مباشر - سالي إسماعيل: حتى في الوقت الذي تكافح فيه السلطات العالمية من أجل احتواء انتشار فيروس كورونا، فإن السوق ينظر إلى التأثير الاقتصادي في الصين على أنه سوف يتجسد في تسجيل تباطؤ حاد في النمو هذا الربع يتبعه تعافٍ قوي في الربع الثاني.
وعلى هذا النحو، جادل كثيرون بأن أفضل نهج تحليلي يكمن في "النظر لما وراء الأزمة"، ومعاملة آثارها الاقتصادية على أنها قابلة للاحتواء ومؤقتة وقابلة لتغيير اتجاهها، وفقاً لتحليل نشرته "بلومبرج أوبينيون" للاقتصادي محمد العريان المستشار في مجموعة أليانز العالمية.
وبالتأكيد أتمنى أن يكون ذلك صحيحاً، لكن لا يمكن للاقتصاد العالمي - وعلى وجه التحديد تلك الدول التي تشهد ديناميكيات نمو اقتصادي أكثر هشاشة - تحمل صدمة كبيرة ذات تداعيات سلبية جيوسياسية وآثار جانبية مؤسسية.
ولسوء الحظ، لا يزال من السابق لأوانه الإعلان بثقة عن التطور المأمول على شكل "V".
وفي واقع الأمر، بالنظر إلى ما أسميته ديناميكيات متتالية للتوقف المفاجئ جراء فيروس الكورونا بالنسبة للصين وخارجها، فإن نموذجي "ِشكل U أو شكل L في عام 2020 لا يزال مرتفعاً للغاية لدرجة ألا يتم تجاهله.
ويشير شكل V إلى تراجع حاد للنشاط الاقتصادي يليه تعافي سريع ومستدام، في حين أن الشكل U يشير إلى تعافي في فترة تتراوح بين 12 إلى 24 شهراً.
في حين أن الشكل L يشير إلى هبوط حاد للنشاط الاقتصادي يعقبه تعافي بطئ قد يستغرق عقوداً للعودة لنفس النقطة المسجلة قبل الهبوط.
وما يجعل التوقعات الاقتصادية للصين غير مؤكدة بشكل خاص هو الطبيعة متعددة الجوانب لهذه الصدمة الأخيرة.
وعلى سبيل المثال، فإنها تنطوي على اضطرابات حادة في كلٍ من الطلب والمعروض، الأمر الذي يؤثر على كلا النشاطين الصناعي والخدمي كما يعطل التجارة الداخلية والخارجية.
وعلى أرض الواقع، فإن هذا قد حدث من خلال ديناميكيات اقتصادية متتالية للتوقف المفاجئ، بعد أن كان الأمر يتركز في البداية داخل المقاطعة التي تم تحديد اندلاع الفيروس منها لأول مرة.
وتمثلت النتيجة في توقف النشاط الاقتصادي، سواء الإنتاج أو الاستهلاك، بالإضافة إلى حركة الأشخاص والسلع.
وتضمنت المرحلة التالية الشلل الزاحف للنشاط الاقتصادي في أماكن أخرى من الصين، مما أدى إلى تعطيل التجارة الداخلية والتجارة والسفر.
ويوجد حالياً أدلة متزايدة على التأثير المتعاقب في بقية أنحاء العالم، ونستعرض هنا بعض الأمثلة القليلة فقط، حيث قامت آبل وآيكيا وغيرهم الكثير بإغلاق المتاجر في الصين كما أبلغت مجموعة "بربري" عن تراجع المبيعات في ثلاثة فصول.
وحذرت أيضاَ "فيات كرايسلر" من أنها قد تضطر إلى وقف عمليات الإنتاج في أحد مصانعها الأوروبية بسبب مشاكل سلاسل التوريد.
وقررت كذلك العديد من الدول وقف رحلات الطيران إلى الصين مع وضع قيود على القادمين من هناك، كما يتم وضع الركاب على السفن تحت الحجر الصحي، والقائمة تطول في هذا الشأن.
وكانت التجربة الأخيرة لهذا النوع من الديناميكيات المتعاقبة للتوقف المفاجئ شوهدت على نطاق واسع في عام 2008 خلال الأزمة المالية العالمية.
ومع تلاشي مخاطر الطرف الآخر وتراجع الجهات الفاعلة السليمة من الناحية المالية عن التفاعلات الأساسية، فإن النشاط المالي توقف بشكل ملحوظ.
وفي الواقع، فإنه بدون التدخل الكاسح للبنوك المركزية لاستئناف الأنشطة المالية وإعادة ربط الأسواق المعطلة، كان الاقتصاد العالمي يتجه سريعاً إلى الدخول في حالة من الكساد الاقتصادي لسنوات متعددة.
ويبدو أن الديناميكيات الناجمة عن "شكل V" قد أثرت الآن على كثير من الناس عندما يتعلق الأمر بتقييم الصدمة المرتبطة بفيروس كورونا.
وتكمن الحجة الأكثر شيوعاً في أن معدل الإصابة في الصين قد وصل إلى قمة وسوف ينخفض سريعاً، كما أن الحالات خارج الصين محدودة إضافة إلى أن اللقاحات المضادة يجرى تطويرها بسرعة فضلاً عن أن البنوك المركزية بدءاً من بنك الشعب الصيني قادرة ومستعدة لضخ كميات هائلة من السيولة لدعم الميزانيات العمومية وتسريع وتيرة التعافي الاقتصادي.
وبقدر ما أتمنى أن يحدث ذلك سريعاً، أتذكر ما يتم تعليمه لخبراء الاقتصاد في بداية حياتهم المهنية بأن أسواق السلع تستجيب ببطء أكثر من الأسواق المالية، وهذا هو الحال مع فيروس كورونا.
وبدأت صدمة التوقف المفاجئ الأولية بشكل أبطأ وتدريجي مقارنة بما شهده الاقتصاد العالمي خلال الأزمة المالية.
وأتخوف أن الأمر قد يستغرق وقتاً أطول لاستئناف النشاط الاقتصادي في حال تعرضه لاضطرابات شديدة.
وأقلق أن العديد من المحللين لا يقومون بالتقدير الكامل للفروقات الملحوظة بين التوقف المفاجئ من الناحية المالية والاقتصادية.
وبدلاً من إعلان "شكل V" بثقة، يحتاج الاقتصاديون إلى مزيد من الوقت والأدلة لتقييم الأثر على الاقتصاد الصيني والتداعيات السلبية ذات الصلة، وهو اعتبار أصبح أكثر أهمية من خلال ملاحظتين.
أولاً: أن الاقتصاد الصيني كان في وضع هش بشكل غير معتاد بسبب أثر التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، وثانياً: أن الاقتصاد الصيني كان يمر بمرحلة انتقالية صعبة فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والتي شهدت تعثر العديد من الدول قبل الصين في "فخ الدخل المتوسط".
ويشير كل ذلك إلى أنه من السابق لأوانه التعامل مع التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا على الصين والاقتصاد العالمي باعتبارها أمور سهلة الاحتواء ومؤقتة وقابلة لتغيير اتجاهها سريعاً.
وبدلاً من ذلك، يحب على المحللين مراعاة درجة عدم اليقين في الساحة، بما في ذلك الإدراك غير المريح بأن احتمال استخدام "شكل U" أو الأسوأ من ذلك استخدام "شكل L" لعام 2020 لا يزال مرتفعاً للغاية لدرجة عدم الشعور بالراحة.