تحليل: نهى النحاس
مباشر: كانت كريستين لاجارد عضواً رئيسياً في مجموعة "الترويكا" للدائنين الرسميين لليونان، كما أن ماريو دراجي رئيس المركزي الأوروبي كان أحد الأعضاء الرئيسين في تلك المجموعة.
وفي مقال لصحيفة "ذا جارديان" يقول يانيس فاروفاكيس وزير المالية اليوناني السابق إن لاجارد حطمت مقاومة الشعب اليوناني لعبودية الديون الدائمة، فيما لعب دراجي دوراً محورياً في تلك الدراما عبر عملية إغلاق البنوك اليونانية.
والآن وبعد 4 سنوات على تلك الأحداث فإن كريستين لاجارد تستعد لأن لتخلف دراجي في رئاسة المركزي الأوروبي.
ويؤكد الاقتصادي اليوناني على أنه بالرغم من دور لاجارد في تلك الفترة والصفقات التي عقدتها بلاده معها حينما كان وزير المالية فإنه لم يشعر بالعداء تجاها، حيث وجدها شخصية ذكية وودودة وتتمتع بالاحترام.
كما أنها اعترفت - سراً على الأقل - بأن اليونان تعرضت لصفقة قاسية، وأن حملة خفض الديون العامة كانت صحيحة ومناسبةـ ولكن أولوية لاجارد آنذاك كانت الحفاظ على وحدة الترويكا والحد من أي تحديات تواجه السلطة الجماعية.
والسؤال الآن هو ما إذا كانت مهارات لاجارد تتماشي مع مهام رئاسة البنك المركزي الأوروبي في أعقاب عصر دراجي.
والكثير تم الحديث عنه سواء من المنتقدين أو الداعمين بشأن موهبتها التي لا شك فيها في إدارة الأزمات المؤسسية المعقدة، أو عدم تمتعها بخلفية عن السياسة النقدية.
ومن المحتمل ألا يكون من قبيل المصادفة أن يكون رئيس البنوك الأكثر نفوذاً وهم المركزي الأوروبي وبنك الاحتياطي الفيدرالي تحت إدارة محامين بدون خلفية أكاديمية مالية.
ويعكس الإجماع المتغير حول من هو في وضع أفضل للإشراف على السياسة النقدية أزمة الرأسمالية المالية التي لم يعد بإمكان البنوك المركزية التقليدية معالجتها.
والتحدي الأكبر أمام لاجارد هو أنها ستأتي بدلاً من رجل يرجع الفضل له في حماية منطقة اليورو من خلال سياسات لم تعد تفي بالغرض الآن، وبالتالي ففي حالة خروجها عن خط دراجي فإنها ستواجه نقداً لاذعاً، وما إذا لم تخرج فإن أزمة منطقة اليورو التي لا تنتهي أبدًا سوف تخرج عن نطاق سيطرة البنك المركزي الأوروبي.
وأنقد دراجي منطقة اليورو بطباعة تريليونات الدولارات من أجل تمويل البنوك التي تعاني من الإفلاس ومساعدة إيطاليا وإسبانيا والدول المتعثرة الأخرى (ولكن ليس اليونان) لإعادة تمويل ديونها.
ولتنفيذ ذلك فإن دراجي احتاج إلى القيام بتغيير كبير في القواعد والذي في المقابل تطلب عمل مضني للحصول على تعاون المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل معه في خلافه الكبير مع المركزي الألماني وفولفغانغ شويبله وزير المالية الألماني.
وفي الوقت الذي ساعد فيه الجدار المالي لدراجي في إنعاش اقتصاد منطقة اليورو، فإنه لم ينجح في علاج المرض الأساسي كما كان له بعض الأثار الجانبية السيئة.
وواصلت معدلات الفائدة السالبة في تقويض شركات التأمين والتقاعد في ألمانيا وخارجها، كما استمرا الفائدة دون "الصفر" لأن الاستثمار منخفض للغاية بسبب تشاؤم المستثمرون نظرًا لاحتمالات حدوث مزيد من تدابير التقشف.
وتسبب ذلك في ضغوط انكماشية عملت على تآكل مدخرات الطبقة الوسطى، واستبدال الوظائف الجيدة بأخرى غير مستقرة وأنجب ذلك وحوش من التيارات السياسية في أنحاء أوروبا.
وتساءل معظم المعلقون ما إذا لاجارد ستكون شجاعة بما يكفي للاستمرار في تنفيذ سياسات دراجي غير التقليدية، ولكن هذا سؤال خاطئ مع حقيقة أن كل حيل الرجل للحفاظ على الدول الرئيسية مثل إيطاليا في منطقة اليورو وصلت إلى نهاية الطريق على المستوى التقني والسياسي.
وتقنياً، لأن نجاح دراجي في إقناع برلين بالسماح له بشراء الدين العام الإيطالي، وبالتالي إبقاء إيطاليا في منطقة اليورو، يتوقف على الوعد بشراء الديون من كل دولة عضو بما يتناسب مع حجم اقتصادها - أي شراء حوالي 2 يورو من الديون الألمانية مقابل كل يورو واحد من الديون الإيطالية.
ولكن مع عدم وجود دين عام جديد في ألمانيا بفضل تسجيل فائضاً في الموازنة فإن استراتيجية دراجي لشراء الديون الإيطالية قد تلاشت.
وعلى الصعيد السياسي، انتهت حيلة دراجي أيضًا لأن الديناميكية الانكماشية في العقد الماضي قد ولدت حكومة إيطالية يمينية متشككة في أوروبا لم تتأثر باحتمال خروج إيطاليا من منطقة اليورو.
والسؤال المناسب الذي يجب توجيهه بشأن فترة ولاية لجارد هو هل يمكنها دفع برلين للتخلص من القواعد المالية الانتحارية لمنطقة اليورو-التي تعزز الآلية الانكماشية الأوروبية - وقبول فكرة الدين المشترك الآمن؟.
وإذا لم تفعل ذلك فإنه بغض النظر عن مدى استمرارها في فرض سياسات دراجي فسوف تفشل في اختبار التاريخ والذي يحتاج النجاح فيه أن تكون خلاقة وإبداعية ومواجهة.
وروح الإبداع لدى لاجارد ستساعدها في تسويق عملية التخلي عن القواعد المالية مع تعزيز لها عبر آلية معدل الفائدة.
وعلى سبيل المثال يمكن للاجارد أن تقترح مساعدة البنك المركزي الدول الأعضاء في إعادة تمويل ديونهم ولكن فقط الجزء المسموح لها بوجوده وفقًا لقواعد منطقة اليورو الخاصة، وبالتالي إعطاء روما دافعاً قائمًا على السوق لخفض الاقتراض المفرط.
وبطريقة مشابهة فإن هناك طرق مبتكرة للوصول إلى الدين المشترك والذي تكرهه برلين ولكنه ضروري للتشغيل السلس لأي اتحاد نقدي، على سبيل المثال عبر الإصرار على أن البنك المركزي الأوروبي يقترض عبر حسابه الخاص لإعادة تمويل الديون الإيطالية والإسبانية والألمانية وغيرها التي تم شراؤها بالفعل في عهد دراجي.
ولاجارد ذكية بما يكفي لاستيعاب ضرورة هذه الأمور ولكن السؤال الحقيقي هو ما إذا كان لديها الرغبة في مواجهة برلين وجهاً لوجه وصولاً إلى نقطة إخبار الحكومة الألمانية أنه إما العمل وفقاً لطريقتها أو نهاية اليورو والعودة للمارك الألماني.
وخلال فترة رئاسة لاجارد لصندوق النقد الدولي اعتادت في الغالب إلى الاختيار بين السياسات التي ترضي برلين أو تلك التي في صالح الصندوق.
وأوضح مثال هو تمديد الإعسار المالي في اليونان من خلال مزيج فتاك من المزيد من القروض والالتزام بالتقشف.
وبينما كان موظفو صندوق النقد الدولي يصرون على أن اليونان تحتاج إلى تخفيض مباشر للديون، إلا أن لاجارد وقفت إلى جانب برلين بشكل متكرر، وأٌجبرت على الاختيار بين تفضيل برلين أو مصالح المؤسسة التي تقودها واختارت مراراً الخيار الأول.
إذا واصلت هذا السلوك بعد انتقالها إلى فرانكفورت، فإن مسيرتها في البنك المركزي الأوروبي ستثبت أنها مشؤومة.