مباشر – أحمد شوقي: بدأ عام 2019 وفي جعبته العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية التي كانت الآمال معقودة على إمكانية حلها قبل نهاية العام.
ويرصد "مباشر" أبرز الأزمات التي فشل عام 2019 في وضع نهاية لها، لتستمر في وضع ضغوط سلبية على الاقتصاد العالمي في 2019
زيادة فتيل الحرب التجارية
تحت شعار "أمريكا أولاً" بدأ الرئيس الأمريكي في إثارة حرب تجارية حينما أعلن في مارس/أذار 2018 فرض تعريفات جمركية على واردات الصلب والألومنيوم من جميع دول العالم عدا المكسيك وكندا.
ولكن بدأ صراع الند للند فعلياً بين الولايات المتحدة والصين حينما أعلنت واشنطن في أبريل/نيسان 2018 تعريفات جمركية بنسبة 25 بالمائة على وارداتها من السلع الصينية بقيمة 50 مليار دولار لتدخل حيز التنفيذ في يونيو/حزيران من العام لنفسه، لترد بكين بتطبيق رسوم انتقامية على منتجات أمريكية قيمتها 34 مليار دولار.
ودخلت الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم منعطفاً خطيراً حينما أعلنت الولايات المتحدة تنفيذ تعريفات جمركية بنسبة 10 بالمائة ضد سلع صينية بقيمة 200 مليار دولار في سبتمبر/أيلول 2018.
وفي أواخر العام الماضي ظن الجميع أن 2019 ستشهد نهاية الحرب التجارية بعد الاتفاق على هدنة مدتها 90 يوماً تهدف إلى وقف تطبيق تعريفات جمركية جديدة ومحاولة التوصل لصفقة تجارية، ولكن انتهت الهدنة دون حل للأزمة.
واستمرت المحادثات التجارية وكذلك التهديدات أيضاً بفرض المزيد من التعريفات حتى أعلنت الولايات المتحدة رسوماً جمركية على سلع صينية بقيمة 300 مليار دولار دخل جزءاً منها حيز التنفيذ في سبتمبر/أيلول الماضي، وتم إلغاء الباقي الذي كان من المقرر أن يُطبق في 15 ديسمبر/كانون الأول، بعد أن أعلنت واشنطن وبكين التوصل لاتفاق بشأن المرحلة الأولى من الصفقة التجارية التي تم الإعلان عنهت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وينتظر الجميع التوقيع على المرحلة الأولى من الصفقة التجارية في بداية عام 2020، فهل تكون الصفقة المصغرة بداية لإنهاء الحرب التجارية أم أنها مجرد مسكن فقط؟
أزمة البريكست المستعصية
عانت المملكة المتحدة كثيراً خلال 2018 في سبيل التوصل لصفقة تمكنها من الخروج السهل من الاتحاد الأوروبي في مارس/أذار 2019، وفي الوقت الذي ظنت فيه رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أن الأمر يقترب من النهاية، جاء البرلمان البريطاني ليكون كالشوك في طريق البريكست.
ورفض البرلمان صفقة البريكست ثلاث مرات في يناير/كانون الأول، و12 مارس/أذار ويوم 29 من الشهر نفسه، ليتم إجبار ماي على طلب تأجيل البريكست وهو ما وافق عليه الاتحاد الأوروبي حيث أجل موعد الخروج إلى 22 مايو/أيار الماضي.
ومع فشلها في إتمام البريكست في موعده الثاني، أعلنت ماي في مايو/أيار أنها سوف تترك منصبها في يوليو/ تموز رغم موافقة الاتحاد الأوروبي قبل ذلك على تأجيل البريكست حتى 31 أكتوبر/تشرين الأول.
ونجح بوريس جونسون في الفوز بمنصب رئيس الوزراء ليتولى زمام الأمور متعهداً مراراً بإتمام البريكست في موعده، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن حيث رفض البرلمان الخروج بدون صفقة وأجبر جونسون على طلب تأجيل موعد الخروج لتوافق بروكسل على تأخيره إلى 31 يناير/كانون الثاني.
ومع رفض البرلمان البريطاني للصفقة التي توصل إلىها جونسون مع الاتحاد الأوروبي، لجأ رئيس الوزراء إلى صناديق الاقتراع، ليفوز بأكبر أغلبية لحزب المحافظين منذ عام 1987 مما عزز فرص إتمام البريكست في موعده المحدد وهو ما احتفت به الأسواق.
ولكن عادت حالة عدم اليقين مجدداً مع اعتزام جونسون عدم السماح لتمديد الفترة الانتقالية بشأن الاتفاق التجاري مع بروكسل بعد البريكست حتى ديسمبر/كانون الأول 2020، لتستمر معضلة البريكست في إثارة قلق الأسواق في 2020.
صراع كوريا واليابان
تجددت التوترات بين كوريا الجنوبية واليابان مع عودة خلافات ترجع جذورها إلى 7 عقود ماضية بعد أن قضت محكمة في سول بضرورة تعويض الشركات اليابانية للكوريين المجندين للعمل في المصانع والمناجم خلال فترة استعمار شبه الجزيرة الكورية بين 1910 وحتى 1945.
بينما تقول اليابان إن القضية تمت تسويتها بموجب معاهدة عام 1965.
واشتد الصراع في العام الجاري حينما قررت اليابان حذف كوريا الجنوبية من القائمة البيضاء للشركاء التجاريين في يونيو/حزيران لتتبعها سول بالخطوة نفسها في الشهر التالي، وتتطور الأمر بإرسال شكوى إلى منظمة التجارة العالمية.
ولكن بدأ الأمور تهدأ مؤخراً مع التأكيد على العلاقة القوية بين الجارتين وفي ظل الاستعداد لقيمة ثلاثية تجمع رئيس الوزراء شينزو آبي مع رئيس كوريا الجنوبية مون جاي أون بالإضافة إلى الصين.
اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية
بعد مفاوضات دامت أكثر من عام على خلفية رغبة الرئيس الأمريكي ترامب تعديل قواعد التجارة بين دول أمريكا الشمالية وانتقاده المستمر لاتفاقية "نافتا"، وافقت الولايات المتحدة والمكسيك وكندا على اتقاقية تجارية جديدة في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني لعام 2018 تستبدل "نافتا"، لكن استمرت المفاوضات بشأن تعديلات بالصفقة.
وأصبح الأمر في يد الولايات المتحدة لإتمام الصفقة، لكن سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب ساهم في تأخير إقرار الكونجرس للصفقة.
وعملت إدارة ترامب على حل مخاوف الديمقراطيين بشأن أدوات إنفاذ معايير العمل والبيئة بموجب الاتفاق الجديد إلى أن توصل إلى اتفاق معهم بشأن الصفقة في وقت سابق من هذا الشهر ومن ثم تم توقيع الاتفاقية بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.
ويعمل البيت الأبيض في الوقت الحالي على تقديم تشريع التصديق إلى الكونجرس للمضي قدمًا في الموافقة على الاتفاقية خلال 90 يوماً.
أزمات الأرجنتين وفنزويلا
تعاني الأرجنتين وفنزويلا من أزمات اقتصادية لم يكتب لها الحل حتى الآن، بل امتدت الأزمة في فنزويلا إلى أخرى سياسية.
ومع تراجع أسعار النفط تلقى اقتصاد فنزويلا الذي كان أكبر منتج للخام ضربة موجعة لم يتعاف منها حتى الآن، حيث انهارت العملة المحلية "بوليفار" وتصاعدت مستويات الديون وارتفع معدل التضخم إلى مستويات جامحة قدره صندوق النقد بأكثر من مليون بالمائة.
ومع تأزم الموقف الاقتصادي وارتفاع تكاليف المعيشة لم يكن أمام المواطنين إلا الهجرة للهروب من جحيم الفقر خاصة وأن الأزمة السياسية التي اندلعت منذ بداية العام الجاري مع فوز تم وصفه بأنه غير شرعي لنيكولاس مادورو بمنصب الرئيس حيث لم تعترف به بعض الدول الكبرى أمثال الولايات المتحدة بل دعمت زعيم المعارضة خوان جوايدو كرئيس مؤقتاً للبلاد.
وساهمت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على فنزويلا في تعميق جراحها، وحاولت الحكومة الفنزويلية خفض حدة الأزمة الاقتصادية عبر إصدار عملة جديدة وزيادة الحد الأدنى للأجور عدة مرات.
وفي الآونة الأخيرة، بدا أن التضخم الجامح يتباطأ لكن لا تزال فنزويلا في خضم الأزمة الاقتصادية مع ارتفاع احتمالات التخلف عن سداد الديون، وسط توقعات صندوق النقد بانكماش الاقتصاد للعام الثالث على التوالي وبنسبة 35 بالمائة تقريباً.
الحال لم يختلف كثيراً بالنسبة للأرجنتين التي تدهور اقتصادها مع أزمة في الأسواق الناشئة دفعت تركيا أيضاً نحو معاناة اقتصادية لكنها تمكنت في العام الجاري من التعافي.
ولكن لا تزال الأرجنتين فريسة لأزمة مالية نتيجة لإصلاحات اقتصادية غير مدروسة قام بها الرئيس السابق موريسيو ماكري، لينتهي بها الأمر للحصول على قرض بقيمة 57 مليار دولار من صندوق النقد في العام الماضي وإجراءات تقشفية من أجل منع التخلف عن سداد الديون.
ولكن لم ينجح القرض في شفاء جراح الأرجنتين الذي انكمش اقتصادها بنحو 5.8 بالمائة في الربع الأول من العام الجاري وارتفع معدل التضخم أعلى 50 بالمائة.
وبدأ البنك المركزي الأرجنتيني القيام بالعديد من عمليات زيادة الفائدة ليصل المعدل إلى 63 بالمائة وهو أكبر معدل فائدة في العالم في مسعى لإنقاذ العملة المحلية المنهارة أمام الدولار.
كما لجأت الحكومة إلى إعادة ضوابط رأس المال لكبح جماح خسائر العملة وتحقيق الاستقرار المالي في سبتمبر/أيلول الماضي، لكن كل هذه المحاولات لم تشفع للرئيس موريسيو ماكري الذي خسر الانتخابات الرئاسية أمام المرشح اليساري ألبرتو فرنانديز في أكتوبر/كانون الأول الماضي.
وأظهر فوز "فرنانديز" أن الأرجنتينيين سئموا من النهج الحالي ومن المشاكل الاقتصادية بشكل عام.
وتعهد الرئيس الجديد بفتح صفقة جديد مع صندوق النقد والتفاوض على شروط الخط الائتماني، ما يجعل عام 2020 مؤشراً رئيسياً لمدى نجاح الرئيس الجديد في إخراج الاقتصاد من الأزمة من عدمه.