بين إلغاء العملة وعودتها.. 10 سنوات من معاناة زيمبابوي
من: سالي إسماعيل
مباشر: مع أزمة التضخم الجامح في زيمبابوي قبل عقد من الزمن كان إلغاء العملة المحلية هو الحل لكنها عادت اليوم مجدداً، ليبقى السؤال؛ هل يعني ذلك عودة الاقتصاد إلى طبيعته بل وحياة المواطنين كذلك؟.
وما بين إلغاء العملة وعودتها، مر حوالي 10 سنوات تخبطت خلالها الدولة الأفريقية في استخدام عملات أجنبية على رأسها الدولار الأمريكي وراند جنوب أفريقيا إضافة لمحاولات التعامل مع عملات رقيمة بديلة كان آخرها قبل أيام قليلة.
وبعد سنوات من توقف استخدام الدولار الزيمبابوي، أعلن بنك الاحتياطي في زيمبابوي عبر بيان نشر على موقعه الرسمي يوم الإثنين 24 يونيو/حريزان الجاري أن العملة المحلية أصبحت سارية المفعول على الفور.
وقرر البنك المركزي في زيمبابوي أنه لن يتم قبول العملات الأجنبية الأخرى من داخل القارة الأفريقية مع زيادة معدل الفائدة في البلاد إلى 50 بالمائة بدلاً من 15 بالمائة.
وبالعودة بالزمن إلى الوراء قليلاً، فإن التضخم في زيمبابوي تسارع إلى 500 مليار بالمائة في عام 2008، كما كانت أكبر ورقة بنكنوت بنكية صادرة قيمتها 100 تريليون دولار زيمبابوي؛ لتكون النتيجة قيام رئيس البلاد آنذاك "روبرت موغابي" في العام التالي بإلغاء العملة المحلية (الدولار الزيمبابوي) واستبدالها بسلة من العملات الأجنبية.
لكن مع أزمة حادة في توفير الدولار الأمريكي دفعت الأسعار لاتخاذ اتجاه تصاعدي مرة أخرى، قررت الحكومة إصدار عملات رقمية في عام 2016 تعرف باسم "بوند نوت" تكون قيمتها مكافئة للعملة الأمريكية لكن هذا الأمر لم يدم كثيراً مع تداولها في السوق السوداء (السوق غير الرسمية).
ومع حلول نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2017، تم عزل موغابي على آمال إنهاء حالة التردي الاقتصادي التي وصلت لها الدولة الأفريقية خلال فترة تواجده في السلطة البالغة 30 عاماً.
وبعد أسابيع قليلة، اختير "إمرسون منانغاغوا" رئيساً للبلاد إلا أن الاقتصاد لم يظهر أية إشارات على التعافي مع استمرار أزمة العملة، على الرغم من الوعود التي أبرمها عند فوزه بالانتخابات الرئاسية.
وفي أوائل يناير/كانون الثاني من هذا العام، تعهدت الحكومة الزيمبابوية بإدخال عملة جديدة في غضون فترة الإثنى عشرة شهراً المقبلة.
ومع حلول شهر فبراير/شباط الماضي، قرر البنك المركزي التخلص من عملات "بوند نوت" بناءً على طلب وزير المالية "مثولي نكوبي" مع تدشين وحدة أخرى جديدة تدمج كافة العملات الإلكترونية وتدعى دولار التسوية الإجمالية الآنية أو "أر.تي.جي.إس دولار" وتكون مكافئة لقيمة الدولار الأمريكي.
لكن هذه العملة الجديدة فقدت حوالي 69 بالمائة من قيمتها في الربع الحالي، بحسب البيانات التي جمعتها وكالة "بلومبرج".
ولا يجب أن يكون أياً من تلك الأمور مثيراً للدهشة، فعندما يفقد الأشخاص مدخرات حياتهم ويغرقون في الفقر دون أي خطأ من جانبهم، فإن آخر ما يريدون فعله هو الاعتماد على الحكومة التي كانت السبب في ذلك، وفقاً لتقرير "بروجيكيت سينديكيت".
وبسبب استمرارية انعدام ثقة المستهلكين والشركات إزاء النظام النقدي الخاضع لإدارة الدولة، فإن الدولار الجديد (دولار التسوية الإجمالية الآنية) فقد نحو خمس قيمته تقريباً خلال شهر من إدخاله، بحسب التقرير.
ويعيش اقتصاد هراري حالة من الفوضى، حيث يتم استيراد كل شيء تقريباً من الخارج مع نقص حاد في توافر السيولة النقدية إضافة لارتفاع تكلفة المعيشة مع تفشي البطالة.
وبحسب أحدث بيانات صادرة عن صندوق النقد الدولي، فإن اقتصاد الدولة الواقعة في جنوب أفريقيا نما بنسبة 4.7 بالمائة في عام 2017 بعدما سجل انكماشاً بنحو 17.67 بالمائة في عام 2008.
وكان معدل التضخم في زيمبابوي سجل 42.1 بالمائة في شهر ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي بحسب بيانات وكالة الإحصاءات الوطنية في زيمبابوي.
لكن مؤشر أسعار المستهلكين يحوم حالياً حول مستويات 100 بالمائة بعدما ارتفع بنسبة 97.85 بالمائة في الشهر الماضي، وهو ما يعني تسارع التضخم بما يكفي لإحداث ألم للعمال والشركات على حد سواء داخل البلاد إضافة لإثارة المخاوف من عودة عصر التضخم الجامح قبل عقد من الزمن.
وقبل الخطوة الأخيرة بشأن العودة مجدداً للدولار الزيمبابوي، طرح زميل آسيا جلوبال لعام 2018 في معهد آسيا العالمي "جورج لواندا" في رؤية تحليلية نشرها موقع "بروجيكت سينديكيت" حلاً محتملاً لأزمة زيمبابوي يتمثل في إصدار عملة إلكترونية تعتمد على تكنولوجيا البلوكشين.
ويرى "لواندا" أنه من شأن هذه العملة الرقمية التحايل على أزمة انعدام الثقة لدى المواطنين الزيمبابويين، كون الحكومة تمتلك تاريخ طويل من الإدارة المالية السيئة بالإضافة لعدم قدرتها على تحمل تكاليف الحبر اللازم لطباعة مزيد من الأوراق النقدية.
ويؤكد أن إصدار عملة حقيقية لن يمكن الدولة البالغ عدد سكانها حوالي 16 مليون نسمة، من التغلب على أزمتها المستمرة من العملة نظراً للافتقار إلى مصداقية الحكومة، لكن أفضل طريقة لإنعاش النمو الاقتصادي في زيمبابوي هي التخلي عن نظام نقدي تديره الحكومة.
وتعليقاً على مسألة العودة إلى الدولار الزيمبابوي، يقول الرئيس الجديد للبلاد إن حظر التعامل بالعملات الأجنبية كان بمثابة أمر هام لإعادة الحياة الطبيعية لاقتصادنا.
وأوضح منانغاغوا أن نظام العملات المتعددة ساهم في استقرار الاقتصاد لكنه لم يمنح زيمبابوي القدرة للسيطرة على السياسة النقدية كما جعلها تحت رحمة تسعير الدولار الأمريكي والذي كان سبباً جذرياً في إثارة التضخم.
في حين وصف عضو حركة المعارضة من أجل التغيير الديمقراطي في زيمبابوي خطوة تحويل "أر.تي.جي.إس دولار" للدولار الزيمبابوي رسمياً بأنها "جنون تام".
ويضيف النائب ديفيد كولتارت في تغريدة عبر حسابه الرسمي على "تويتر"، أن السوق تعاود مواءمة العملة مع الدولار الأمريكي بسبب فقدان الثقة في "أر.تي.جي.إس دولار".
وتابع: "لا يمكنك إجبار الناس على حب عملة.. سيؤدي ذلك إلى تفاقم الفوضى الحالية".
وتعادل قيمة الدولار الأمريكي الواحد 11 دولاراً زيمبابوي في السوق السوداء مقارنة مع المعدل الرسمي البالغ 6.2 دولار زيمبابوي، نقلاً عن تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي.بي.سي".
وفي المقابل، فإن مؤتمر نقابات العمال في زيمبابوي - وهو أكبر هيئة عمالية في البلاد - يهدد بإجراءات جماعية ما لم تتراجع الحكومة عن سياسة التحول إلى استخدام "أر.تي.جي.إس دولار" كعملة وحيدة للبلاد.
وطالب رئيس المؤتمر "بيتر موتاسا" الحكومة بالتراجع عن هذه السياسة المدمرة على الفور وإعلان عن دفع رواتب العمال بالدولار الأمريكي.