مباشر - سالي إسماعيل: على مدار العقد الماضي، أصبحت عدم المساواة واحدة من أكثر التحديات المعقدة والمزعجة التي تواجه الاقتصاد العالمي، بحسب رؤية صندوق النقد الدولي.
وترى المدير العام لصندوق النقد "كريستالينا جورجييفا" في مقال نشرته مدونة الصندوق الدولي مؤخراً أن هناك عدم مساواة في الفرص وعدم مساواة عبر الأجيال وعدم مساواة بين النساء والرجال، وبالطبع، هناك عدم مساواة في الدخل والثروة.
كل تلك الأنواع من عدم المساواة موجودة في مجتمعاتنا و- لسوء الحظ - فإنها تتزايد في العديد من الدول.
والأنباء الجيدة تكمن في أن لدينا أدوات لمعالجة تلك المشاكل، بالإضافة إلى وجود الرغبة في القيام بذلك.
ورغم الصعوبة السياسية في تنفيذ الإصلاحات، إلا أن الفوائد من النمو والإنتاجية تستحق الجهود التي قد تبذل.
سياسات لمعالجة عدم المساواة
ويتطلب معالجة عدم المساواة إعادة التفكير في؛ أولاً، السياسات المالية والضرائب التصاعدية.
وتُعد الضرائب التصاعدية بمثابة مكون رئيسي للسياسة المالية الفعالة.
وفي الفئة العليا من توزيع الدخل، فإن أبحاث صندوق النقد تظهر أنه يمكن زيادة معدلات الضرائب الهامشية (أو معدلات الضرائب الحدية Marginal Tax Rate والتي تعني زيادة نسبة الضريبة مع ازدياد الدخل) دون أن يكون ذلك على حساب النمو الاقتصادي.
ويمكن كذلك أن يكون استخدام الأدوات الرقمية في جمع الضرائب جزءاً من استراتيجية شاملة لزيادة الإيرادات المحلية.
كما أن الحد من الفساد يمكن أن يحسن التحصيل الضريبي ويزيد الثقة في الحكومة.
والأمر الأكثر أهمية أن هذه الاستراتيجيات يمكنها أن تضمن توفير الموارد اللازمة للاستثمار في زيادة الفرص المتاحة أمام المجتمعات والأفراد التي تتخلف عن اللحاق بالركب.
وتعتبر الموازنة بين الجنسين بمثابة أداة مالية قيمة أخرى في معركة الحد من عدم المساواة.
وفي حين أن العديد من الدول تدرك الحاجة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، يمكن أن تستخدم الحكومات الموازنة بين الجنسين من أجل هيكلة الإنفاق وفرض الضرائب بطرق تحسن المساواة بين الجنسين بشكل أكبر، الأمر الذي يزيد من مشاركة المرأة في القوى العاملة وبالتالي تعزيز النمو الاقتصادي والاستقرار.
ثانياً، تكون سياسات الإنفاق الاجتماعية ذات أهمية متزايدة في معالجة عدم المساواة.
وعند تنفيذ تلك السياسات بشكل صحيح يمكنها أن تلعب دوراً أساسياً في تخفيف عدم المساواة في الدخل وتأثيراتها الضارة على عدم المساواة في الفرص والاتساق الاجتماعي.
وعلى سبيل المثال، فإن التعليم يُهيأ الشباب كي يصبحوا أشخاص منتجين يساهمون في المجتمع، فيما تنقذ الرعاية الصحية حياة الأشخاص كما يمكنها تحسين نوعية الحياة.
وبالنسبة لبرامج المعاشات، فيمكنها السماح لكبار السن بالحفاظ على كرامتهم في سن الشيخوخة.
وتُعد القدرة على زيادة الإنفاق الاجتماعي كذلك أمراً ضرورياً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وبحسب دراسة حديثة لصندوق النقد الدولي، فإن الزيادة المطلوبة تختلف على نطاق واسع عبر الدول.
وكمثال على ذلك: في المجالات الرئيسية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية ذات الأولولية، نضع تقديرات أن اقتصاديات الأسواق الناشئة ستطلب إنفاقاً إضافياً كل عام، لتصل إلى حوالي 4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2030.
ويقارن ذلك مع 15 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي بالنسبة للمتوسط في الدول النامية ذات الدخل المنخفض.
ثالثاً، إصلاحات لهيكل الاقتصاد من شأنه تقديم مزيداً من الدعم للجهود المبذولة للحد من عدم المساواة عبر الحد من تكاليف التكيف وتقليل أوجه التفاوت الإقليمية وإعداد العمال لشغر عدد متزايد من الوظائف الخضراء (وهي الوظائف التي تساهم في الحفاظ على البيئة كاستجابة لخطط التنمية المستدامة).
كيف يدعم صندوق النقد الدولي الدول لتقليل عدم المساواة؟
على مدى العقد الماضي، أصبحت جهود صندوق النقد لمعالجة عدم المساواة مجسدة في أعمال الصندوق الدولي المتعلقة بالمراقبة والإقراض والبحث وتطوير القدرات، ومن المقرر أن يستمر ذلك في العقد القادم.
والركيزة الأساسية في نهج صندوق النقد بشأن مشاكل الاندماج الاقتصادي، تكمن في استراتيجية الإنفاق الاجتماعي.
وتبدأ مشاركة صندوق النقد مع الدول من فرضية أن الإنفاق الاجتماعي يجب أن يكون كافياً وفي نفس الوقت فعالاً وممولاً على نحو مستدام.
ولا يعتبر ذلك مجرد مقاييس، لكنها مبادئ توجيهية تدعم النصيحة السياسية للصندوق الدولي.
وعلى سبيل المثال، إذا كان الإنفاق الاجتماعي غير كافياً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة أو لحماية شريحة كبيرة من الأسر الفقيرة والضعيفة، فبالتالي يجب زيادته.
وبالمثل، فإن العوامل الديموجرافية المتغيرة ستجعل الاستدامة المالية في صدارة النقاش حول الإنفاق الاجتماعي بما في ذلك الإنفاق على الصحة والمعاشات التقاعدية.
والأهم من ذلك، أن التخفيف من الآثار السلبية للتكيف على الفقراء والضعفاء أصبح الآن وسيظل كذلك بمثابة هدف هام.
التنفيذ العملي
تكشف الأمثلة الحديثة جراء مشاركة صندوق النقد في الإنفاق الاجتماعي مع الدول دروساً قيمة:
الدرس الأول: خلال تنفيذ البرنامج الذي يدعمه صندوق النقد، ضاعفت مصر من تغطية التحويلات النقدية لتصل إلى 2.3 مليون أسرة.
الدرس الثاني: في غانا، ساعدنا في توفير المجال بالموازنة لزيادة الإنفاق على التعليم العام، حتى تتمكن غانا من تحقيق هدفها المتمثل في التعليم الثانوي الشامل.
الدرس الثالث: قدمنا النصيحة لليابان بتطوير خيارات لإصلاح نظام المعاشات التقاعدية، وهو أمر ضروري بالنسبة لمجتمعها الذي يتسم بالشيخوخة.
والأهم من ذلك، أننا ندرك أنه ليس هناك من يستفيد من تقرير مطبوع آخر وموضوعاً على أحد الرفوف.
ولهذا السبب، نحن نعمل على تنفيذ استراتيجيتنا المتعلقة بالإنفاق الاجتماعي؛ بحيث تكون مشاركتنا مصممة بشكل أفضل طبقاً للتفضيلات والظروف الخاصة بكل دولة.
التعاون مع الشركاء
وسواء كان الأمر يتعلق بمعالجة عدم المساواة أو المشاركة في الإنفاق الاجتماعي، فإن الصندوق تعلم أنه لا يستطيع القيام بذلك بمفرده.
ونحن نتصور هذا كنوع من الشراكة بين المنظمات الدولية والأكاديميين والسلطات الخاصة بكل دولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص الذين يعملون معاً لتعزيز سياسات الإنفاق الاجتماعي ووضع الأسس لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وعلى سبيل المثال، يمكننا المساعدة من خلال زيادة إبراز هذه القضايا في خطاب السياسة الاقتصادية الأوسع نطاقاً الذي يحيط بالاستقرار والنمو الاقتصادي.
وكذلك، لدى المنظمات الدولية مثل البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية معرفة قيمة بشأن الإنفاق الاجتماعي.
كما أن المجتمع المدني والأكاديميين والمؤسسات الفكرية والنقابات العمالية تقدم جميعها وجهات نظر مميزة.
وبالطبع، ليس هناك أمراً واحداً يناسب الجميع عندما يتعلق الأمر بالإنفاق الاجتماعي، حيث أن الدول لديها تفضيلات مختلفة كما تواجه تحديات مختلفة بالإضافة إلى أنها تتطلع إلى أشياء مختلفة.
لكن من خلال العمل الجماعي، من المحتمل بشدة أن نطرح التساؤلات الصحيحة وبالتالي التوصل إلى الإجابات الصحيحة.