مباشر-أحمد شوقي: هناك الكثير من الأصول باهظة الثمن في العالم اليوم، بعد أن أدت السياسة النقدية التيسيرية وضخ الأموال من البنوك المركزية إلى خلق "فقاعة في كل شيء".
هذا هو أحد الأسباب التي تجعلنا نتمتع الآن ببيئة استثمارية غريبة للغاية، حيث يرتفع كل شيء من الأسهم المحفوفة بالمخاطر إلى الذهب الآمن في نفس الوقت.
ولكن ترى "رانا فوروهار" في رؤية تحليلية عبر صحيفة "فايننشال تايمز" أنه تبقى أصلاً واحداً رخيص الثمن نسبياً وهو السلع الأساسية.
وفي حين أن سوق الأسهم في الولايات المتحدة، والذي يستمر في الارتفاع إلى مستويات قياسية جديدة، يكاد يكون مرتفعاً للغاية كما كان الحال في الأعوام الـ 150 الماضية، فإن السلع الأساسية تعتبر رخيصة مقارنة بالأسهم كما كانت في القرن الماضي.
وجزء من هذا طبيعي - وهيكلي، حيث أنه على مدار الـ200 عام الماضية، كان السعر الحقيقي للسلع الصناعية يتجه نحو الانخفاض، لأنه في كل مرة تؤدي الذروة الجديدة في الأسعار إلى تعطيل ما هو عادة سوق هبوطي طويل الآجل، يتكيف الشركات والمستهلكون مع ذلك.
ويأتي ذلك من خلال استبدال سلعة أرخص مقابل أخرى أغلى، ثم يطورون تكنولوجيات تسمح باستخراج أكثر كفاءة أو يحاولون الحفاظ على الطاقة.
وفي هذه النقطة، من يستطيع أن ينسى النداء الرئاسي الذي قدمه "جيمي كارتر" عام 1977 وسط أزمة الطاقة للأمريكيين ليقللوا درجات الحرارة في "أجهزة المكيف" بينما كان يرتدي سترة سميكة؟.
وباستثناء بضع الطفرات، انخفضت أسعار السلع الصناعية مقارنة بمؤشر "ستاندرد آند بورز 500" للأسهم الأمريكية منذ ذلك الحين، فيما يعتقد الأغلبية أن هناك سبب وجيه لاستمرار ذلك.
وفي عالم يعيش حالة من تباطؤ الأسعار وفي نهاية دورة تعافي الاقتصاد، ومع حقيقة أن كبار السن يستهلكون أقل والاقتصاد العالمي الذي يعتمد بدرجة أقل على التصنيع الثقيل للسلع مقارنة بالخدمات، هناك العديد من العوامل التي تجعل السلع رخيصة، حتى لو لم يكن هناك ركود في الولايات المتحدة أو بقية العالم.
أضف إلى هذه العوامل النزاع الأمريكي الإيراني المتصاعد، والاتجاه العالمي نحو تحرك أكبر لمنع تغير المناخ، وقد لا تكون هذه الأخيرة أولوية بالنسبة للإدارة الأمريكية عكس النشطاء الشباب الذين يشكلون حصة متزايدة من الناخبين.
ومثل معظم الرؤساء التنفيذيين للشركات والاقتصاديين وصناع السياسات، تعتقد الأجيال الشابة أن التحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري أمر لا مفر منه.
وفي الأوساط الاستثمارية، هناك حديث بشأن تحول ناقلات النفط لأصولاً مخفضة (تعاني من عمليات شطب غير متوقعة أو سابقة لأوانها أو تخفيضات في القيمة) والتي ستنخفض قيمتها بشكل كبير مع احتلال الطاقة المتجددة مركز الصدارة.
ومع ذلك، بعد الارتفاع الكبير في الطلب على النفط في عام 2008، وكذلك الارتفاع الكبير في الأسعار في عامي 2011 و 2012 والذي انتهى عندما تراجع محافظو البنوك المركزية عن التيسير الكمي، فمن غير الحكمة افتراض الدخول في سوق هبوط دائم في السلع الأساسية - على الأقل حتى الآن.
إن التهديد الذي يلوح في الأفق المتمثل في استحقاقات المعاشات التقاعدية والرعاية الصحية غير الممولة في الولايات المتحدة، إلى جانب استعداد محافظي البنوك المركزية وصناع السياسات لمحاولة تقليصها عن طريق التضخم عبر طباعة النقود - وبالتالي إضعاف الدولار - يمكن أن يجعل الذهب من فئة الأصول الجديدة الأكثر ارتفاعاً في السنوات القليلة المقبلة.
وقد تؤدي بعض الاتجاهات نفسها إلى ارتفاع أسعار السلع بشكل أوسع، على الرغم من أن احتمال اندلاع حرب كبيرة في الشرق الأوسط لم يسبب ارتفاعًا مستدامًا في أسعار النفط.
وهناك الكثير من الأسباب - من الإنفاق عن طريق عجز الموازنة والاقتراض، إلى المخاطر السياسية أو ظهور فقاعة ديون الشركات – التي قد تتسبب في إضعاف الدولار.
وإذا حدث ذلك، فسترتفع السلع الأساسية التي تتناسب عكسًيا مع الدولار، كما من المرجح أن ينخفض سوق الأسهم الأمريكية، حيث أن هوامش أرباح الشركات ضعيفة وليس هناك مجال كبير للوقاية من ارتفاع أسعار الطاقة ومستلزمات إنتاج.
كما أنه إذا ضعف الدولار، فإن جميع تكاليف سلاسل التوريد الخارجية سترتفع أيضًا.
إذا تحقق ذلك، فلا شك أن الاحتياطي الفيدرالي سيحاول تعزيز السوق بمزيد من التيسير النقدي.
ولكن بالنظر إلى أن كل محافظ بنك مركزي في العالم يخبرنا أن السياسة النقدية لا يمكنها دعم السوق إلى الأبد، فمن المحتمل ألا تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة أخرى في الأسهم، ولكن تدافعاً نحو الذهب وربما نحو الأصول السلعية بشكل عام.
وكان التيسير الكمي عاملاً رئيسياً في الارتفاع الأخير في أسعار السلع الأساسية، والتي ليست مجرد مواد خام للأعمال التجارية، ولكنها أصولاً قابلة للتداول من المضاربين، وهذه هي النظرية التي يجري نشرها حالياً من قبل بعض المستثمرين.
وهذا السيناريو لن يلعب دوره إلا إذا تفادينا حدوث انهيار كبير في النمو العالمي والذي في حال حدوثه قد يغير الصورة الأساسية للطلب، لكن من الممكن أن تسير الأمور في الاتجاه الآخر، خاصة إذا بدأ النمو في أوروبا أو الصين في التعثر إلى جانب الولايات المتحدة.
ومع ذلك، إذا ارتفعت أسعار السلع الأساسية، ستكون هناك تداعيات لا تعد ولا تحصى.
فقد نبدأ في رؤية رؤساء دول غنية بالنفط أكثر جرأة، وتزداد القومية الشعوبية على مستوى العالم، وأن يؤدي ارتفاع أسعار الغذاء والوقود لأضرار بالنسبة للأكثر فقراً، مما يشجع التقلبات السياسية، وهذا بدوره قد يخلق اضطرابًا تجاريًا جديدًا ونوعًا من الاضطراب الذي تتجاهل الأسواق احتمالات حدوثه حاليًا.
وعلى الرغم من أن الطلب على السلع مرن من حيث السعر - بمجرد ارتفاع الأسعار ينخفض الطلب دائمًا، بدأت دورة استبدال أحد مصادر الطاقة بمصدر آخر منذ مئات السنين ولا تزال مستمرة.
وفي عالم مثالي، يمكن أن تساعدنا فقاعة السلع القادمة - وقتما تحدث - في تحقيق ما قد يكون التحول الأخير - بعيدًا عن الوقود الأحفوري ونحو مصادر الطاقة المتجددة.