تحرير: نهى النحاس
مباشر: يكمل هذا الشهر التعافي الاقتصادي الأمريكي الذي بدأ في يونيو/حزيران 2009 عامه العاشر على التوالي.
وآنذاك، شكل الوصول للقاع بالنسبة لنشاط الشركات نهاية الكساد الكبير الذي حدث في أعقاب الأزمة المالية العالمية في 2007-2008، ليستمر النمو الحالي وبشكل مطرد منذ هذا الوقت.
ويشير مقال نشرته صحيفة "الجارديان" إلى أن أفضل تفسير لطول ذلك التعافي هو أمر بسيط وهو أن الركود العظيم كان أسوأ دورة هبوطية في الولايات المتحدة منذ ثلاثينات القرن الماضي، وكلما كانت الهوة سحيقة كلما زاد الوقت اللازم للقفز خارجها.
ولكن التوسع الأمريكي طويل الأمد يشير إلى بعض القضايا الهامة المرتبطة بكيفية قياس الدول لدورات الأعمال والكساد الاقتصادي.
ومبدئياً، فإن التعافي المستمر منذ 10 سنوات هو أمر جدير بالاهتمام، وبافتراض أن الولايات المتحدة ليست حالياً في حالة ركود جديد غير معلوم فإن التعافي الراهن وصل لنفس مدة النمو الاقتصادي في الفترة بين مارس/آذار 1991 وحتى مارس/آذار 2001 وهو الأطول على مدار التاريخ.
ولكن هذا النمو الأمريكي يظل بعيداً عن أن يكون أطول نمو على مستوى العالم، حيث يذهب هذا اللقب إلى أستراليا والتي يستمر تعافيها الاقتصادي الذي بدأ منذ منتصف 1991 حتى الآن ليكمل قريباً عامه الـ28.
هناك طريقتين لقياس النمو الاقتصادي
وأستراليا وغيرها من الدول التي تؤرخ لتوسعها الاقتصادي غالباً ما تستخدم القاعدة التي تعرف الركود الاقتصادي كفترة فصلين أو أكثر متعاقبين من انكماش الناتج المحلي الإجمالي.
والولايات المتحدة هي تقريباً الدولة الوحيدة التي تستخدم مؤشر يتضمن العمالة ومؤشرات اقتصادية متنوعة أخرى بالإضافة إلى المعيار الأساسي للناتج الإجمالي المحلي، واليابان أيضاً تنصرف عن قاعدة الفصلين وتأخذ في الاعتبار مؤشرات أخرى.
والذروة والقاع في الاقتصاد الأمريكي يتم تأريخها بواسطة لجنة تأريخ دورة الأعمال داخل المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، ويُنظر إلى بيانته على أنها رسمية، حيث تعتمد وزارة التجارة والوكالات الحكومية الأخرى على تقاريرها وتحليلاتها للبيانات الاقتصادية.
ما الفرق بين الطريقتين؟
ويمكن أن يتسبب اختيار الطريقة التي تؤرخ لدورات الأعمال في إحداث اختلافات كبيرة، ولدى الاقتصاد الإيطالي على سبيل المثال تجارب عديدة من الركود المنفصل منذ 2008 وفقاً لمعيار الربعين المتتاليين، لكنه مر بركود واحد طويل إذا استخدمنا معيار البيانات الأخرى.
وقاعدة الربعين المتتاليين لها مزايا وعيوب مقارنة بالوسيلة التي يستخدمها المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية والتي يكون لديها اتجاه ميكانيكي أقل.
ومن ضمن تلك المميزات هي أنها تبدو موضوعية بشكل أكبر، أما السبب الثاني هو أن الجمهور يعلم بشأن حدوث نقطة تحول دورية مع تأخر بضعة أشهر أي بالسرعة التي يتم بها جمع إحصاءات الناتج الإجمالي المحلي.
وفي المقابل فإن الطريقة الأخرى تنتظر لعام أو أكثر بعد حدوث التحول في اتجاه الاقتصاد حتى يتم جمع كافة البيانات قبل الإعلان عن وقوع التحول، وبالتالي يصبح إعلانها مثار سخرية واجبة نتيجة لهذا التأخر.
في حين أن أحد أكبر عيوب طريقة الفصلين المتتاليين هو أن أرقام الناتج الإجمالي المحلي عادة ما يتم مراجعتها لاحقاً، ما قد يتطلب المراجعة بأثر رجعي لنقاط التحول في الدورة الاقتصادية.
وعلى سبيل المثال فإن ركود المملكة المتحدة في 2011-2012 تم محوه من السجلات حينما تمت مراجعة أرقام الناتج الإجمالي المحلي في يونيو/حزيران 2013.
والسبب في انتظار الهيئة الأمريكية وقتاً طويلاً قبيل تأريخ حدوث الذروة أو القاع هو رغبتها في أن تكون متأكدة على نحو معقول من أنها لن تراجع توقعاتها في المستقبل.
وكذلك فإن اليابان تنتظر عام أو ما نحو ذلك قبل أن تكشف عن مثل تلك الإعلانات.
كما أن هناك سبباً أساسياً آخر يدعو لتجنب طريقة الفصلين المتتاليين، وهو أن بعض الدول تواجه تباطؤا حادا أو فترات من النشاط الاقتصادي المتناقص ومع ذلك فإن معدلاتهم للنمو على المدى الطويل إما أن تكون مرتفعة جدًا أو منخفضة جدًا بحيث لا تدرك قاعدة النمو السلبي ما هو مطلوب لوصف حالة الاقتصاد.
ولنضرب مثلاً بدولة يمكن أن يسفر قانون الانكماش لربعين متتاليين عن "فترات ركود" متكررة بشكل مفرط.
وفي اليابان ينخفض عدد السكان ونمو الإنتاجية أقل بكثير مما كان عليه الحال، وبالتالي بلغ متوسط نمو الناتج المحلي في البلاد 1 بالمئة فقط سنوياً على مدار العقود الأخيرة.
ونتيجة لذلك فإن حتى فترات التقلبات البسيطة يمكن أن تحول نمو الناتج الإجمالي المحلي نحو النطاق السالب.
ومن شأن استخدام قاعدة الربعين المتتاليين أن توضح أن اليابان شهدت سبع فترات ركود بين عامي 1993 و2015 أو ما يعادل فترة واحدة كل ثلاث إلى أربع سنوات.
والآن يجب التفكير في المشكلة المعاكسة، وهي حينما ينتج عن قاعدة الفصلين فترات ركود نادرة.
ومما لاشك فيه أن معظم نجاح أستراليا يمكن نسبه إلى تبنيها إصلاحات هيكلية منذ ثمانينيات القرن الماضي، وانفتاحها على التجارة وتحولها نحو تحرير سعر الصرف.
لماذا أستراليا هي صاحبة أطول فترة توسع اقتصادي
ورغم ذلك فإن هناك سبب واحد في تحقيق أستراليا فترات نمو اقتصادي دون انقطاع لمدة 28 عاماً وهو أن الكثافة السكانية والقوة العاملة تنمو أسرع مما هي عليه في الولايات المتحدة والدول المتقدمة خاصة في أوروبا وشرق آسيا.
وعلى نحو مشابه لم تعاني الصين من ركود منذ 26 عاماً، وعلى الرغم أن أداء الاقتصاد كان مذهلاً، إلا أنه عانى أيضاً خلال فترة الكساد الكبير.
ومع ذلك فإن تراجع النمو الاقتصادي بنحو 8 بالمئة لينخفض من 14 بالمئة في 2007 حتى 6 بالمئة في 2009، لم يكن سبباً كافياً لدفع الناتج المحلي للانكماش، والسبب بالطبع هو أن اتجاهها للنمو كان بمعدلات مرتفع للغاية نتيجة لنمو الإنتاجية السريع.
وبافتراض استمرار التوسع الاقتصادي الأمريكي الحالي في يوليو/تموز المقبل فإنه سيحطم المستوى القياسي الذي سجله في الفترة من 1991 وحتى 2001.
ولكن في حالة أن كانت دورات الأعمال الأمريكية مصممة بالطريقة التي تطبقها معظم الدول الأخرى فإن الركود الذي سجلته في الفترة من مارس/آذار وحتى نوفمبر/تشرين الثاني كان سيتلاشى (لم يتضمن حدوث انكماش اقتصادي لربعين متتاليين وإنما انكماش لفصلين يفصل بينهما أخر إيجابي).
وتحت هذا التفسير فإن الرقم القياسي لنمو الاقتصاد الأمريكي سيصبح 17 عاماً من الربع الأول لعام 1991 وحتى الربع الأخير من 2007، وبالتالي سيبقى أمام الانتعاش الحالي فترة طويلة ليحطم الرقم القياسي.