تحرير: سالي إسماعيل
مباشر: خلص بنك الاحتياطي الفيدرالي في تقريره نصف السنوي الأخير بشأن المخاطر على الاستقرار المالي، إلى أنه لا يوجد تهديدات مباشرة خطيرة.
إذن، هل يعني ذلك أنه يجب علينا الاسترخاء؟، بالتأكيد لا، هكذا يجيب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في ولاية نيويورك في الفترة من 2009 وحتى 2018 وكبير الخبراء الاقتصاديين في جولدمان ساكس "بيل دادلي" خلال رؤية تحليلية نشرتها وكالة "بلومبرج أوبينيون".
ومن وجهة نظري، لا يلوح في الأفق اثنين من المخاطر الهامة فحسب لكن يبدو من المرجح أن كلاهما سيحدث بالفعل في السنوات القادمة.
وبالنسبة للمخاطر على المدى القصير، فإن تقرير الفيدرالي والصادر يوم الجمعة الماضي خلص إلى ما يلي تحديداً:
-رغم أن أسعار الأصول لا تزال مرتفعة في أسواق عديدة، إلا أن هذا في الغالب بسبب أن عوائد سندات الخزانة منخفضة، وعند التحليل مقارنة مع مستوى عوائد سندات الخزانة، فإن التقييمات في أسوق سندات الشركات وسوق الأسهم تكون قريبة من مستوياتها الطبيعية".
- اقتراض الشركات مرتفع، لكن اقتراض الأسر لا يزل عند مستوى معتدل نسبة للدخل.
- قروض الرافعة المالية في القطاع المالي منخفضة.
- مخاطر التمويل لا تزال معتدلة.
- مستوى نقاط الضعف قد تغير قليلاً منذ التقرير السابق والصادر في مايو/آيار.
ومع ذلك، يوجد في سياق التقرير أساس لاثنين من المخاطر على المدى الطويل.
ويكمن الخطر الأول في أن هبوط عوائد سندات الخزانة يعتبر أمراً غير مستدام.
ويُعد ذلك بمثابة خطر هام لأن تقييمات الأسواق المالية الأمريكية الهامة الأخرى بما في ذلك سندات الشركات وأسواق الأسهم تعتمد على المستوى المنخفض لعوائد سندات الخزانة.
ووفقاً لوجهة نظري، فإن الاحتمالات مرتفعة لحدوث زيادة كبيرة في عوائد سندات الخزانة الأمريكية طويلة الآجل.
أولاً: تتمثل نقطة البداية في أن عوائد السندات منخفضة بشكل استثنائي وخاصةً في تلك المرحلة من دورة الأعمال، حيث تقف عوائد سندات الخزانة الأمريكية لآجل 10 سنوات عند مستوى 1.8 بالمائة.
وتشهد عوائد السندات مستويات متدنية بشكل غير معتاد لأن العوائد الحقيقية - المعدلة وفقاً للتضخم - منخفضة.
وعلى سبيل المثال، فإن معدلات الفائدة على المدى القصير والتي تُحدد بما يتماشى مع السياسة النقدية المحايدة تقف حالياً حول نطاق الصفر، وهو ما يعتبر حوالي 200 نقطة أساس أقل من مستواها التاريخي.
وكذلك تقف عوائد السندات عند مستويات منخفضة لأن علاوة فترة حيازة السند - متوسط اللفارق بين عوائد سندات الخزانة طويلة الآجل وتلك قصيرة الآجل - تقع في النطاق السالب.
وعلى النقيض، قبل هذه الدورة الاقتصادية كان الفارق الائتماني التاريخي بين عوائد سندات الخزانة لآجل 10 سنوات والديون التي يحل موعد سدادها بعد 3 أشهر يبلغ 100 نقطة أساس تقريباً.
ثانياً: هناك أسباب وجيهة لتوقع أن علاوة فترة حيازة السند سوف تزداد بمرور الوقت.
وتعتبر علاوة فترة حيازة السند منخفضة بشكل استثنائي نظراً لأن المستثمرون قلقون بشأن خطر حدوث ركوداً اقتصادياً أكثر من خطر معدل التضخم الأعلى.
ويُنظر إلى السندات الحكومية كأداة للتحوط مقابل الأصول الأخرى الأكثر خطورة والتي يحتفظ بها المستثمرون في محافظهم الاستثمارية مثل ديون الشركات والأسهم.
لكن من غير المرجح أن يستمر انخفاض علاوة فترة حيازة السند لفترة أطول، حيث أن تحركات الفيدرالي قد قللت مخاطر الركود الاقتصادي فيما زادت مخاطر معدل التضخم الأعلى.
ومع ذلك، فإن تقييمات سوق السندات لا تضع تسعيراً لتلك الاحتمالية.
وعلاوة على ذلك، ينبغي أن ترتفع علاوة فترة حيازة السند بمرور الوقت، حيث أن العجز المزمن في الموازنة يتطلب زيادات كبيرة في المعروض من ديون الخزانة الأمريكية.
ولا يقتصر الأمر على توقعات مكتب ميزانية الكونجرس بوجود عجز كبير للغاية، لكن مع زيادة عوائد السندات فإن تكاليف خدمة الديون سترتفع، الأمر الذي سيؤدي إلى عجز أكبر بالموازنة وإلى مزيد من المعروض من السندات.
أما الخطر الثاني على المدى الطويل فيكمن في تراكم ديون الشركات، وخاصةً في السندات التي تحمل التصنيف الائتماني "بي.بي.بي" والائتمان ذو العائد المرتفع.
وفي السنوات الأخيرة، استفادت الشركات الأمريكية من معدلات الفائدة المنخفضة وضيق الفوارق الائتمانية لسندات الشركات لتعزيز الروافع المالية الخاصة بها وتقليل منحنى جودة الائتمان.
وبالنسبة للعديد من الرؤساء التنفيذين، فإن الفكرة بسيطة، الحصول على مزيد من تسهيلات الرافعة المالية والقيام بعمليات أكبر لإعادة شراء الأسهم.
ويقلل ذلك من عدد الأسهم المصدرة، مما يعزز من نصيب السهم من الأرباح وسعر سهم الشركة.
ويُعد كل ما سبق أمر جيد للغاية خلال فترة مستدامة من التوسع الاقتصادي، لكن كما كتبت أنا و"إد ماكيلفي" قبل عقدين من الزمن، هناك جانب مظلم للدورة الاقتصادية الأطول.
وعندما تصبح حالات الركود الاقتصادي أقل شيوعاً، فإن صدمة الركود تصبح أكبر عند حدوثها في نهاية المطاف، وهو ما يؤدي حتماً إلى اضطرابات أكبر في الأسواق المالية.
وتشاركت حالات الركود الاقتصادي الأخيرة، مثل انفجار فقاعة أسهم التكنولوجيا في الفترة (2000-2001) أو خلال الأزمة المالية (2007-2009) في مسألة عدم استقرار مالي أكبر مقارنة مع فترات الاتجاه الهبوطي في النشاط الاقتصادي السابقة.
ومن المستبعد عدم تكرار هذا النموذج في المرة المقبلة، حيث أن النمو في ديون الشركات قد تركز في السندات التي تحمل تصنيف ائتماني "بي.بي.بي".
وعندما يحدث الركود الاقتصادي القادم، فإن كمية كبيرة من تلك الديون سيتم خفض تصنيفها الائتماني إلى الدرجة غير الاستثمارية "الخردة".
وسترتفع الفوارق الائتمانية لتلك الديون بسبب التدهور في الجودة.
لكن من غير المرجح أن تنتهي المسألة عند هذا الوضع، حيث أن عمليات البيع الاضطرارية ستُولد تكدس كبير داخل سوق ديون الشركات.
وسيضطر العديد من المستثمرين الذين لديهم تفويضات تلزمهم فقط بحيازات الديون ذات الدرجة الاستثمارية، في التخلص من السندات التي باتت تحمل تصنيف الخردة.
ومن شأن هذه العملية البيعية أن تدفع أسعار الأوراق المالية لأقل من قيمتها الأساسية، مع العلم أن الأسعار يجب أن تصبح رخصة للغاية من أجل إثارة فرص الشراء الانتهازية.
وعلاوة على ذلك، فإن بعض التغيرات التي أدخلت على قانون خفض الضرائب والوظائف لعام 2017 ستزيد من الضغوط على الشركات عالية الاستدانة.
وعلى وجه الخصوص، ألغى القانون قدرة الشركات على تعويض الخسائر خلال فترة الاتجاه الاقتصادي الهابط عبر الحصول على أموال الضرائب المدفوعة في السنوات السابقة.
كما يحد القانون من قابلية خصم الفائدة بالنسبة للأرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك وإطفاء الديون.
ونظراً لأن أرباح الشركات قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والإطفاء تتراجع في فترة الركود الاقتصادي، ستصبح هذه القيود أكثر إلزاماً الأمر الذي يزيد من تقييد تدفق السيولة على الشركات ذات الرافعة المالية المرتفعة.
ولن تتسبب الزيادة في ديون الرافعة المالية للشركات في صعود احتمالات حدوث الركود الاقتصادي، لكن عندما يحدث الركود فإن عبء الديون وقانون الضرائب سيجعلان الاتجاه الهبوطي في الاقتصاد أكثر سوءاً.
لذا دعونا نتمتع بالعام أو العامين القادمين، وطالما يبقى معدل التضخم منخفضاً فإن الفيدرالي سيظل صديقاً للأسواق، لكن هذا الأمر من غير المرجح أن يدوم.
وبالفعل تتراكم الضغوط على جبهة الاستقرار المالي، الأمر الذي سيجعل الاتجاه الهابط الاقتصادي القادم أكثر فوضوية من المتوقع.