تحرير: نهى النحاس
مباشر: على مدار الأشهر القليلة الماضية اتخذ النقاش الألماني بشأن السياسة المالية والنقدية منعطفاً مثيراً.
ويقول هانز-هيلموت كوتز أستاذ الاقتصاد الزائر في جامعة "هارفرد" في مقال لموقع "بروجيكت ساينديكيت" إن العقائد الاقتصادية القديمة والتي تتضمن ضرورة سعي القطاع العام لتحقيق فائض نقدي بصرف النظر عن ظروف الاقتصاد الكلي، أصبحت تشهد إعادة نظر من قبل البعض.
ويتغير الوضع الاقتصادي بسرعة نحو الأسوأ، فالاقتصاد الألماني - الذي لطالما كان بمثابة المحرك الرئيسي لنمو اقتصاد منطفة اليورو - يتراجع أدائه بشكل لا يمكن إنكاره، ونتيجة لذلك توجد احتمالية كبيرة لركود الاقتصاد الألماني وفقاً لمعاير العمق والمدة الزمنية.
وأبرز العوامل السلبية المسببة لتباطؤ الاقتصاد يتمثل بالطبع في حالة عدم اليقين النابعة من البيئة التجارية العالمية المثيرة للجدل، ويهدد ذلك بشكل خاص الاقتصادات المفتوحة مثل ألمانيا وجيرانها المندمجين بعمق في سلاسل القيمة للمصنعين.
وستؤثر الزيادة في التوترات التجارية على أوروبا بطريقتين: طريقة غير مباشرة تتمثل في الصين، والثانية بطريقة مباشرة من خلال التعريفات الأمريكية المعلنة في أعقاب حكم منظمة التجارة العالمية ذات صلة بالمساعدة الحكومة لشركة "إيرباص" الأوروبية.
ومن المحتمل أن تكون سياسة الند للند عبر فرض تعريفات أوروبية ضد الدعم الأمريكي المقدم لشركة "بوينج" هو الاستجابة المنطقية.
وولت الأيام الجيدة – أو السيئة بالنسبة للبعض - لاتفاقيات التجارة متعددة الأطراف، وأصبحت الآن قيود التعريفات أو القيود غير الجمركية هي الموضة السائدة مجدداً، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الاختلالات التجارية الثنائية الكبيرة عندما تتجاوز مستويات محددة تثير رد فعل بين صناع السياسة النقدية من أجل حماية الأسواق المحلية لصالح المنتجين المحليين وموظفيهم.
والتجارة لا تختلف عن الاضطراب التكنولوجي من حيث أن لها عواقب ذات صلة بإعادة توزيع الثروات والتي يتجاهلها صناع السياسة النقدية على مسئوليتهم الخاصة، وبالتالي تعني الحاجة إلى التعديل والتغيير الهيكلي.
استخدام الفوائض المالية؟
ومثلاً، الفوائض الضخمة والمستمرة للحساب الجاري في ألمانيا والتي تمثل أكثر من 6 بالمائة من الناتج الإجمالي المحلي تسبب زيادة التوترات مع الدول الأخرى المستوردة بكميات كبيرة مثل الولايات المتحدة، والتي بالتبعية تسجل عجزاً مماثلاً في الحساب الجاري.
وبالنظر إلى المخاطر المرتفعة لركود الاقتصاد الألماني، فإن الرد الواضح سيكون استخدام كل من السياسة النقدية والمالية لتحفيز الاقتصاد.
وتتفاعل السياسة المالية والنقدية بشكل ملحوظ للتأثير على النشاط الاقتصادي بطريقة وصفها الاقتصادي جيمس توبين على أنها "قمع مشترك"، وعادة ما تتجاهل مناقشات السياسة الاقتصادية في منطقة اليورو ذلك التفاعل.
وفي دولة فيدرالية فإن أعلى مستوى في الدولة غالباً ما يكون هو المسؤول عن الجزء الأكبر من النفقات العامة ويكون مكلفاً بتنفيذ السياسات المالية لمواجهة التباطؤ.
ومن الممكن أن تكون تلك التدابير الجالبة للاستقرار تلقائية، حيث تتقلب إيرادات الموازنة والنفقات مع دورة الاقتصاد، أو من الممكن أن تكون نشطة عبر تعزيز متعمد للطلب المحلي بهدف إعادة الاقتصاد نحو مساره الصحيح، وفي الوقت نفسه تعدل "الذراع الثانية" للسياسة الاقتصادية معدلات الفائدة أو الوصول إلى الأموال سعياً إلى تحقيق هدف الاستقرار نفسه.
والاتحاد الأوروبي (ومنطقة اليورو أيضاً) أكثر من كيان كونفيدرالي ولكنه أقل بكثير من أن يكون نظام فيدرالي، ولذلك فأن آليات اندماج السياسة المالية والنقدية مختلفة، ونظرياً فإن الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي عليها أن تؤدي وظيفة الاستقرار المالي، لكن من الناحية العملية هم لا يفعلون ذلك.
ويرجع ذلك إما لأنهم مقيدين بقواعد شبه دستورية للميثاق المالي للاتحاد الأوروبي، أو لأن ضعف الوضع المالي للدولة يجعلهم مقيدين بسوق الدين، وفي الوقت نفسه ترى بعض حكومات دول منطقة اليورو عدم وجود حاجة إلى تدابير مالية لمواجعة التقليات الدورية، على الرغم من وجود المساحة المالية لديهم.
معضلة المركزي الأوروبي
ويضع ذلك معظم العبء على كاهل البنك المركزي الأوروبي الذي لا يوجد لديه كافية، حيث تؤثر دورة الأعمال على سياسة البنك المركزي بشكل غير مباشر فقط، عبر تأثيرها على أسعار المستهلك.
ولكن البنك المركزي استنفذ تقريباً أدواته للسياسة النقدية غير التقليدية، مثل مشتريات السندات واسعة النطاق ومعدلات الفائدة السالبة.
وفي الوقت الذي يتم فيه تقديم أدلة على فوائد مثل تلك الأدوات، فإن البنك المركزي الأوروبي اعترف بأثارها الجانبية السلبية المحتملة مثل تأثيرها الضار المحتمل على قوة قطاع التأمين والقطاع المصرفي في منطقة اليورو.
ولذلك دعا الرئيس المنتهية ولايته للبنك المركزي الأوروبي "ماريو دراجي" الحكومات الوطنية التي لديها مساحة مالية لدعم الاقتصاد لتحمل بعض عبء الاستقرار من خلال توفير الحوافز المالية.
وعدم قيام الحكومات بذلك يجعل المركزي الأوروبي محاصراً بلا قوة يقوض من استقلاليته، كما لا يعالج القدرة المفرطة في الصناعة المصرفية في أوروبا.
وللأسف، إجبار البنك المركزي الأوروبي بشكل أساسي على استخدام ميزانيته العمومية أمر أكثر جاذبية بالنسبة للعديد من السياسيين الوطنيين، كما أنه يجعل تدمير سمعة البنك المركزي أسهل بكثير.
أما الخبر السار بالنسبة للمركزي الأوروبي هو أن صناع السياسة في بعض الدول ومنها هولندا المعروفة بعدم الإنفاق الكبير، يناقشون مجدداً على الأقل السياسات المالية للازمة للتعامل مع الدورات الاقتصادية.
ومن الممكن أن يكون نقاش السياسة النقدية أقل اهتماماً بالاقتصاد الكلي وأن يكون عملي أكثر، وتمتلك الدول الأعضاء في منطقة اليورو عوامل استقرار تلقائية قوية نسبياً، أكثر بكثير من الموجودة في الولايات المتحدة، كما أن بعض الدول لديها لا مركزية تماماً من الناحية المالية.
وأخيرًا هناك حاجة إلى قدر معقول من أدوات الاستقرار التلقائي على مستوى منطقة اليورو، وفي حين أن فكرة إقرار موازنة موحدة لمنطقة اليورو للتعاون والقدرة التنافسية بمثابة البداية، إلا أنها ليست كافية نهائياً.
وبطبيعة الحال لا ينبغي أن يتم تضمين بند في الموازنة من أجل "الاستقرار"، بل يجب أن تكون بدلاً من ذلك يجب أن يكون الأمر بشكل انتقال حقيقي ومشروع وديمقراطي للمسؤوليات والسيادة الوطنية للقطاع العام.
ولسوء الحظ، فإن السياسة الحالية لدى الدول الأعضاء في منطقة اليورو بما في ذلك فرنسا وألمانيا أكثر تطلعًا إلى الشأن المحلي، وسيؤدي ذلك إلى ترك منطقة اليورو وخاصة أعضائها الأضعف عرضة للخطر باستمرار.