تحرير: سالي إسماعيل
مباشر: سيذكر التاريخ أن الأسبوع الماضي شهد تسجيل مستوى قياسي مرتفع آخر لمؤشر "ستاندرد آند بورز" في أحد أطول فترات السوق الصاعد بالنسبة للأسهم الأمريكية على الاطلاق.
ولكن ما لن يظهره التاريخ هو أن الأسواق المالية أصبحت أكثر اعتماداً على البنوك المركزية التي تواجه قدرتها على تحقيق الرخاء المستدام لكل من الاقتصاد والمستثمرين تحدياً بسبب مجموعة متنامية من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية والسياسة النقدية الأكثر تعقيداً.
وكل هذا يجعل البنوك المركزية أكثر عرضة للهجمات السياسية والتدخل المحتمل في استقلالها، بحسب رؤية تحليلية للاقتصادي محمد العريان نشرتها وكالة "بلومبرج أوبينيون" الأمريكية.
وتأتي القفزة التي دفعت مؤشر "ستاندرد آند بورز" لمستوى قياسي مرتفع جديد يوم الخميس الماضي قبل تراجع ضئيل (0.1 بالمائة) يوم الجمعة، على خلفية إشارات بشأن مزيد من زيادة تحفيزات السيولة من البنوك المركزية.
ولم يكن مستثمري الأسهم هم الوحيدون الذين شهدوا أسبوع جيد، حيث حقق مستثمرو الدخل الثابت مكاسب من كل من العوائد المنخفضة على السندات وهبوط علاوة المخاطر للسندات في الأسواق الناشئة وعلى الديون ذات الدرجة الاستثمارية والعائد المرتفع.
وفي الوقت نفسه، ولتسليط الضوء على المزيج غير المعتاد من المكاسب المتزامنة في الأسعار، وصل الذهب إلى أعلى مستوى في نحو خمس سنوات كما تمكن النفط من محو جميع خسائره في يونيو/حزيران الجاري بارتفاع 3 بالمائة يوم الجمعة وحده.
كما أنهت عملة البيتكوين الإلكترونية الأسبوع فوق السعر المهم البالغ 10 الآف دولار.
وباستثناء النفط، والذي كان يستجيب للتوترات في الشرق الأوسط، فإن كان هناك عاملاً وحيداً هو المسؤول عن كافة التحركات الأخرى في كل من فئات الأصول الخطرة ومنخفضة المخاطر.
ومع تصريحات سابقة مشابهة من بنك اليابان والبنك المركزي الأوروبي وبنك الشعب في الصين، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي أشار لاستعداده وقدرته على فعل المزيد من التحفيز النقدي.
وتسارعت الأسواق مرة أخرى لإعادة تسعير خفض المسار بأكمله لمعدلات السياسة في غالبية العالم المتقدم كما صعدت توقعات السوق بشأن احتمالية تيسير سياسات الميزانية العمومية للبنك المركزي.
وبالنظر إلى السنوات الأخيرة المربحة والمتمثلة في وضع المحفظة الاستثمارية على أساس سيولة البنك المركزي الوفيرة والقابلة للتنبؤ، كانت تلك الإشارة وحدها كافية للأسواق كي تتجاهل ما سيكون مصدر قلق تقليدي على أربع جبهات مختلفة.
التوترات الجيوسياسية
عمقت الأنباء بأن الرئيس دونالد ترامب ألغى ضربة جوية عسكرية ضد إيران في اللحظة الأخيرة تقريباً، المخاوف بشأن تصعيد التوترات في الشرق الأوسط.
ولا يظهر أياً من الطرفين أياً من نوايا نزع فتيل التوترات، حيث أثارت إيران تصعيداً في لهجتها في عطلة نهاية الأسبوع بينما أعلنت الولايات المتحدة أنها قد تشدد العقوبات ضد طهران.
عدم اليقين التجاري
وتضاف هذه التوترات الجيوسياسية إلى لعبة الشطرنج السياسية المرتبطة بالنزاع التجاري بين الصين والولايات المتحدة.
وتراجعت آمال السوق في تحقيق انفراجة تجارية خلال قمة مجموعة العشرين في اليابان هذا الأسبوع، وذلك قبيل المحادثات المباشرة بين ترامب ونظيره الصيني، حيث أدرجت الولايات المتحدة خمسة كيانات صينية إضافية بالقائمة السوداء.
مزيد من الضعف الاقتصادي
ويأتي كل هذا في سياق بيانات جديدة تظهر الضعف الاقتصادي في العالم المتقدم.
وشمل ذلك بيانات ضعيفة بشأن المصانع في الولايات المتحدة، والتي أضيفت للمخاوف بشأن نشاط المصانع الآخذ في التراجع في أوروبا واليابان إضافة لزيادة خطر حدوث انكماشاً اقتصادياً يتغذى ذاتياً في جميع أنحاء العالم.
وتراجع نشاط الصناعات التحويلية، كما هو مقاس من قبل مسح إمباير ستيت الصادرة عن مجلس الاحتياطي في ولاية نيويورك، بوتيرة سنوية 26 نقطة مسجلاً أدنى مستوياته في 3 سنوات تقريباً كما يبعد كثيراً عن إجماع التوقعات البالغة هبوطاً بنحو 7 نقاط.
كما لا يزال مؤشر مديري المشتريات الألماني عالقاً في منطقة الانكماش في النشاط في حين أن بيانات اليابان المعلنة كانت الأضعف في حوالي 3 سنوات.
تناقضات السياسة المحتملة
كل ذلك يحتمل أن يضاعف من مخاطر مزيج السياسة غير المتوازن في الوقت الحالي في معظم العالم المتقدم.
وفي الحقيقة، كان شعور البنوك المركزية بأنها مضطرة للتدخل بتحفيز إضافي بمثابة تذكرة بأن صناع السياسة الآخرين الذين لديهم أدوات أكثر ملاءمة للتخلص من معوقات الاستقرار المالي على المدى الطويل والنمو الاقتصادي المرتفع والشامل لا يزالون بعيداً عن الأزمة.
ولا يبدو أن بنك اليابان والبنك المركزي الأوروبي وبنك الاحتياطي الفيدرالي على استعداد لرؤية العملة ترتفع في وقت هشاشة الاقتصاد.
وعلى هذا النحو، فإن "السباق لأسفل" من حيث التحفيز النقدي - مع كل التكاليف والمخاطر التي تتضمنها على المدى المتوسط - ليست استجابة سياسية منسقة ولكنها تبدو أشبه ما تكون بضرر ضروري.
وعلى وجه التحديد في ضوء التكييف المتكرر من جانب البنوك المركزية، كان المستثمرون محقين في الاحتفال الأسبوع الماضي بإشارات استمرار استعداد البنوك المركزية الكبرى وقدرتها على توفير سيولة استثنائية.
لكن من الخطأ تجاهل الظروف والدوافع الأساسية، حيث يستطيع الشخص الجيد ركوب موجة طويلة وثابتة ولكنه يعرف كذلك متى يجب مغادرتها قبل الانهيار.