بعد تقرير الوظائف.. هل يشهد الاقتصاد الأمريكي تباطؤاً أم توقفاً؟
تحرير: سالي إسماعيل
مباشر: يفرض تقرير الوظائف الشهري في الولايات المتحدة حاجة ملحة للتساؤل عما إذا كانت الولايات المتحدة تشهد حالة من التباطؤ في أدائها الاقتصادي أم حالة من التوقف المفاجئ؟
وتأتي الإجابة على لسان الكاتبتين "كاتيا ديميتريفا" و"ريدي بيكيرت" خلال تقرير نشرته وكالة "بلومبرج" الأمريكية، وذلك في أعقاب الإفصاح عن تقرير الوظائف الشهري.
التباطؤ أم التوقف المفاجئ؟، هذا هو السؤال الذي يخيّم على الاقتصاد الأمريكي وسط دليل جديد على أن سوق العمل الذي كان قوياً في السابق يفقد قوته.
وزاد عدد الوظائف غير الزراعية بمقدار 136 ألف وظيفة خلال شهر سبتمبر/أيلول، طبقاً لتقرير وزارة العمل الصادر يوم الجمعة، والذي أخفق في الوفاء بمتوسط تقديرات الاقتصاديين.
وأدى ذلك إلى وصول متوسط عدد الوظائف الجديدة هذا العام إلى 161 ألف وظيفة شهرياً مقارنة مع 223 ألف وظيفة خلال عام 2018.
وعلاوة على ذلك، ارتفع متوسط الأجور في الساعة بنحو 2.9 بالمائة في الشهر الماضي مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي، وهي أضعف وتيرة نمو منذ منتصف عام 2018.
ومع ذلك، انخفض معدل البطالة إلى مستوى متدني جديد في نحو نصف قرن يبلغ 3.5 بالمائة، مع بقاء وتيرة التوظيف أعلى مما هو مطلوب لاستيعاب النمو السكاني.
كما أن أجور العاملين في الوظائف الإنتاجية والوظائف غير الإشرافية جاءت بصورة أفضل من الأعداد الإجمالية.
عدد الوظائف المضافة في الاقتصاد الأمريكي منذ 2017 - (المصدر: وكالة بلومبرج)
وبدا أن الأسواق المالية تعاملت مع التقرير كإشارة على أن النمو الاقتصادي سوف يستمر.
وقلل تجار العقود الآجلة للأموال الفيدرالي بشكل طفيف كمية التيسير النقدي التي يتوقعونها من البنك المركزي الأمريكي هذا العام، كما قلصوا بشكل هامشي توقعاتهم لخفض معدل الفائدة للمرة الثالثة على التوالي هذا الشهر.
وصعدت مؤشرات الأسهم الأمريكية بعد إعلان البيانات، على الرغم من تسطيح منحنى عائد سندات الخزانة وبقاء الدولار منخفضاً.
ويقول كبير الاقتصاديين في مجموعة كريدي سويس جروب "جيمس سويني": "الصورة معقدة"، موضحاً أن سوق العمل آخذ في التباطؤ لكن لا يوجد أيّ إشارات على أننا دخلنا فجأة في مرحلة ركود اقتصادي أو شيئاً من هذا القبيل".
ولا تزال الأجور وعمليات التوظيف قوية نسبياً، لكن المخاطر لا تزال تخيّم على أكبر اقتصاد حول العالم بما في ذلك السياسة التجارية للرئيس دونالد ترامب والضعف الاقتصادي في الدول الأخرى، وذلك في الوقت الذي يشهد استمرار تلاشي آثار التخفيضات الضريبية من العام الماضي.
وانتهز ترامب الفرصة للتباهي بمعدل البطالة على تويتر، لكن معدل التوظيف في القطاع الصناعي انخفض للمرة الثانية هذا العام.
ويأتي تقرير الجمعة على رأس أسبوع من البيانات الاقتصادية الأمريكية تسبب في خسائر بالأسهم وأثرت بالسلب على عوائد سندات الخزانة التي تقف عند مستويات متدنية بالفعل، بفعل مزيد من الانكماش في مؤشر النشاط الصناعي مسجلاً أسوأ قراءة في عقد.
ويهدد التباطؤ كذلك احتمالات إعادة انتخاب ترامب في العام المقبل، حيث يقوم الرئيس مراراً بعرض رسالته بناءً على اقتصاد قوي.
وتتناقض البيانات مع تعبيرات رئيس الفيدرالي جيروم باول وزملاؤه في الاجتماعات الأخيرة بأن زيادة الوظائف كانت قوية، وإن كان لا يزال لديهم المساحة للتمسك بهذا التقييم.
وفي وقت متأخر من يوم الخميس الماضي، قال نائب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي "ريتشارد كلاردا" إن الاقتصاد لا يزال قائماً على أساس قوياً كما أن مخاطر الركود الاقتصادي ليست مرتفعة بشكل خاص في ظل السياسة النقدية المناسبة.
ويقول كبير المستشارين الاقتصاديين في مجموعة إليانز العالمية "محمد العريان" في مقابلة مع محطة بلومبرج: "هذا تقرير متوسط ومشوش".
وتابع: "التقرير ليس ضعيفاً بما يكفي للتأكيد على أن الضعف ينتشر من القطاع الصناعي العالمي إلى جميع نواحي الاقتصاد، ولكنه ليس قوياً بما يكفي للإشارة إلى أننا في مأمن".
ويرى الاقتصاديون في وكالة بلومبرج "كارل ريكادونا" و"ييلينا شولياتيفا" و"أندرو هوسبي" أن ظهور تأثير الركود الطفيف في المصانع في أحدث بيانات الوظائف دليلاً على مرونة النمو الاقتصادي في الوقت الحالي.
ويتماشى ذلك تماماً مع تقييم بلومبرج إيكونوميكس بأن النمو الاقتصادي سيتباطأ إلى أقل من 2 بالمائة في النصف الثاني من العام، في حين أن مخاطر الركود الاقتصادي لا تزال منخفضة.
وكانت المراجعات بمثابة نقطة مضيئة في تقرير الوظائف، حيث أضافت 45 ألف وظيفة للشهرين السابقين على الرغم من أن متوسط الثلاثة أشهر لا يزال منخفضاً إلى 157 ألف وظيفة من 171 ألف وظيفة.
وتركزت زيادة الوظائف في قطاعات الرعاية الصحية والخدمات المهنية وخدمات الأعمال التجارية.
وتراجعت العمالة في قطاع التجزئة للشهر الثامن على التوالي، في حين ظل نمو الرواتب في قطاع البناء باهتاً.
وشهد قطاع الصناعة خفض 2000 وظيفة، ليواصل اتجاه ضعف النمو ويحبط إحدى الرسائل الرئيسية لحملة ترامب.
ومن المرجح أن يعكس هبوط الوظائف في قطاع الصناعة التباطؤ في المصانع، والذي ظهر كذلك في بيانات معهد الإمدادات "آي.إس.إم"، ما يشير إلى تباطؤ الإنتاج والطلبيات وسط ضعف الطلب على السلع.
ولم يشهد متوسط الأجور في الساعة تغييراً يذكر مقارنة مع الشهر السابق، ليكون دون التوقعات التي كانت تشير إلى زيادة، بينما تراجعت وتيرة النمو في متوسط الأجور على أساس سنوي إلى 2.9 بالمائة لتكون أقل من كافة تقديرات استطلاع بلومبرج إيكونوميكس.
وزادت أجور العاملين في الوظائف الإنتاجية وغير الإشرافية بنحو 3.5 بالمائة وهو انخفاض طفيف فقط عن أعلى مستوى في عقد والبالغ 3.6 بالمائة.
نمو أجور العاملين الأمريكيين منذ 2014 - (المصدر: مكتب إحصاءات العمل الأمريكي)
وتراجع معدل البطالة المقنعة إلى 6.9 بالمائة وهو أدنى مستوى منذ عام 2000 من 7.2 بالمائة.
ويرى بعض المحللين هذا الهبوط كانعكاس أكثر دقة لسوق العمل، حيث أنه يشمل العمال بدوام جزئي والذين يفضلون وظيفة بدوام كامل وأولئك الذين لا يبحثون بنشاط عن وظيفة.