تحرير: نهى النحاس
مباشر: على مدار ما يزيد عن عامين ونصف توفر لدى المملكة المتحدة رفاهية التفاوض على شروط الخروج من الاتحاد الأوروبي تحت ضغط محدود من جانب الأسواق المالية.
ولكن يشير مقال نشرته وكالة "بلومبرج أوبنيون" إلى أن رئيس الوزراء الجديد بوريس جونسون يبدو وأنه سوف يشعر بالاشتياق قريباً إلى تلك الأيام الهادئة.
وهبط الجنيه الإسترليني يوم الإثنين إلى أدنى مستوى منذ مارس/آذار 2017 متراجعاً عند مستوى 1.22 دولار، وواصل ذلك الهبوط يوم الثلاثاء ليتجه إلى أسوأ أداء شهري منذ 3 سنوات تقريباً.
وهبط الإسترليني اليوم دون مستوى 1.21 دولار لأول مرة في 30 شهرا.
وقالها جونسون صراحة أن بلاده ستغادر الاتحاد الأوروبي في نهاية أكتوبر/تشرين الأول حتى لو أن ذلك يعني إتمام البريكست دون اتفاق.
كما أنه كثف استعداداته لإتمام البريكست دون اتفاق، حتى يقنع بروكسل بأن بريطانيا لا تدعي كذباً استعدادها لقبول مثل هذا المصير.
وأظهر المستثمرون في الأيام الماضية رأيهم في خطة بوريس جونسون للبريكست بدون اتفاق.
وليست تلك هي المرة الأولى التي تتعرض فيها الأسواق لتقلبات بسبب البريكست، وفي أعقاب الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي مباشرة فقدت العملة البريطانية ما يزيد عن 10 بالمائة من قيمتها أمام الدولار الأمريكي.
وفي خريف العام ذاته تراجعت العملة البريطانية حينما أعلنت رئيسة الوزراء السابقة تريزا ماي أنها لن تنتظر كثيراً قبل البدء في عملية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
ولكن الجنيه الإسترليني استقر فيما بعد حينما اطمأنت الأسواق إلى أن الحكومة والبرلمان يتطلعان لخروج منظم من الاتحاد الأوروبي.
وفي أبريل/نيسان 2018 حقق الإسترليني ارتفاعات مذهلة عند 1.434 دولار، وهو ما يقل بنحو 3.6 بالمائة فقط عن مستوياته قبل الاستفتاء.
والمستثمرون على حق في مخاوفهم، حيث أن البريكست دون اتفاق سيكون كارثة تامة بالنسبة للمملكة المتحدة، لأنه سيجعل الأمر صعب على نحو مفاجئ لتداول السلع والخدمات مع الاتحاد الأوروبي الذي يعد الشريك التجاري الأول لبريطانيا.
كما أنه من شأن البريكست الصعب أن يؤدي لهبوط سوق العقارات شأنه شأن أسعار الأصول الأخرى.
وسيسعى بنك إنجلترا للتقليل من حدة الصدمة عبر ضخ المال في الاقتصاد، ولكنه سيحتاج إلى أن يدرك تأثير الانخفاض الحاد في قيمة العملة على التضخم.
وعلى أي حال فإن ذلك لن يفعل الكثير لمعالجة الأضرار التي ستلحق بسلاسل التوريد وثقة الشركات.
والسؤال الأبرز هو كيف سينعكس ذلك على المفاوضات بين الفريق الجديد لبوريس جونسون وبروكسل؟
ويأمل رئيس الوزراء في أن يدفع موقفه الأكثر تشددًا الاتحاد الأوروبي إلى تخفيف شروط اتفاقية الانسحاب التي تم التفاوض عليها مع ماي، وخاصة الدعم الإيرلندي (ضمان عدم وجود حدود صلبة بين جمهورية أيرلندا وأيرلندا الشمالية).
وشجع التباطؤ الاقتصادي في باقي أنحاء الاتحاد الأوروبي جونسون على انتهاج سياسة "حافة الهاوية".
ويعتقد الداعمون للبريكست أن مخاوف حدوث صدمة جديدة من تنفيذ البريكست دون اتفاق ستثبت في النهاية صعوبتها بالشكل الكافي لإجبار بروكسل على تخفيف الشروط على بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي.
ومع الاعتراف بحقيقة أن الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق سوف يضر باقي دول الاتحاد الأوروبي، فإن الأمر سيكون مقامرة يائسة جداً من جانب جونسون.
وفي حالة استمرار تراجع الجنيه الإسترليني العاصف في الأسبوع الجاري فإن ذلك سيضع الفريق البريطاني المفاوض تحت ضغط رهيب.
وتخاطر لندن بمواجهة المفاوضين الأوروبين في ضروف لا تختلف تمامًا عن حالة الحكومة اليونانية في سعيها لإعادة فتح شروط خطة الإنقاذ في عام 2015، أو الحكومة الإيطالية حينما حاولت الدفع بمستهدف أعلى لعجز الموازنة في خريف العام الماضي.
وبالطبع بريطانيا توجد في موقف اقتصادي أقوى من اليونان وإيطاليا، ولكن مثل أثينا وروما هي أكثر تعرضاً لثورات المستثمرين بشكل أكبر من باقي دول الاتحاد الأوروبي، وإن كان في هذه الحالة قد يحدث ذلك عن طريق عملتها بدلاً من السندات كما حدث للدولتين.
والإسترليني الهابط هو تذكير دائم بما قد تخسره المملكة المتحدة من الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، وثم فإنه من الصعب رؤية كيف يمكن أن يسود موقف جونسون التفاوضي الحاد.
ونظراً لأنه من غير المرجح الحصول على تنازلات ذات مغزى، فإنه يجب أن يسأل رئيس الوزراء البريطاني الجديد هل الخروج الكارثي من الاتحاد الأوروبي هو حقاً ما يريد تحقيقه؟.