تحرير: أحمد شوقي
مباشر: احتلت شركة "فيسبوك" عناوين الأخبار مؤخرًا مع خططها لإنشاء عملة مشفرة تسمى "ليبرا" وسط تحذيرات من مخاطر جسمية بشأنها.
وأُجبرت شركة التواصل الاجتماعي على الدفاع عن المشروع الجديد في الكونجرس الأمريكي، وسط مخاوف تنظيمية حول خصوصية البيانات والاستخدام غير القانوني المحتمل.
ويشير تقرير نشرته شبكة "سي.إن.بي.سي" الأمريكية أنه مع مقارنة "ليبرا" حتماً بالعملات الإلكترونية الشائعة مثل البيتكوين، فإن العديد من الخبراء يتساءلون عما إذا كانت عملة فيسبوك يمكن أن تسمى العملة المشفرة.
وبخلاف حقيقة أن كلاهما يأتي مع وثيقة بيضاء (توجيهات محددة) ويشار إليهما باسم العملات المشفرة، فإن الليبرا والبيتكوين مختلفان بالفعل، ويرصد التقرير مجموعة من الاختلافات الرئيسية بين الاثنين.
تكنولوجيا مختلفة
واحدة من أكبر الاختلافات تكمن في التكنولوجيا الأساسية وراء كلا العملتين.
وبالنسبة للبيتكوين يتم تسجيل المعاملات بشكل مجهول على دفتر الأستاذ العام المعروف باسم "البلوكتشين"، والتي في الأساس قاعدة بيانات تحتفظ بها شبكة من أجهزة الكمبيوتر، حيث يتم تأمين المعاملات بطريقة تجعل من المستحيل فعليًا العبث بها.
أما بالنسبة لـ"ليبرا" فهي أيضًا شكل من أشكال "البلوكتشين" أو تقنية دفتر الأستاذ الموزع، ولكن على عكس البيتكوين فإن لـ"بلوكتشين" عملة فيسبوك ترخيص - على الأقل في الوقت الحالي -، بمعنى أنه لا يمكن إضافة المعاملات إلا من قبل مجموعة من الأطراف الموثوق بها.
وهنا يأتي دور "جمعية ليبرا"، وهي مجموعة شركات مقرها سويسرا، بما في ذلك فيزا وأوبر حيث استثمر كل من أعضاء المنظمة غير الربحية ما لا يقل عن 10 ملايين دولار في هذا المشروع.
ومن جانبه، قال "إيدو ساديه مان"، مؤسس ورئيس مؤسسة "ساجا" للعملات المشفرة أن "الليبرا" ستخلق بنية مركزية تحكمها جمعية غير منتخبة تتألف من المؤسسات الكبيرة التي اشترت حقوق التصويت الخاصة بها.
وأضاف أنها مختلفة عن "البيتكوين" والتي يمكن الوصول إليها والاحتفاظ بها من قبل أي شخص لديه ما يكفي من الأجهزة اللائقة وإمكانية الوصول إلى الإنترنت.
كما أشار "بيتر فان فالكنبرج" مدير الأبحاث في "كوين سنتر" لسياسة العملة المشفرة أن العملات المشفرة معروفة بعدم اعتمادها على الوسطاء الموثوق بهم.
وتابع: "نعتقد أن الليبرا ليست عملة مشفرة بسبب استخدامها لدفتر الأستاذ المصرح به، واعتمادها على جهة إصدار موثوق بها للاحتفاظ وإدارة صندوق من الأصول الذي تدعم العملة".
حالات الاستخدام مختلفة
تصف الوثيقة البيضاء الخاصة بـ"البيتكوين" العملة الافتراضية بأنها "نظام دفع نظير إلى نظير، مما يسمح للأشخاص بتبادل الأموال دون المرور عبر أحد البنوك".
وتسخدم البيتكوين بشكل واسع اليوم كشكل من أشكال الاستثمار، حيث يكون مصطلح "أتش.أو.دي.إل" أو الاحتفاط بالعملة المشفرة عبارة عامية شائعة في الصناعة لوصف الشراء والاستمرار في الاستثمار في العملة الإلكترونية على المدى الطويل، و كثيرا ما يشار إليها باسم "الذهب الرقمي".
بينما الهدف الأساسي من "ليبرا" هو الاستخدام في المدفوعات عبر الحدود وتحويل الأموال، كما ترتبط العملة بسلة من العملات المدعومة من الحكومة وغيرها من الأصول، لتجنب التقلبات التي غالباً ما تظهر في العملات المشفرة مثل البيتكوين.
وكما يشار إليها من قبل الكثيرين في الصناعة بـ"العملة المستقرة"، تهدف "الليبرا" إلى الحفاظ على قيمة مستقرة.
وقال "ديفيد ماركوس"، المسؤول التنفيذي في "فيسبوك" إن "ليبرا" ستعمل "كعملة تقليدية" أكثر من كونها عملة مشفرة.
فيما أوضح "تشارلز هايتر"، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لمنصة مقارنة العملات الرقمية "كريبتو كمبار" أن البيتكوين والليبرا يمثلان مراحل تطور العملة ولكن بطرق مختلفة تمامًا.
وتابع "هايتر": "البيتكوين غير مسموح به، ولامركزية بالكامل، وانكماشية ومتقلبة، بينما الليبرا مسموح بها وأكثر مركزية ويحكمها العرض والطلب وترتبط بالعملات الورقية".
وما يعنيه "هايتر" بعبارة "تحكمه العرض والطلب" هو أن فيسبوك والشركات الشريكة لها يمكنها ضبط العرض ليتناسب مع كمية الأصول الأخرى المحتفظ بها كاحتياطي، مع الحفاظ بشكل فعال على سعر ثابت حتى عند تغير الطلب.
ومن جهة "البيتكوين" فإن لديها معروض ثابت، حيث أن الحد الأقصى لإجمالي عدد عملات البيتكوين التي سيتم إصدارها هو 21 مليون بيتكوين.
كما أوضح "ساديه مان" المسؤول بـ"ساجا" أن المعروض من البيتكوين ثابت ولا يمكن أن يستجيب لطلب السوق، في حين يتم إنشاء أو التخلص من الليبرا عندما يقوم أحد البائعين المعتمدين بإيداع أو سحب الأموال من الاحتياطي.
تساؤلات تنظيمية مختلفة
وسحبت عملة فيسبوك الضوء عند الحديث عن تنظيم العملات المشفرة، لكن البعض يشعر بالقلق من أن مشروع البلوكتشين الخاص بالشركة يمكن أن يتم وضعه من قبل المنظمين في نفس الفئة مع الأصول الرقمية الأخرى.
قد يكون ذلك مشكلة بالنظر إلى الفرق بين الليبرا والعملة المشفرة مثل البيتكوين، وفي حين تستبعد البيتكوين الحاجة إلى الوسطاء الماليين، فإن عملة فيسبوك تعتمد على الكيانات التي تشكل "مؤسسة الليبرا"، وفقاً لما قاله "فان فالكنبرج" من "كوين سنتر".
وأضاف أن نظام بدون وسطاء هو نظام بدون مخاطر الوساطة، وبالتالي لا حاجة إلى تنظيم يهدف إلى الحماية من أنواع المخاطر التي يمثلها الوسطاء.
وتتكون مؤسسة "الليبرا" حاليًا من 28 عضوًا مؤسسًا وتأمل أن تصل إلى 100 عضو بحلول وقت إطلاق العملة في النصف الأول من عام 2020.
وأشار "فان فالكنبرج" إلى أنه على الرغم من أن شبكة البيتكوين تتضمن ما يسمى "المنقبون على العملة" والذين يسجلون المعاملات، فليس من المنطقي تنظيمها لأنهم لا يعتبرون أمناء موثقون على أموال المستخدمين.
وأضاف أن تداولات ومحافظ العملة المشفرة من ناحية أخرى تتطلب رقابة تنظيمية.
كما أثيرت تساؤلات حول مدى توافق الليبرا مع اللوائح المالية الحالية في جلسة الاستماع بالكونجرس الأمريكي يوم الأربعاء.
وتم استجواب "ماركوس" بقوة بشأن ما إذا كان يمكن اعتبار "الليبرا" ورقة مالية لكنه ذكر أنه يمكن اعتبارها سلعة.
ومن جانبه قال رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصة "جاي كلايتون" في تصريحات العام الماضي إن العملات المشفرة مثل البيتكوين لا يمكن اعتبارها أوراق مالية، مشيراً إلى أنها هي "بدائل للعملات السيادية" مثل الدولار واليورو.
في حين يرى "هايتر" المسؤول بـ"كربتو كومبير" أنه بصرف النظر عن قدرة "فيسبوك" وشركاؤها على التغلب على العقبات التنظيمية التي رافقت الليبرا، فإن العملة سيكون لها بلا شك تأثير هائل على الاقتصاد العالمي وربما تتجاوز تأثير البيتكوين.
أما بالنسبة لـ"أندري براينت"، المدير التنفيذي للعمليات التجارية للعملات الأجنبية في "بيتفلير"، فيرى أن "ليبرا" يمكنها أن تبدأ في إقناع الأشخاص بأن هناك طرقًا أخرى لتخزين القيمة بدلاً من استخدام العملات الورقية مثل الدولار الأمريكي.
وأوضح: "إذا كان هذا هو كل ما ستحققه الليبرا، فأعتقد أنه سيكون خطوة كبيرة للأمام".