الأسواق المالية العالمية تشهد "أزمة سيولة كبرى"
مباشر - سالي إسماعيل: قبل أسبوعين، توجه التجار إلى مكتب "توينتي فور" لإدارة الأصول بعد عطلة نهاية الأسبوع الذي اندلعت خلاله حرب أسعار النفط العالمية.
وتسبب الانهيار الناجم عن حرب الأسعار تلك في جعل المستثمرين الذين كانوا يشعرون بالخوف حيال تفشي فيروس "كورونا" أكثر قلقاً.
وكان التجار يأملون في بيع حيازة سندات الحكومة الأمريكية لمدة 30 عاماً - وهي واحدة من أكثر الأصول المالية في العالم أماناً وسهولة في التداول - كما طلبوا من ثلاثة من البنوك بدعم مزادات ديون الحكومة الأمريكية للأسعار.
ورفض اثنين من البنوك تقديم عطاءات نهائياً، مع حقيقة أن الوضع الحالي يعتبر استثنائيا وغير مسبوقا، بحسب ما يرويه الرئيس التنفيذي في شركة إدارة الأصول "مارك هولمان" خلال مذكرة للعملاء.
وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" لأربعة كتاب وهم "جو رينيسون" و"فيليب ستافورد" و"كولبي سميث" و"روبين ويجلزورث" فإن هذه الواقعة تعكس الضغط الشديد في قلب النظام المالي الذي يكافح للتعامل مع صدمة اقتصادية ذات أبعاد ضخمة لكنها غير مؤكدة.
وتدهورت سهولة عمليات بيع وشراء حتى أكثر الأصول أماناً وجودة، بشكل كبير في الفترة الحالية.
ويصف بنك "جي.بي.مورجان" هذا الموقف بـ"أزمة السيولة الكبرى"، مع الإشارة إلى أنها زادت من حدة التقلبات الناجمة عن ظروف السوق الهشة بالفعل.
ويوضح "بيتر تشير" رئيس الاستراتيجية الكلبة العالمية في "أكاديمي للأوراق المالية" أن ما يحدث حالياً لا يعبر عن وضع سيولة تقليدي، لكن "نحن في منطقة غير مسبوقة"، على حد قوله.
وتوجد في قلب المشكلة البنوك الكبرى التي تعتبر مركزية في أعمال التداول.
وحتى عام 2008، كانت هذه البنوك الكبرى تستخدم ميزانياتها العمومية لتخزين الأصول في محاولة لتسهيل التداولات بين المشترين والبائعين.
ولكن منذ تلك الأزمة العالمية، جعلت قواعد أكثر صرامة بشأن رأس المال البنوك أقل رغبة في العمل كوسيط من خلال توفير ما يسمى بـ"تخزين المخاطر"، لكنها تسعى إلى ربط المشترين بالبائعين بشكل مباشر.
واشتكى مديري الصناديق الاستثمارية من أن هذا الوضع جعل التداول أكثر صعوبة.
وفي الوقت الذي تعرضت فيه الأسواق العالمية إلى حالة من الاضطرابات في سياق أزمة فيروس كورونا، فإن التدافع للتخارج من السوق جعل هذه العملية أكثر صعوبة.
وتظهر أرقام بنك الاحتياطي الفيدرالي في ولاية نيويورك عن الأسبوع المنتهي في 11 مارس/آذار الجاري أن التجار الأساسيين – العمود الفقري لسوق السندات الحكومية الأمريكية – لم يسجلوا إلا زيادة معتدلة في حيازة سندات الخزانة مقارنة مع الأسبوع السابق له.
وفي الوقت نفسه، تراجع صافي حيازة سندات الشركات من الدرجة الاستثمارية إلى 5.5 مليار دولار مقرنة بما يزيد عن 9 مليارات دولار.
ويرى أحد التجار التنفيذين الذي رفض الكشف عن هويته أن البنوك يبدو وكأنها تخوض الحرب الأخيرة، قائلاً: "جزء من المشكلة الآن أن المصارف لديها السيولة لكنها تحاول إبقاء ميزانياتها العمومية قوية بقدر الإمكان".
وفي العادة، يتم تداول سندات شركة النفط "إكسون موبيل" بفارق ائتماني - الفرق بين سعر الشراء وسعر بيع السندات - يبلغ ربع نقطة مئوية أو ما يعادل 2500 دولار على تداول قيمته مليون دولار.
ولكن بحلول يوم الجمعة الماضي، ارتفع هذا الفارق الائتماني إلى حوالي 25 ألف دولار لسندات إكسون موبيل - وهي إحدى الشركات القليلة ذات التصنيف الائتماني المرتفع التي تمكنت من جمع السيولة في سوق السندات خلال الأسبوع الماضي - الجديدة التي يحل موعد استحقاقها بعد 30 عاماً.
وتقول مدير المحافظ الاستثمارية في دبل لاين "مونيكا إريكسون" إن الكثير من السندات لا يتم تداولها في الوقت الحالي، مشيرة إلى وجود سيولة ضئيلة للغاية.
وتابعت: "ويجعل ذلك من الصعب معرفة القيمة الحقيقية للأصول، لقد أخبرني أحد البنوك أنه لا يمكنهم تحمل المزيد من المخاطر".
ويعتقد محللون أن ضعف السيولة يتفاقم من جانب صانعي السوق - وهي شركات تداول تقوم ببيع وشراء الأوراق المالية لصالح حسابها الخاص - الذين يعملون بطريقة آلية.
ويوجد لدى هؤلاء التجار، الذين يعملون بالطريقة الخوارزمية، ميزانيات عمومية أصغر من البنوك، كما يقول المشاركون في السوق إنهم يميلون إلى تقديم أسعار غير جذابة أو حتى الانسحاب من السوق تماماً عندما تكون الظروف مضطربة.
وتتجاوز المشكلة سوق السندات، حيث انخفض متوسط عمق العقود الآجلة لمؤشر "ستاندرد آند بورز" - عدد العقود المرتبطة بمؤشر الأسهم الأمريكي والمتاح قرب أفضل سعر - بنحو 90 بالمائة منذ منتصف فبراير/شباط، وفقاً لبنك "جي.بي.مورجان".
وفي سوق الصرف الأجنبي، بلغ الفرق بين سعري الشراء والبيع للعملات الرئيسية ثلاثة أمثال المتوسط الذي شهدناه على مدى الأشهر الستة الماضية، طبقاً للمحللين في بنك باركليز.
ويساعد كل ذلك في تأجيج تحركات غريبة في الأسواق.
وتراجعت أسعار السندات الحكومية - التي ينظر إليهات كملاذ آمن في أوقات التوتر - جنباً إلى جنب مع هبوط الأسهم وسط ارتفاع نشاط البيع.
وفي بعض الأيام، تراجعت أسعار السندات ذات الجودة المرتفعة بوتيرة أكبر من الديون ذات المخاطر والديون ذات العوائد الأعلى، حيث يجد المستثمرون أن هذه السندات الأخيرة أسهل في البيع.
ومع عمل العديد من التجار - في البنوك وأماكن أخرى - من المنزل لتجنب انتشار فيروس كورونا، فإن عدد الأشخاص المتاحين لإبرام الصفقات التجارية انخفض كذلك، الأمر الذي أضر بالسيولة.
ويوضح استراتيجي الائتمان في بنك باركليز "براد روجوف" أنه مع وجود عدد قليل من الأشخاص، فإن القدرة على التداول تنخفض، قائلاً: "البعض منها يتجسد في شهية المخاطرة ولكن البعض الآخر هو مجرد القدرة على إبرام الصفقات".
ويمكن أن تساهم جهود البنوك المركزية الجارية لإصلاح اضطراب الأسواق في فعل الكثير، كما يقول محللون، في حين يركز المستثمرون على احتمال التحفيز المالي من الكونجرس.
ويضيف "تشير" أننا بحاجة إلى فترة من التقلبات المنخفضة، حيث أن الجميع يعلق استثماراته حتى اكتشاف ما ستقوم واشنطن بفعله.