بلاك روك: صدمة كورونا لا تتشابه مع أزمة 2008
مباشر - سالي إسماعيل: هل ما يحدث في الأسواق العالمية مؤخراً إثر تفشي وباء "كورونا" عبارة عن تكرار لما حدث في الأزمة المالية عام 2008؟
تأتي الإجابة على لسان "مايك بايل" كبير استراتيجي الاستثمار العالمي لشركة "بلاك روك" خلال تحليل نشرته مدونة أكبر شركة لإدارة الأصول حول العالم، حيث يعتقد إن صدمة فيروس كورونا لا يفترض أن تثير أزمة على غرار ما حدث في عام 2008.
ومن المرجح أن يؤدي تفشي فيروس كورونا إلى صدمة اقتصادية حادة وعميقة، شبيهة بكارثة طبيعية واسعة النطاق.
وتشعر الأسواق بالقلق إزاء التأثير الاقتصادي، وهو ما يتضح من خلال التحركات التي تذكرنا بالأزمة المالية العالمية عام 2008، لكننا - بلاك روك - نعتقد أن الوضع الحالي مختلف.
ومن شأن إجراءات التباعد الاجتماعي لمكافحة تفشي الكورونا أن تقلص النشاط الاقتصادي بشكل كبير، لكن هذه الصدمة يفترض ألا تعرقل الاقتصاد العالمي بشكل جذري، بشرط أن تقدم السلطات استجابة صارمة وشاملة في السياسة المالية والنقدية.
إجمالي العوائد منذ قمة في أزمة 2008 و2020 - (المصدر: بلاك روك)
وتراجعت أسهم الأسواق المتقدمة بما يصل إلى 27 بالمائة منذ القمة المسجلة في شهر فبراير/شباط، لكنها قصلت الخسائر يوم الجمعة الماضي.
ويتشابه حجم هذه الموجة البيعية مع تلك المسجلة في أعقاب إفلاس بنك "ليمان براذرز" في عام 2008.
كما أن تقلبات الأسواق ارتفعت بشكل حاد، حيث قفز مؤشر "في.آي.إكس" لرصد التقلبات في سوق الأسهم الأمريكية إلى أعلى مستوياته منذ الأزمة المالية العالمية.
وشهدنا كذلك تقلبات حادة في أسواق الدخل الثابت، حيث تتراجع عوائد سندات الخزانة الأمريكية إلى مستوياته قياسية متدنية أولاً ومن ثم تغلق عند مستويات مرتفعة في الأسبوع ذاته.
وسجلت أسعار النفط أيضاً في الأسبوع الماضي أكبر هبوط يومي منذ حرب الخليج وسط صراع بين أوبك وروسيا أدى إلى عدم اتخاذ قرار فيما يتعلق بخفض إمدادات الخام.
ما الذي سيتطلبه الأمر من أجل تحقيق الاستقرار في الأسواق؟، نعتقد أن استجابة صارمة واستباقية ومنسقة في السياسة تُعد بمثابة أمراً رئيسياً.
ويشمل ذلك إجراءات صحية قوية للحد من تفشي الوباء بالإضافة إلى التيسير المالي والنقدي المنسق لمنع حدوث اضطرابات في تدفقات الدخل - وخاصةً للأسر والشركات الصغيرة - والتي قد تسبب أضراراً اقتصادية دائمة.
ويعتبر تطور والانتشار العالمي لاندلاع فيروس كورونا أمر غير مؤكد بشدة.
وما نعرفه: إجراءات الاحتواء والتباعد الاجتماعي ستؤدي بطريقة آلية إلى توقف النشاط الاقتصادي كما حدث في الصين وإيطاليا.
ويوجد حوافز قوية لاتخاذ إجراءات كهذه بشكل استباقي من أجل إبطاء وتيرة نمو العدوى بالكورونا، حيث التحقت فرنسا وإسبانيا بإيطاليا في عطلة نهاية الأسبوع في فرض إجراءات إغلاق صارمة.
ومن المرجح أن يكون التأثير على النشاط الاقتصادي حاداً وعميقاً.
ومع ذلك، نعتقد أنه كلما زادت حدة التدابير التي يتم اتخاذها كلما كانت الضربة الاقتصادية أكثر عمقاً على المدى القريب، ولكنها ستزيد الثقة حيال التعافي بعد إلغاء هذه الإجراءات.
ونرى أن الصدمة تشبه كارثة طبيعية واسعة النطاق أدت إلى تعطل النشاط بشدة لنحو فصل أو فصلين ولكنها تؤدي في نهاية المطاف إلى تعافي اقتصادي حاد.
الفرضية الرئيسية الكامنة في هذه الرؤية
ويعمل صناع السياسة على تحقيق الاستقرار الاقتصادي والحيلولة دون أزمات طاحنة تتعلق بالتدفقات النقدية من شأنها أن تؤدي إلى ضغوط مالية وتدفع الاقتصاد إلى الدخول في أزمة مالية.
وقام بنك الاحتياطي الفيدرالي يوم الأحد الماضي بخفض معدلات الفائدة إلى مستوى قريب من الصفر، كما أعلن حزمة شراء سندات بقيمة تصل إلى 700 مليار دولار وغيرها من الإجراءات لضمان الأداء المناسب للأسواق.
كما وضع الفيدرالي ترتيبات مع بنوك مركزية أخرى من أجل إتاحة التمويل بالدولار الأمريكي.
وفي وقت سابق أعلن البيت الأبيض تمويل كوارث في حين من المقرر أن يقوم الكونجرس الأمريكي بتمرير مشروع قانون لتغطية الرعاية الصحية والإجازة مدفوعة الأجر لبعض العمال.
ويمكن تحقيق استجابة مالية أكبر في ظل الاعتراف المتزايد من جانب الكونجرس بأن هذا الأمر ضروري.
وقدمت المملكة المتحدة في الأسبوع الماضي مجموعة منسقة من التدابير تشمل خفض بنك إنجلترا معدل الفائدة وإعلان موازنة تشمل تخفيف الأعباء للقطاعات المتضررة.
ويُعد ذلك، وخطوات مشابهة من جانب كندا في الأسبوع المنصرم، بمثابة نوع من الإجراءات المالية والنقدية المنسقة التي تم الإشارة إلى أهميتها للتعامل مع الاتجاه الهبوطي القادم في الاقتصاد.
وقدم البنك المركزي الأوروبي تيسيراً فعلياً للنظام المصرفي في قلب تمويل اقتصاد منطقة اليورو، كما أشارت العديد من الدول الأوروبية إلى أنها ستقوم بتيسير السياسة المالية بشكل كبير.
ومع ذلك، لم تجسد خطوة المركزي الأوروبي حزمة "القيام بكل ما يتطلبه الأمر" التي توقعتها الأسواق، كما أن عوائد السندات لبعض الدول قد شهدت قفزة مفاجئة.
مختصر القول
خفضت "بلاك روك" موقفها بشأن الأصول المحفوفة بالمخاطر إلى "وزن المؤشر" بسبب حالات عدم اليقين الفعلية المرتبطة بتفشي الوباء وتأثيره بما في ذلك مدى فعالية إجراءات الصحة العامة والمدة التي سوف يستمر فيها خطر الفيروس.
كما أن الانخفاضات الكبيرة التي شهدتها عوائد السندات أدت إلى تقلص الدعم الذي توفره السندات الحكومية لتعويض الموجات البيعية الناجمة عن الأصول الخطرة، مما يقلل من مزايا تنويع المحافظ الاستثمارية.
ولا تزال أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم تفضل حيازة سندات الخزانة الأمريكية عن نظرائها من السندات ذات العوائد المنخفضة لدعم المحفظة الاستثمارية.