تحرير: نهى النحاس
مباشر: بعث البنك المركزي الأوروبي رسالة مفاداها أنه لايزال متلزماً بالدفع بكامل جهده في محاولة تعزيز الاقتصاد في مواجهة مخاطر الركود المرتفعة، بدون مساعدة صناع السياسات الأخرى في منطقة اليورو.
ويقول محمد العريان في مقال نشرته وكالة "بلومبرج أوبنيون" إنه عبر تبني اتجاه غير محدد زمنياً لتدابير السياسة النقدية غير الاعتيادية فإن ماريو دراجي رئيس المركزي الأوروبي حدد بذلك المسار لكريستين لاجارد التي ستخلفه في منصب رئاسة البنك بعد 6 أسابيع.
ولا يوجد شك في مدى قوة تلك التدابير التحفيزية، وليس فقط لأن المركزي الأوروبي خفض معدل الفائدة على الودائع لمزيد من النطاق السالب، أو لأنه تبنى إطار تسعير في محاولة لاحتواء الضرر الذي أصاب النظام المصرفي، واستئناف عملية إعادة شراء السندات بقيمة 20 مليار يورو شهرياً.
ولكن قرارات المركزي الأوروبي جاءت مصحوبة أيضاً ببرنامج تيسير نقدي ذو مدة زمنية مفتوحة وإطار توجيهي أكثر شراسة تجاه معدل الفائدة، على الرغم من المخاوف المتزيدة بشأن العواقب غير المقصودة والأضرار الجانبية.
وذكر البنك عبر بيانه إنه يتوقع استمرار معدلات الفائدة المنخفضة الحالية أو أقل لحين تعافي آفاق التضخم.
وفي خطابه الذي تمت متابعتة بكثر من الاهتمام برر دراجي قرارات البنك المركزي بالإشارة إلى المخاوف ذات الصلة بالاقتصاد الإقليمي الذي يتضمن "نقاط ضعف مطولة"، واستمرار المخاطر المرتفعة وضعف الضغوط التضخمية، ويعزى ذلك جزئياً وفقاً لدراجي إلى التوترات الجيوسياسية والصراع التجاري وعدم اليقين في الأسواق الناشئة.
ولكن هذه السياسة العدوانية لا تخلو من التكاليف والمخاطر، وليس فقط للبنك المركزي الأوروبي، فهناك ثلاث مشكلات ملحوظة بشكل خاص:
أولاً..يحمل البنك المركزي الأوروبي وحده الآن معظم عبء السياسة الاقتصادية داخل منطقة اليورو، وأمال البنك الكبيرة أو في الواقع خلاصه هو أن الإشارات الأكثر إيجابية أو على الأقل الأقل سلبية حول تدابير الإصلاح الهيكلي والمالي ستؤدي إلى حزمة سياسة شاملة وداعمة للنمو
ثانياً.. تعرضت العديد من البنوك المركزية الأخرى للحصار، وأصبحت مجبرة على اتباع البنك المركزي الأوروبي في تيسير السياسة النقدية، كما وتمديد ذلك على نحو متزايد لاحتواء الآثار السلبية على الاقتصاد.
والمشكلة أكثر حدة بالنسبة للاقتصادات الأوروبية الصغيرة المنفتحة، والتي لديها العديد من الراوبط التجارية الإقليمية والسياسات النقدية المستقلة وسياسات سعر صرف مثل الدنمارك وسويسرا، وفي حال فشلهم في تتبع البنك المركزي الأوروبي فإن عملاتهم سترتفع وتضر النشاط الاقتصادي المحلي.
ويشير العريان إلى أنه في حالة أن اتبعت تلك البنوك مسار المركزي الأوروبي - حدث بالفعل حيث خفض المركزي في الدنمارك معدل الفائدة بمقدار 10 نقاط أساس - فإنهم سيواجهون مخاطر اقتصادية أعلى من سوء تخصيص الموارد على مستوى الاقتصاد وزيادة كبيرة في اتجاه المستثمرين للمجازفة المفرطة، فضلاً عن تقلب مالي أكبر على المدى المتوسط ، وعدم اليقين بشأن المنتجات طويلة الأجل مثل التأمين على الحياة وخطط التقاعد.
ثالثاً..ثم يأتي دور بنك الاحتياطي الفيدرالي أكثر البنوك المركزية نفوذاً حول العالم، قرار المركزي الأوروبي سيجعل الفيدرالي أكثر عرضة للضغوط السياسية من البيت الأبيض.
كما أن قرارات المركزي الأوروبي تزيد من خطر الحرب التجارية مع استمرار التوترات التجارية.
وبالفعل فإن الرئيس الأمريكي وصف قرار المركزي الأوروبي بأنه يهدف لإضعاف قيمة اليورو، كما أنه يرى أنه يضر بالصادرات الأمريكية.
ويتقاعد دراجي من منصبه في المركزي الأوروبي ليخالف ورائه إرثاُ يشمل كونه مصرفي نشط، ومسار سياسة واضح لخليفته.
ومع ذلك ، فإن شجاعته وجهوده الجريئة الثابتة، مع الاعتراف أنها كانت بارزة، لم يقابلها عمل في العواصم الوطنية لتصعيد الإصلاحات الهيكلية الداعمة للنمو، وتيسير السياسة المالية عند الإمكان، وتعزيز الهيكل الاقتصادي والمالي الإقليمي.
وفي حال غياب التغيير فإن نهج البنك المركزي الأوروبي لا يهدد فقط بإثبات عدم كفايته للوفاء بما يحتاج إليه الاقتصاد الأوروبي ، بل قد يؤدي أيضًا عن غير قصد إلى جعل الأسس الاقتصادية والمالية المتوسطة الأجل أكثر عرضة للصدمات الاقتصادية الداخلية والخارجية ، فضلاً عن عدم اليقين السياسي.