تحرير: سالي إسماعيل
مباشر: هناك العديد من الجهود المبذولة في محاولة لوضع تحليل نفسياً لترشيح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لـ"جودي شيلتون" كي تشغل منصباً في عضوية مجلس الاحتياطي الفيدرالي.
ويوجد حتى الآن مقعدين شاغرين في مجلس مديرين الاحتياطي الفيدرالي المكون من 7 أعضاء.
البعض يؤكد على ولاء شيلتون كمستشارة لحملة ترامب في وقت مبكر، وفقاً لرؤية تحليلية نشرها موقع "بروجيكت سينديكيت" لأستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا "باري إيتشنغرين".
في حين يشير آخرون إلى تحولها لشخص يفضل معدلات الفائدة المنخفضة، بينما لا يزال فريقاً ثالثاً يسلط الضوء على دفاعها عن معيار الذهب كوسيلة لعزل السياسة النقدية الأمريكية عن بنك الاحتياطي الفيدرالي غير الجدير بالثقة.
لكن كل ما سبق من تفسيرات لم يهتم بالأمر الأكثر أهمية وهو أن "شيلتون" شخصية تؤيد أسعار الصرف الثابتة.
ويُعد اعتقاد "شيلتون" بشأن أسعار الصرف الثابتة بمثابة مسألة جذابة بالنسبة إلى إدارة ترى التلاعب في العملة بمثابة تهديد لتحقيق الفوز في حربها التجارية.
ويرغب فريق ترامب في تقليص العجز التجاري للولايات المتحدة وتعزيز القدرة التنافسية للصناعات المحلية عبر استخدام التعريفات لزيادة سعر السلع المستوردة.
لكن التعريفات البالغة 10 بالمائة والتي يتم تعويض أثرها بانخفاض قيمة العملات الأجنبية أمام الدولار بنحو 10 بالمائة، تترك الأسعار النسبية للواردات الأمريكية دون تغيير.
ولدى الدول التي تسعى للحفاظ على القدرة التنافسية لصادراتها، مصلحة واضحة في تشجيع تعديلات كهذه بالعملة أو على الأقل في عدم مقاومة مثل هذه التعديلات.
وفي حقيقة الأمر، فإن تلك الدول ليست مضطرة عملياً للقيام بأيّ شيء من أجل خفض قيمة عملاتها عندما تقوم الولايات المتحدة بتطبيق التعريفات.
ويمثل عجز الحساب الجاري للولايات المتحدة الفارق فقط بين الاستثمارات الأمريكية والمدخرات الأمريكية، ما يعني أن التعريفات لا تقوم بشيء لإحداث أيّ تغيير.
وما لم يتغير الحساب الجاري، فلن تتغير الأسعار النسبية للسلع المحلية والأجنبية كذلك، وبالتالي فمن الضروري أن تتحرك أسعار الصرف من تلقاء نفسها، كي تعوض أثر التعريفات.
ويكمن التحدي أمام فريق ترامب في حمل الدول الأخرى على تغيير سياستها لمنع عملاتها من التحرك، وهذا هو سبب كل ما يدور حول طلب استقرار أسعار الصرف المستقرة ونهاية التلاعب في العملة.
وبالنظر إلى دعوة "شيلتون" في العام الماضي لتدشين نظام جديد لاتفاقية "بريتون وودز"، فإن الهدف كما وصفته يتمثل في إنشاء آلية متماسكة للحفاظ على استقرار سعر الصرف بين العملات الوطنية، وهو نفس الهدف الذي كان محدداً في الاتفاقية الأصلية عام 1944.
لكن في ظل غياب مؤتمراً عالمياً - وهو الشيء الذي يبغضه ترامب - فإن الوسيلة لتحقيق تلك الهدف هي ذاتها التي كانت في سياق معيار الذهب خلال القرن التاسع عشر.
وفي ذلك الوقت، كانت بريطانيا العظمى تربط منفردة سعر العملة المحلية بالذهب، وسار على نهجها دولاً أخرى بعد مشاهدة المزايا التي تعود على بريطانيا.
وبمجرد قيام العديد من الدول بربط السعر المحلي بالذهب، أصبحت أسعار الصرف بين عملاتها ثابتة على نحو فعال.
ومن الواضح أن الفكرة اليوم تتمثل في أنه إذا تحركت الولايات المتحدة أولاً، "بشكل استباقي" على حد قول "شيلتون،" فإن هناك دول أخرى سوف تحذو حذوها.
ويوجد وراء هذا الافتراض عددا من الاستنتاجات المنطقية التي لا تتوافق مع المقدمات السابقة، أولها، أن الدول الأخرى لا تظهر رغبة لتحقيق الاستقرار في أسعار الصرف سواء تم استعادة معيار الذهب من عدمه.
وتعلم تلك الدول أن الظروف الاقتصادية المختلفة تبرر تبني سياسات نقدية مختلفة، وهو ما يتطلب بدوره أن تتحرك أسعار الصرف.
ثانياً، لم يعد الذهب أرضية مستقرة، حيث تضخمت أسعار الذهب المقومة بالدولار من 900 دولار للأوقية في عام 2009 لتصل إلى 1900 في عام 2011 قبل أن تعود لمستويات 1500 دولار اليوم.
ومن شأن إجبار الفيدرالي على ربط أسعار الذهب بالدولار ألا يؤدي إلى نتيجة غير ربط سعره النسبي، أيّ سعر الذهب نسبة إلى أسعار السلع والخدمات الأخرى.
ومن أجل مضاعفة السعر النسبي للذهب، كما حدث في الفترة بين عام 2009 وحتى عام 2011، قد يتطلب هبوط أسعار المستهلكين بمقدار النصف، وهو ما يعني انكماشاً كارثياً للأسعار.
ولقد كان سعر الذهب نسبة إلى تضخم مؤشر أسعار المستهلكين أقل تقلباً في القرن التاسع عشر، لكن هذا الأمر يعكس أهمية تعدين الذهب.
وعندما كان يرتفع سعر الذهب نسبة إلى أسعار السلع الأخرى، فإن كان يتم تخصيص مزيداً من الموارد للتعدين، وهو ما أدى إلى استخراج كميات أكبر من المعدن الأصفر، وبالتالي تسبب في تراجع سعره النسبي.
ولمزيد من الدقة، فإن أسعار سلع أخرى ارتفعت، حيث تسبب استخراج الذهب الإضافي في دعم زيادة تضخمية في المعروض النقدي.
واليوم، بعد زيادة دامت لنحو قرن من الزمن في إنتاج السلع والخدمات الأخرى، فإن تعدين الذهب يمثل حصة أقل كثيراً نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
ومن هنا فإن قدرة صناعة التعدين على تحقيق الاستقرار باتت أضعف، الأمر الذي جعل سعر الذهب أكثر تقلباً.
وربما يجادل البعض بأن تقلب سعر الذهب يعكس عدم الاستقرار المالي، الأمر الذي يحث المستثمرين على الاندفاع إلى الذهب كملاذ آمن، وأن معيار الذهب سوف ينتج بيئة مالية أكثر استقراراً.
لكن هذا الفكرة لا تقوم على أساس تاريخي، حيث أن الأزمات المالية كانت ظاهرة متكررة الحدوث في كنف استخدام معيار الذهب.
والأمر لم يكن بمثابة لغز: الاضطرار إلى تحقيق استقرار سعر الذهب كان يحد بشدة من قدرة البنوك المركزية على التصرف كملاذ أخير لإقراض الأنظمة المالية المتعثرة، وكان عدم الاستقرار يتبع ذلك بصورة منتظمة.
وباختصار، فإن الحجج المتعلقة بمعيار الذهب وربط أسعار الصرف معيبة بشكل كبير لكن الأمر لا يخلو من الجانب المضيء: لن يحدث أي شيء على هذا المنوال، سواء كانت "شيلتون" أحد أعضاء مجلس الفيدرالي أم لا.