صندوق النقد يحذر: الاقتصاد العالمي بحاجة لحلول سريعة
تحرير: أحمد شوقي
مباشر: مع استمرار المخاطر السلبية في الأسواق الناشئة والاقتصاديات النامية، خفض صندوق النقد الدولي تقديرات النمو الاقتصادي العالمي للمرة الرابعة في 9 أشهر خلال تحديث لنظرته المستقبلية للاقتصاد العالمي نصف السنوية.
وتوقع صندوق النقد نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 3.2 بالمائة و 3.5 بالمائة في العامين الجاري والمقبل.
وترى "جيتا جوبيناث" رئيسة وحدة الأبحاث في صندوق النقد في تحليل نشرته مدونة الصندوق أنه رغم أن هذا التعديل في توقعات النمو العالمي يمثل تخفيضاً متواضعاً نسبته 0.1 بالمائة للعامين الجاري والحالي مقارنة بالتقديرات الصادرة في أبريل/نيسان الماضي، فإنه يأتي بعد تخفيضات كبيرة سابقة.
ويرجع تحديث التوقعات الاقتصاد العالمي المتعلق بعام 2019 إلى التطورات السلبية المفاجئة في نمو الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية والتي أفسدت أثر تطورات إيجابية مفاجئة أيضاً في بعض الاقتصادات المتقدمة.
ومن المتوقع أن يشهد النمو العالمي تحسناً بين عامي 2019 و2020، إلا أن نحو 70 بالمائة من هذا التحسن يعتمد على تحسن أداء النمو في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية الخاضعة لضغوط، ومن ثم فهو يعاني من درجة كبيرة من عدم اليقين.
ويتسم النمو العالمي بالبطء والمخاطر المحيطة، لكنه لا يجب أن يكون كذلك بالضرورة، لأن بعضاً من هذه السمات يرجع لأسباب ذاتية.
كما أن ديناميكية الاقتصاد العالمي تتأثر بامتداد فترة عدم اليقين من اتجاه السياسات مع التوترات التجارية التي لا تزال مشتدة رغم الهدنة التجارية بين الولايات المتحدة والصين مؤخراً، وتوترات التكنولوجيا التي اندلعت في الفترة الأخيرة أيضاً لتشكل خطراً على سلاسل توريد التكنولوجيا العالمية، إلى جانب زيادة احتمالات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق.
وتتجلى العواقب جراء عدم اليقين بشأن السياسات في التباعد بين قطاعي التصنيع والخدمات، والضعف الكبير في التجارة العالمية.
وتزال مؤشرات مديري المشتريات في القطاع الصناعي تواصل الانخفاض بالتوازي مع تراجع ثقة الأعمال، حيث تمتنع الشركات عن الاستثمار بسبب تزايد عدم اليقين
ونمو التجارة العالمية - والتي تتحرك بشكل متوافق مع الاستثمار - تباطأ عند 0.5 بالمائة (على أساس سنوي) في الربع الأول من عام 2019، وهو أبطأ معدل لنمو التجارة منذ عام 2012.
وعلى الجانب الآخر، لا يزال قطاع الخدمات متماسكاً وثقة المستهلكين مرتفعة، مع انخفاض معدلات البطالة إلى مستويات قياسية وارتفاع الدخول من الأجور في عدة دول.
وفي الاقتصادات المتقدمة –الولايات المتحدة واليابان والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو– نما الاقتصاد بأكثر من المتوقع في الربع الأول من 2019 .
ولكن بعض أسباب هذا النمو –مثل زيادة المخزون– هي عوامل مؤقتة، ومن المتوقع أن يضعف زخم النمو في الفترة المقبلة، وخاصة في الدول التي تعتمد على الطلب الخارجي.
ونظراً لتسارع النمو الاقتصادي للربع الأول من العام الجاري ولا سيما للولايات المتحدة، رفع صندوق النقد توقعاته للاقتصادات المتقدمة بشكل طفيف بلغ 0.1% لتصبح 1.9 بالمائة لعام 2019.
ولكن من المتوقع أن يتباطأ النمو في العام المقبل إلى 1.7 بالمائة مع تلاشي أثر التحفيز المالي في الولايات المتحدة وتراجع احتمالات النمو طويلة الأجل في الاقتصادات المتقدمة تأثراً بضعف نمو الإنتاجية وشيخوخة السكان.
أما في اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، خفض صندوق النقد توقعات النمو بنسبة 0.3 بالمائة لعام 2019 ليصل إلى 4.1 بالمائة، وبنسبة 0.1 بالمائة لعام 2020 ليصل إلى 4.7 بالمائة.
وتسري هذه التخفيضات لعام 2019 على كل الاقتصادات الرئيسية تقريباً، وإن اختلفت أسبابها، ففي الصين يرجع جانب من التخفيض الطفيف إلى رفع الولايات المتحدة تعريفاتها الجمركية في مايو/آيار الماضي، بينما يرجع التخفيض الأكبر في الهند والبرازيل إلى الطلب المحلي الذي تراجع إلى مستوى أقل من التوقعات.
وبالنسبة للدول المصدرة للسلع، كان تعطُّل الإمدادات، مثلما حدث في روسيا وشيلي، والعقوبات المفروضة على إيران، هما السبب وراء خفض توقعات النمو رغم ارتفاع أسعار النفط على المدى القريب.
ويعتمد التعافي المتوقع للنمو في اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية بين عامي 2019 و2020 على تحسن النمو في الاقتصادات الخاضعة لضغوط، مثل الأرجنتين وتركيا وإيران وفنزويلا، ومن ثم فهو محاط بدرجة كبيرة من عدم اليقين.
وفي الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، أصبحت الأوضاع المالية أكثر دعماً (تكلفة منخفضة للتمويل) بعد اتجاه الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي إلى اتخاذ سياسة نقدية أكثر تيسيراً.
واستفادت اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية من التيسير النقدي في الاقتصادات المتقدمة لكنها واجهت أيضاً تقلباً في تحسن شهية المخاطرة في ظل التوترات التجارية، على الرغم من أن الأوضاع المالية في هذه الدول دون تغيير يُذْكَر عما كانت عليه في أبريل/نيسان الماضي.
أما الدول النامية منخفضة الدخل التي كانت تتلقى تدفقات استثمار أجنبي مباشر مستقرة في الغالب، فقد أصبحت تستقبل تدفقات متقلبة إلى حد كبير بعد أن باتت الأسواق الواعدة مقصداً لمساعي البحث عن عائد أكبر في بيئة من معدلات الفائدة المنخفضة.
زيادة المخاطر الهبوطية
لا يزال تصاعد التوترات بشأن التجارة والتكنولوجيا والتي يمكن أن تُحدِث اضطراباً كبيراً في سلاسل التوريد العالمية من أكبر المخاطر الهبوطية التي تتعرض لها آفاق الاقتصاد العالمي.
والأثر المجمع للتعريفات الجمركية المفروضة في العام الماضي والتعريفات المحتملة المعلنة في مايو/آيار الماضي بين الولايات المتحدة والصين يمكن أن يخفض مستوى إجمالي الناتج المحلي العالمي في عام 2020 بنسبة 0.5 بالمائة.
وعلاوة على ذلك، فإن تفاقم تراجع الثقة في الأوضاع المالية بشكل غير متوقع ومستمر يمكن أن يكشف عن مواطن ضعف مالية تراكمت عبر سنوات من معدلات الفائدة المنخفضة، بينما يمكن أن يؤدي ظهور ضغوط انكماشية للأسعار إلى صعوبة خدمة الدين بالنسبة للمقترضين.
ومن المخاطر الكبيرة الأخرى احتمال حدوث تباطؤ اقتصادي غير متوقع في الصين، وعدم تعافي في اقتصاد منطقة اليورو، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، بالإضافة إلى تصاعد التوترات الجيوسياسية.
ومع ضعف النمو العالمي وهيمنة المخاطر السلبية على التوقعات المستقبلية، يظل الاقتصاد العالمي في مرحلة حرجة، ولذلك فمن الضروري عدم استخدام التعريفات الجمركية لاستهداف الموازين التجارية الثنائية أو كأداة لأغراض عامة يتم استخدامها لمعالجة خلافات دولية.
ومن أجل المساعدة على تسوية الخلافات، ينبغي تقوية وتحديث النظام التجاري متعدد الأطراف القائم على القواعد حتى يغطي مجالات مثل الخدمات الرقمية، والدعم، ونقل التكنولوجيا.
سياسات دعم النمو
ينبغي أن تظل السياسة النقدية تيسيرية، وخاصة حيثما كان التضخم يتجه إلى الانخفاض عن المستوى المستهدف، لكن هذا يجب أن يقترن بسياسات تجارية سليمة من شأنها تحسين التوقعات الاقتصادية وتخفيض المخاطر الهبوطية.
ومع استمرار معدلات الفائدة المنخفضة، ينبغي نشر الأدوات الاحترازية الكلية لضمان عدم تراكم المخاطر المالية.
وينبغي أن توازن السياسة المالية بين قضايا النمو والمساواة في توزيع الدخل والاستدامة، بما في ذلك حماية المجتمعات الأكثر تعرضاً للخطر.
كما يجب على الدول التي لديها مساحة مالية أن تستثمر في البنية التحتية المادية والاجتماعية لزيادة النمو المحتمل، وفي حال حدوث هبوط اقتصادي حاد، ينبغي استمرار التيسير النقدي بتحرك متزامن نحو مزيد من التيسير لسياسات المالية العامة، وذلك حسب ظروف كل دولة على حدة.
وأخيراً، فإن الحاجة إلى تعزيز التعاون العالمي تزداد إلحاحاً كل يوم، فإلى جانب تسوية التوترات في مجالي التجارة والتكنولوجيا، ينبغي أن تعمل الدول معاً لمعالجة قضايا أساسية مثل تغير المناخ، والضرائب الدولية، والفساد، والأمن الإلكتروني، والفرص والتحديات المصاحبة للتكنولوجيات الحديثة في مجال المدفوعات الرقمية.