطق إنتاج النفط الرئيسية في الولايات المتحدة.
ويوضح مسح أجراه الاحتياطي الفيدرالي في ولاية "دالاس" أن شركات النفط الأمريكية في أقل المناطق تكلفة للإنتاج في الولايات المتحدة (حوض بيرمان) تحتاج ليتراوح متوسط أسعار النفط عند 49 دولارًا للبرميل حتى تحقق أعمالها للتنقيب أرباحًا.
وظهرت تداعيات انخفاض أسعار النفط سريعاً، حيث أغلقت شركات التنقيب عن الخام في الولايات المتحدة 121 منصة في الأسابيع الثلاثة الماضية فقط لتصل إلى 562 منصة، ليس هذا فحسب بل تقدمت شركة التنقيب عن النفط الأمريكية "وايتننج بتروليم" في الأسبوع الماضي بطلب لحمايتها من الإفلاس.
وعلى صعيد الموقف الروسي، أعلن الرئيس فلاديمير بوتين أن بلاده مستعدة للتعاون مع أوبك لخفض إنتاج النفط بمقدار 10 ملايين برميل يومياً أو حوالي 10 بالمائة من الإمدادات العالمية.
وأشار بوتين أيضاً إلى أن روسيا على استعداد للتعاون مع الولايات المتحدة، أكبر منتج للنفط في العالم، والتي ليست جزءاً من مجموعة "أوبك+"، مضيفاً أن موسكو ترغب في أن يكون سعر النفط عند 42 دولاراً للبرميل.
كل التوقعات تشير إلى اقتراب أوبك والحلفاء من الاتفاق على خفض الإنتاج لكن يبقي الأهم هو مقدار الخفض ومدى مفعوله على أسعار النفط في ظل تراجع الطلب.
هل ينقذ الخفض المحتمل أسعار النفط؟
يقول "فاتح بيرول" مدير وكالة الطاقة الدولية إن تخفيضات الإنتاج المحتملة البالغة 10 ملايين برميل يومياً سوف تساعد فقط في التخفيف من الضرر الواقع على سوق النفط، لكنها لن تكون كافية، لأن المخزونات ستظل ترتفع بمقدار 15 مليون برميل يومياً في الربع الثاني، هذا سيعني أنه ستظل هناك ضغوط هائلة على أسواق النفط العالمية.
لكن أعرب "بيرول" في تصريحات أخرى عن ترحيبه باجتماع وزراء الطاقة في مجموعة العشرين يوم الجمعة، مشيراً إلى أن مهم للغاية لأنه حتى لو وُقعت هذه الاتفاقية السعودية الروسية بخفض الإنتاج البالغ 10 ملايين برميل يومياً، فلن يكون هذا كافياً لمعالجة المشكلة الكبيرة التي يواجهها السوق.
ومن جانبه، أبدى "بيارن شيلدروب" كبير محللي السلع في "إس.إي.بي" عدم تفاؤله بشأن صفقة لخفض الإنتاج هذا الأسبوع لأنها حتى لو تمت، لن تساعد السوق بالكثير.
ويوضح "شيلدروب" أن السعودية سوف تتطلع على الأرجح إلى إبقاء الإنتاج يتراوح بين 12و 13 مليون برميل يومياً، لإضعاف المنافسين في السوق.
كما يرى "فيكتور شوم" نائب رئيس استشارات الطاقة في مؤسسة "ماركت" للأبحاث في تصريحات لشبكة "سي.إن.بي.سي" الأمريكية، انخفاض سعر خام برنت القياسي إلى حوالي 10 دولارات للبرميل في أبريل/نيسان الجاري، ومن المرجح أن يظل عند هذا المستوى خلال الربع الثاني.
ويرجع المحلل ذلك إلى وجود فرصة ضئيلة لنجاح أي صفقة من قبل "أوبك+" في إنقاذ سوق النفط من ضربة "كوفيد-19"، موضحاً: "أي حديث عن تخفيضات كبيرة ربما يكون قليل ومتأخر للغاية".
ويضيف "شوم" أنه بالنظر إلى أن كل من السعودية وروسيا ينتجان حوالي 10 إلى 11 مليون برميل يومياً، فإنه يرى أن الموافقة على خفض 50 بالمائة من إنتاجهما يعتبر أمراً غير متوقع نهائياً.
أما في السيناريو الأسوأ عندما تفشل السعودية وروسيا في التوصل لاتفاق من الأساس، ترى وكالة "فيتش" أن سعر برنت قد يتراجع أدنى 10 دولارات للبرميل.
مباشر (اقتصاد)