مباشر - أحمد شوقي: تستيقظ الدول الغربية أخيرًا على ضخامة أزمة "كوفيد 19"، وعليها الآن تنظيم استجابة على مستوى المجتمع كما يجب على جميع الدول أن تتبع مسار الصين في مواجهة الفيروس مباشرة بجميع الموارد المتاحة، وتأخذ درسًا من ألمانيا في إدارة التداعيات الاقتصادية.
وأصبحت المعركة ضد "كورونا" بمثابة حرباً كاملة، ويبدو أن الصين قد فازت بالمعركة الأولى، كما حققت هونج كونج وتايوان وسنغافورة واليابان نجاحات ملحوظة في التخفيف من تفشي المرض، ولا شك أن هذا بسبب تجاربهم في التعامل مع وباء السارس 2003.
ومن ناحية أخرى، فإن أوروبا والولايات المتحدة لا يزالا تستيقظان من أوهامهما بعدم التعرض للخطر، ونتيجة لذلك يتفشى الوباء الآن في دول الغرب، بحسب تحليل للكاتب "هانس ويرنير سينن" عبر موقع "بروجيكت سينديكيت".
وأكثر الدول الغربية تضرراً حتى الآن هي إيطاليا التي لها علاقات اقتصادية قوية بشكل خاص مع الصين، حيث أصبح شمال إيطاليا هو الآن "ووهان" الجديدة (المقاطعة الصينية حيث ظهر الفيروس بها لأول مرة).
ومع إرهاق نظامها الصحي، اتخذت الحكومة الإيطالية إجراءات سريعة وأغلقت اقتصاد التجزئة وفرضت الحجر الصحي في الدولة بأكمله، وتم إغلاق جميع المتاجر باستثناء الصيدليات ومحلات التجزئة، كما تم توجيه المواطنين للبقاء في منازلهم وعدم دخول الأماكن العامة إلا للتسوق الضروري أو الانتقال إلى العمل.
وبالإضافة إلى ذلك، تم تعليق العديد من التزامات الدين العام والخاص (مثل إيجارات الإسكان ومدفوعات الفوائد) جميعها إجراءات تحاول بها إيطاليا إبطاء العجلة الاقتصادية لحين اختفاء الفيروس.
وفي الوقت نفسه، على الرغم من أن ألمانيا لديها عدد قليل جدًا من وفيات كورونا حتى الآن، إلا أن عدد الإصابات يرتفع بسرعة كبيرة عن أي مكان آخر.
واستجابة للأزمة، أدخلت الحكومة الألمانية بدل عمل لفترة قصيرة ومنحت مساعدة ائتمانية كبيرة وضمانات أو تأجيلات ضريبية للشركات المتضررة، كما تم إلغاء الأحداث العامة في جميع أنحاء البلاد وتم إغلاق المدارس.
وفي النمسا، أغلقت الحكومة منذ فترة طويلة حدودها مع إيطاليا، كما تم إغلاق المدارس والجامعات ومعظم المحلات التجارية.
وفي البداية اتبعت فرنسا نهجًا أكثر هدوءاً، لكنها أغلقت الآن أيضًا مدارسها ومطاعمها ومحلاتها التجارية، وهو ما فعلته إسبانيا أيضاً.
بينما قامت دول الدنمارك وبولندا وجمهورية التشيك بإغلاق حدودها مع ألمانيا.
وفي الولايات المتحدة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حالة طوارئ وطنية، ووافق الكونجرس على برنامج تمويل طارئ بقيمة 8.3 مليار دولار لدعم الجهود المبذولة لاحتواء الوباء مع انتظار تمرير أموال أكثر من قبل مجلس الشيوخ، كما منعت الحكومة الفيدرالية المسافرين الأجانب، أولاً من الصين وإيران والآن من أوروبا.
وعلى الصعيد العالمي، لم تكن جميع الاستجابات للأزمة موجهة بشكل جيد، كما أن بعض الإجراءات لم تكن قوية بما يكفي.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن بعض الحكومات أقنعت نفسها بأنها تستطيع فقط إبطاء انتشار الفيروس بدلاً من اتخاذ الخطوات اللازمة لوقفه بالكامل، ولكن كشف الازدحام في المستشفيات في العديد من المناطق المتضررة بشدة عن حماقة هذا التراخي.
وعلى الجبهة الاقتصادية، لم يعد من الممكن تجنب الركود الحاد، حيث يدعو بعض الاقتصاديين بالفعل الحكومات إلى اتخاذ تدابير لدعم الطلب الكلي.
لكن هذه التوصية غير كافية، بالنظر إلى أن الاقتصاد العالمي يعاني من صدمة عرض غير مسبوقة.
وبسبب أن المستهلكين ليسوا في العمل لأنهم مرضى أو في الحجر الصحي، فإن تحفيز الطلب سيعزز فقط التضخم، مما قد يؤدي إلى الركود التضخمي (ضعف النمو أو تراجع الناتج المحلي الإجمالي جنبًا إلى جنب مع ارتفاع الأسعار)، كما حدث خلال أزمة النفط في السبعينيات عندما كان هناك نقص في مدخلات الإنتاج المهمة الأخرى.
والأسوأ من ذلك، أن الإجراءات التي تستهدف جانب الطلب يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية، لأنها ستشجع الاتصال بين الأشخاص وبالتالي تقوض الجهود المبذولة للحد من انتقال الفيروس.
وببساطة، ما هو الأمر الجيد الذي يمكن أن تفعله الإجراءات لإعطاء الإيطاليين على سبيل المقبل المال للقيام برحلات تسوق، في الوقت الذي تغلق فيه الحكومة المتاجر وتجبر الجميع على البقاء في المنزل؟
كما تنطبق نفس الحجج على دعم السيولة، والعالم غارق بالفعل في السيولة، مع معدلات فائدة قريبة من الصفر أو أدنى إلى حد كبير في كل مكان، والمزيد من التخفيضات في معدلات الفائدة إلى المنطقة السالبة العميقة قد تساعد أسواق الأسهم، ولكنها قد تؤدي أيضًا إلى الإقبال على النقد "الكاش".
وبالنسبة للهبوط الحاد للأنشطة الاقتصادية التي يقول علماء الأوبئة إنه مطلوب، فإنه يجعل انهيار أسواق الأسهم أمرًا لا مفر منه، نظرًا لأن سياسة البنوك المركزية الخاصة بالأموال الرخيصة للغاية والالتزامات المجمعة تسببت في فقاعة غير مستدامة.
ولأن البنوك المركزية استهلكت ذخائرها في لحظات غير مناسبة، تتحمل المسؤولية عن الفقاعة التي انفجرت الآن.
لكن ما نحتاجه حقاً هو اتخاذ تدابير مالية لإنقاذ الشركات والبنوك من الإفلاس، حتى يتمكنوا من التعافي بشكل سريع بمجرد انتهاء الوباء.
لذا يجب على صناع القرار النظر في أشكال مختلفة من الإعفاء الضريبي والضمانات العامة لمساعدة الشركات على الاقتراض إذا لزم الأمر.
لكن الخيار الواعد هو إعانة العمل لفترة أقل من المعتاد، هذا النهج الذي تمت تجربته واختباره في ألمانيا يعوض عن عدد ساعات العمل الأقل للعمالة من خلال نفس القنوات المستخدمة بالفعل للتأمين ضد البطالة، والأفضل من ذلك، أنه لا يكلف أي شيء، لأنه يمنع الخسائر التي قد تنجم عن زيادة البطالة الحقيقية، ويجب على جميع الدول تكرار هذا الجزء من سياسة ألمانيا لمنع فقدان الوظائف.
ولكن الأهم من كل هذا، يجب على جميع الحكومات أن تتبع الصين في اتخاذ إجراءات مباشرة ضد "كوفيد 19".
لا أحد في الخطوط الأمامية يجب أن يقيده نقص الأموال، ويجب توسيع وحدات العناية المركزة وبناء المستشفيات المؤقتة وصناعة أجهزة التنفس الصناعي ومعدات الحماية والأقنعة بكميات كبيرة وإتاحتها لجميع من يحتاجون إليها.
والأبعد من ذلك، يجب إعطاء سلطات الصحة العامة الموارد والأموال التي تحتاجها لتطهير المصانع والأماكن العامة الأخرى فالنظافة هي الشئ الرئيسي في الوقت الحالي، والاختبار على نطاق واسع للسكان مهم بشكل خاص.
ويمكن أن يؤدي تحديد كل حالة إلى إنقاذ حياة عدة أشخاص، فالاستسلام للوباء ببساطة ليس خيارًاً.