من: سالي إسماعيل
مباشر: في حين أن الغالبية العظمى من البنوك المركزية حول العالم تتجه إلى خفض معدلات الفائدة وسط محاولات دعم الاقتصاد، إلا أن هناك دول بعينها تسبح ضد التيار لمعالجة أزمات فردية.
وتقوم البنوك المركزية في الاقتصاديات المتقدمة والنامية على حد سواء بخفض معدلات الفائدة؛ نظراً للمخاطر التي تفرضها التوترات التجارية والجيوسياسية على النمو الاقتصادي.
ويسير بنك الاحتياطي الفيدرالي وهو أكبر بنك مركزي حول العالم، في نطاق هذا النهج التشاؤمي بعدما خفض معدل الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في خطوة هي الثانية من نوعها منذ الأزمة المالية العالمية.
ولم يكن المركزي الأمريكي منفرداً في هذا الاتجاه، حيث سبقه المركزي الأوروبي بخفض معدل الفائدة على تسهيلات الودائع بمقدار 10 نقاط أساس كما خفض المركزي التركي الفائدة بنحو 325 نقطة أساس للمرة الثانية ليكون إجمالي الخفض 7.5 بالمائة هذا العام.
وكانت حجة الفيدرالي والمركزي الأوروبي تكمن في تباطؤ النمو الاقتصادي والمخاطر الناجمة عن الوضع التجاري مع المراجعة الهبوطية في توقعات التضخم فيما بررت تركيا قرارها بالإشارات الجيدة التي يرسلها الاقتصاد والتي تنهي الحاجة للفائدة المرتفعة التي أقرتها في العام الماضي.
ويجدر الإشارة إلى أن الفيدرالي قام برفع معدل الفائدة 9 مرات حتى اجتماع ديسمبر/كانون الأول 2018 قبل أن يتحول للنهج الحذر هذا العام وهي الموجة التي اجتاحت العديد من الدول كذلك في 2019.
في حين أن بنك اليابان وبنك إنجلترا والبنك المركزي في سويسرا أبقوا معدلات الفائدة كما هي دون تغيير في آخر اجتماع للسياسة النقدية عُقد في وقت سابق من هذا الشهر.
لكن في الوقت نفسه وفي ظل نفس الظروف الخارجية توجد دول أخرى تتخذ خطوات فعلية في الاتجاه المعاكس في مسعى لكبح جماح النمو المتسارع للاقتصاد مثل النرويج والتشيك.
كما توجد دول أخرى مثل الأرجنتين وزيمبابوي وباكستان تعاني من مشاكل أخرى ذات الصلة بالوضع المالي.
وعند التعمق في حالة النرويج، فنجد أنها نفذت مؤخراً الزيادة الرابعة في معدل الفائدة خلال العام الحالي بنحو 25 نقطة أساس لتصبح الفائدة 1.5 بالمائة، وهو أعلى مستوى في نحو 5 سنوات، وذلك في محاولة لتهدئة الاقتصاد المتسارع.
وتمكنت النرويج من تجنب التدابير السياسية التيسيرية حول العالم نظراً لاستفادتها من زيادة الاستثمارات في صناعة النفط هذا العام الأمر الذي عزز الوضع الاقتصادي بشكل قوي.
لكن مع ذلك ألمح محافظ البنك المركزي أويستاين أولسن إلى أن الزيادة الأخيرة في الفائدة قد تكون نهاية دورة التشديد الحالية، معترفاً بأن المخاطر في الخارج تجعل من الصعب على النرويج أن تستمر في هذا الوضع بمفردها خاصة في ظل انتشار السياسات التيسيرية عالمياً.
وفي غضون ذلك يتمسك أولسن باستراتيجيته التي يطلق عليها "الانحناء أمام الرياح"؛ لمحاربة الاختلالات المالية مع الاستفادة المستمرة من ضعف قيمة الكرونة.
وفي حالة رصد الموقف داخل التشيك، نرى أن البنك المركزي في البلاد يبحث زيادة معدل الفائدة بعد أن نفذ 8 مرات بالرفع في غضون العامين الماضيين.
ويشير رئيس المركزي التشيكي توماش هولوب إلى أن المناقشات داخل البنك ستظل تميل قليلاً إلى الاتجاه الصعودي في الوقت الحالي رغم عدم استبعاده أن يكون الخفض أمر ممكناً عند نقطة ما في المستقبل.
ويعزي البنك المركزي في التشيك نهجه إلى عدم تدهور الاقتصاد العالمي إضافة لبقاء العملة المحلية للبلاد "الكرونة" مستقرة، معتبراً تلك العوامل من بين الشروط الأساسية الداعمة لعدم الاتجاه لخفض الفائدة.
وبالنظر إلى الأرجنتين، فإنها قامت بزيادة معدل الفائدة إلى مستوى 75 بالمائة طوال بقية الشهر الجاري بدلاً من 58 بالمائة في السابق.
أما معدل الفائدة الأساسي والذي يتغير كل يوم مع ربطه بمزاد الديون قصيرة الآجل، فقد وصل إلى 83 بالمائة.
وتأتي تحركات البنك المركزي في الأرجنتين وسط وقوف البلاد على مشارف الإفلاس للمرة التاسعة في تاريخها.
وتعاني الأرجنتين من مشاكل مالية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في نهاية الشهر المقبل، حيث أخفقت الحكومة في الوفاء بالتزامات ديون مستحقة السداد هذا الشهر وطلبت تأجيل موعد السداد.
وفيما يتعلق بالوضع داخل زيمبابوي، فإن بنك الاحتياطي في البلاد قام بزيادة معدل الفائدة لليلة واحدة في وقت سابق من سبتمبر/أيلول الجاري بنحو 20 بالمائة دفعة واحدة لتصبح الفائدة 70 بالمائة وسط محاولات كبح جماح التضخم.
وتعقب هذه الخطوة، قيام المركزي الزيمبابوي برفع معدل الفائدة لمدة ليلة واحدة من 15 بالمائة إلى 50 بالمائة دفعة واحدة في شهر يونيو/حزيران الماضي.
وتعيش زيمبابوي أزمة اقتصادية طاحنة وسط تسارع أرقام التضخم بصورة جامحة لتتخبط الدولة بين إلغاء العملة في عام 2009 قبل أن تعلن عودة العمل مجدداً بالدولار الزيمبابوي في وقت سابق من هذا العام.
ويسعى رئيس زيمبابوي إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية في أسرع وقت ممكن مع حقيقة أن معدل التضخم يتراوح بين 230 لـ570 بالمائة بحسب التقديرات نظراً لغياب الأرقام الرسمية، وفي ظل اتجاه البلاد لتسجيل أول انكماش سنوي منذ عام 2008.
وتشهد بذلك الأرجنتين وزيمبابوي أعلى معدلات فائدة حول العالم والتي تتجاوز 75 بالمائة وهو ما يمثل فارقاً كبيراً للغاية عند المقارنة مع الدول التي تكون تكاليف الاقتراض داخلها بالسالب مثل الدنمارك على سبيل المثال.
ومع تحول الأنظار نحو باكستان، نجد أنها قامت برفع معدل الفائدة 4 مرات هذا العام لتصبح 13.25 بالمائة مع الأخذ في الاعتبار أن البنك المركزي في البلاد أبقى الفائدة عند هذا المستوى في اجتماعه الأخير والذي عُقد في وقت مبكر من هذا الشهر.
وتتزامن تحركات المركزي الباكستاني مع تسارع التضخم أعلى نطاق المستهدف بكثير، كما أن القرار الأخير بالتثبيت يأتي في الوقت الذي تشهد فيه إسلام باد زيارة من قبل صندوق النقد الدولي لمراجعة مدى التقدم الذي تم إحرازه في سياق الإصلاحات المتفق عليها في يوليو/تموز الماضي للحصول على قرض بقيمة 6 مليارات دولار من أجل تجنب الوقوع في أزمة اقتصادية.