تحليل.. الروبوتات بريئة من تدمير ملايين الوظائف الصناعية الأمريكية
تحرير: نهى النحاس
مباشر: دخل العديد من المرشحين الديمقراطيين على الرئاسة في الولايات المتحدة في جدل بشأن فقدان الوظائف في البلاد.
ويقول نوح سميث الأستاذ المساعد في جامعة "ستوني بروك" في مقال نشرته "بلومبرج أوبنيون" إن المرشح أندرو يانغ أشار إلى الأتمتة باعتبارها السبب الرئيسي لفقدان الوظائف، واتفق معه في ذلك كل من جون بايدن ووبرين ساندرس، واقترح يانج تقديم دخلاً أساسياً لعلاج لذلك، فيما جادل ساندرس بضرورة ضمان وظيفة فيدرالية.
وعلى الجانب الآخر، خالفت إليزابيث وارن ذلك الاتجاه معلنة أن السبب الأساسي في فقدان الوظائف هو السياسية التجارية السيئة.
واتفق "راصد الحقائق" في وكالة "أسوشيتيد برس" مع وجهة النظر الأولى، معتبراً أن الاقتصاديين يلقون باللوم في أغلب الأحيان في فقدان الوظائف على الأتمتة وليس الصفقات التجارية.
ولكن، الحقائق ليست في نفس الوضوح الذي تريد منا "أسوشيتيد برس" أن نعتقده، فأسباب خسارة الوظائف لاتزال موضع جدال بين الاقتصاديين.
وكان هناك سببان رئيسيان وراء فقدان الوظائف في العقد الماضي: الركود وشيخوخة السكان.
فالركود العظيم تسبب في فقدان وظائف واسع الانشار وأدى إلى تباطؤ التوظيف، وبعد انتهاء الركود تعافي معدل التشغيل، لكن بسبب تقاعد مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية فإن إجمالي معدل التشغيل أصبح أقل مما كان عليه من قبل.
انسحاب مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية
ولكن حقيقة أن كل شخص لديه وظيفة لا تعني أنهم يمتلكون وظيفة جيدة، حيث أبدى العديد من المتابعين والسياسيين أسفهم على انخفاض معدل التشغيل في الوظائف الصناعية مرتفعة الدخل.
وهنا أيضاً تظهر إشارات متضاربة، حيث أن نسبة الأمريكيين العاملين في الصناعات التحويلية تراجعت باستمرار منذ بداية خمسينات القرن الماضي من مستوى الثلث في عام 1953 وحتى 8.5 بالمائة حالياً.
تراجع يسبق عصر الروبتات
ويرجع جانب كبير من ذلك الانخفاض إلى زيادة الإنتاجية التي تتضمن الأتمتة، وذلك قبل وقتاً طويلاً من أن تصبح الروبتات والذكاء الاصطناعي عبارات طنانة، حيث سمحت الأدوات الآلية الأفضل وتطورات عمليات المصانع بأن تعمل بعدد عمال أقل.
وزيادة الإنتاجية لم تكن العامل الوحيد، فإذا كان الطلب على السلع الصناعية تمكن من الارتفاع بشكل أكبر، لم نكن لنواجه هبوط نسبة عمال المصانع.
ولكن الأمر كان على النقيض، أصبح الناس أكثر رضاءً تجاه السيارات والمنازل والسلع المادية التي يمتلكونها، وبدأوا في إنفاق المزيد من الأموال على خدمات التعليم والرعاية الصحية والتأمين والسفر والترفيه وما إلى ذلك.
ولذلك بدأ الكثير من الأمريكين في العمل في صناعة الخدمات والتي عادة ما تقدم أجوراً أقل من وظائف المصانع، وربما يعود ذلك إلى أنها تتطلب مهارات أقل، كما أن قطاع الخدمات أقل من حيث قوة النقابات العمالية.
ولكن حتى مع انخفاض حصة الأمريكيين العاملين في قطاع التصنيع، فإن العدد الإجمالي ارتفع، لكن بعد الدخول في حقبة الألفية الثالثة انحدر ذلك أيضاً.
ولم يكن الركود الاقتصادي الخفيف في 2001 سبباً كافياً للتسبب في ذلك التراجع الكارثي، وحتى بعد أن تعافي الاقتصاد فإن عمليات التشغيل في قطاع التصنيع واصلت التراجع، كان هناك شيئاً آخر يحدث.
هل كان بسبب انفجار سريع للأتمتة؟
وأرجعت ورقة بحثية كتبها كل من سريكنت ديفراج وميشيل هايكس في 2015 أكثر من 87 بالمائة من تراجع وظائف قطاع التصنيع من عام 2000 وحتى 2010 إلى زيادة الإنتاجية.
ولكن استنتاج هيكس وديفاراج على الرغم من أنه لايزال متداول على نطاق واسع في الصحافة، إلا أنه موضع شك كبير.
وتقود طريقتهما في البحث إلى استنتاج أنه إذا لم يتم زيادة الإنتاجية على الإطلاق، لكانت فرص العمل في التصنيع قد ارتفعت بقوة في الألفية الجديدة.
ولكن فقدان الوظائف الذي اهتموا بقياسه ليس العدد الفعلي للوظائف التي اختفت، ولكنه يمثل الفجوة بين الواقع والمستقبل الوهمي للعمل الوفير في المصنع والإنتاجية الراكدة.
وبالإضافة إلى كونه تعريف غريب للغاية لفقدان الوظائف فإن الاستنتاج غير منطقي تماماً، حيث أنه إذا لم ترتفع الإنتاجية في العقد الأول من الألفية الثالثة فكان من المرجح أن تخسر المنتجات الأمريكية أمام منافسيها في الخارج أسرع مما حدث.
ولكن ما حدث في الغالب هو أن الإنتاجية زادت بشكل سريع للغاية لأن المصانع الأكثر فعالية فقط هي التي تمكنت من أن تنجو من الهجوم الصيني عبر البضائع الرخيصة.
وحينما يتعلق الأمر بالعدد الفعلي للوظائف الصناعية التي فُقدت لصالح منافس خارجي عبر سلع مستوردة في الألفينات، فإن أكثر التقديرات جدية تضع الحصة عند ما يقارب الثلثين.
وعلى سبيل المثال، فإن ورقة بحثية صدرت في عام 2014 أعدها الاقتصاديون دارون أسيم أوغلو، وديفيد أوتور، وديفيد دورن، وجوردون هانسون قدرت العدد الإجمالي بما يتراوح بين مليوني إلى 2.4 مليون وظيفة أمريكية مفقودة في مجال الصناعة لصالح الصين بين عامي 1999 و 2011، أي حوالي 60 بالمائة من وظائف التصنيع المفقودة بين عام 2000 وبداية الركود الكبير.
ويعتبر ركود أجور العاملين في قطاع التصنيع خلال هذه الفترة دليلاً آخر على أن المنافسة كانت عاملاً مؤثراً أكبر من زيادة الإنتاجية.
وعلى الرغم أن الاقتصاديين لا يعرفون بالضبط عدد الوظائف الصناعية التي فُقدت بسبب المنافسين الصينين في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فمن المحتمل أن تكون كثيرة.
ولحسن الحظ، تراجع ذلك التهديد التنافسي مع زيادة تكاليف الإنتاج في الصين، وفي الوقت نفسه لا تشكل الأتمتة حتى الآن التهديد الذي يؤكده يانغ والأخرون.
وبدلاً من القلق بشأن مشاكل الماضي أو المستقبل غير المعروف، يجب على السياسيين التركيز على تحسين رفاهية العمال في الوقت الحاضر، من خلال تعزيز النقابات وتحسين شبكة الأمان الاجتماعي وتشجيع الصناعة والتكنولوجيا في الولايات المتحدة.