من: أحمد شوقي
مباشر: بفضل المساهمة القوية لقطاعي الاستهلاك والبناء، نجا الاقتصاد الألماني من الوقوع تحت براثن الركود في الربع الثالث من العام الجاري.
وتأكيداً للبيانات الأولية، أوضحت القراءة الثانية أن أكبر اقتصاد في أوروبا نما بنحو 0.1 بالمائة في الربع الثالث على أساس فصلي، بعد انكماشه بنحو 0.2 بالمائة في الربع الثاني من العام الجاري.
وعلى أساس سنوي، نما الاقتصاد الألماني بنحو 0.5 بالمائة في الربع الثالث من العام الجاري.
وتوضح رؤية تحليلية للاقتصادي "كارسين برزيسكي" عبر البنك الاستثماري "أي.إن.جي" أن الجديد يتمثل في مكونات نمو الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا، حيث كان نمو الربع الثالث مدفوعًا باستهلاك القطاع الخاص القوي الذي ارتفع بنحو 0.4 بالمائة على أساس فصلي، والاستهلاك العام بنسبة 0.8 بالمائة.
كما نما النشاط في قطاع البناء بنسبة 1.2 بالمائة على أساس فصلي، في حين انخفضت الاستثمارات بنسبة 2.6 بالمائة.
وفي الوقت نفسه، كان صافي الصادرات إيجابياً، في حين سببت المخزونات هبوطاً بنحو 0.7 بالمائة في نمو الاقتصاد.
وتظل قوة الاستهلاك الخاص، على وجه الخصوص تأمينًا مهمًا لمكافحة الركود بالنسبة للاقتصاد بأكمله، مع حقيقة أن الاستهلاك الخاص يسجل نمواً فصلياً متواصلاً منذ بداية عام 2014.
تجنب الركود بفضل هدايا الانتخابات
أحد الأسباب الرئيسية وراء تفادي ألمانيا للركود الاقتصادي هو قائمة طويلة من الهدايا الانتخابية، وغالبًا ما يتم انتقادها لأنها لا تزيد من إمكانات النمو طويلة الآجل للاقتصاد الألماني.
وعلى مدى العامين الماضيين، وافقت الحكومة على زيادة في مخصصات الأطفال، والمعاشات التقاعدية وبدلات الدراسة، وكذلك بعض الإعفاءات الضريبية والمزيد من الأموال للرعاية الصحية ورعاية كبار السن والمدارس.
وبالنسبة لعام 2019، كان كل هذا بمثابة حافز مالي لحوالي 0.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا ما يتنافي مع المقولة التقليدية بان الحكومة الألمانية حساسة لفكرة الحوافز المالية قصيرة الآجل.
وبالنظر إلى المستقبل، على الرغم من أن الاقتصاد الألماني تجنب الدخول في مرحلة ركود فني (انكماش الاقتصاد لفصلين متواليين)، إلا أن هناك إشارات قليلة إلى حدوث تعافي وشيك للقطاع الصناعي الضعيف.
وفي الواقع، فإن الاقتصاد الألماني في حالة جمود فعلي، حيث بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي الفصلي نسبة ضئيلة تقدر بـ 0.1 بالمائة منذ الربع الثالث من العام الماضي.
وقد يكون الاعتماد على الاستهلاك والبناء فقط لموازنة الركود الصناعي، وعلى انتعاش محتمل في التجارة العالمية لتغطية التغيرات الهيكلية والاضطرابات التي تواجه العديد من القطاعات الرئيسية للاقتصاد بأكمله مغامرة محفوفة بالمخاطر.
ولذلك فإن النقاش حول الحوافز المالية الإضافية سوف يستمر، ليس بمعنى حزمة مالية قصيرة الآجل لمكافحة الركود، بل بمعنى مجموعة من الاستثمارات طويلة الآجل لمعالجة نقاط الضعف الهيكلية للاقتصاد.
وفي هذا الصدد، كان من اللافت للنظر في وقت سابق من هذا الأسبوع أن جمعية رجال الأعمال الألمانية والنقابة العمالية تقدمتا - في اتفاق غير معتاد - بطلب ليس فقط حزمة استثمار بقيمة 450 مليار يورو على مدار السنوات العشر القادمة ولكن أيضًا لتفسير أكثر مرونة لسياسة ألمانيا الخاصة بـ"كبح الديون"
و"كبح الدين" تعديل دستوري قدمه المحافظون والحزب الديمقراطي الاشتراكي في أعقاب الأزمة المالية العالمية في 2008، يمكن للحكومة الفيدرالية من زيادة الديون بما يعادل 0.35 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي - مع المزيد من الاقتراض المسموح به فقط في أوقات الأزمات أو الطوارئ، على أن يتم حظر العجز الهيكلي بالنسبة للولايات تمامًا بدءًا من عام 2020".
ويمثل استثمار 450 مليار يورو على مدى 10 سنوات أكثر من ضعف النفقات الاستثمارية المخططة حاليًا، وبذلك يصل إنفاق الاستثمار العام السنوي إلى أكثر من 2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي أول رد فعل، دحضت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل هذه الدعوات، قائلة إن الاقتصاد سيكون قادرًا أيضًا على النمو من خلال خطط الموازنة الحالية.
ومع ذلك، كان هناك تحول كبير في ألمانيا هذا العام فيما يتعلق بالسياسة المالية، بعيداً عن قول "لا" بحزم تجاه المزيد من المرونة، حيث أن بعض التحفيز المالي في العام المقبل والسنوات اللاحقة لا يزال يبدو أمراً مرجحاً.
وعلى المدى القصير، سيستمر الاقتصاد في مغازلة حالة الجمود أو الركود بعد 10 سنوات من النمو الذي كان لا يمكن وقفه تقريبًا، ولا يمثل هذا بالضرورة نهاية العالم.