تحرير: سالي إسماعيل
مباشر: هل التقشف هو الحل عند حدوث ركوداً اقتصادياً؟، هذا التساؤل يفرض نفسه بصورة ملحة في الآونة الأخيرة وسط انعكاس منحنى عائد السندات مجدداً في إشارة لركود يلوح في الأفق.
وتأتي الإجابة على لسان أستاذ في الاقتصاد السياسي بجامعة وارويك وزميل الأكاديمية البريطانية في التاريخ والاقتصاد "روبرت سكيدلسكي" وذلك خلال رؤية تحليلية نشرها موقع "بروجيكيت سينديكيت".
وعاد ألبيرتو أليسينا الأستاذ بجامعة هارفارد إلى النقاش بشأن العجز في الموازنة والتقشف والنمو الاقتصادي.
وبالعودة لعام 2010، فإن أليسينا أبلغ وزراء المالية الأوروبيين أن العديد من التخفيضات الحادة في عجز الموازنة صاحبه وأعقبه على الفور نمواً اقتصادياً مستداماً بدلاً من الركود الاقتصادي حتى في المدى القصير للغاية.
متى ينجح؟ ومتى لا؟
وفي الوقت الحالي، مع الزميلين الاقتصاديين" كارلو فافيرو" و"فرانشيسكو جيافازي"، كتب أليسينا كتاباً جديداً بعنوان "التقشف: متى ينجح؟ ومتى لا ينجح؟"، والذي حصل مؤخرًا على مراجعة إيجابية من زميله في جامعة هارفارد "كينيث روجوف".
كتاب جديد ونغمة قديمة، حيث أن خلاصة رأي المؤلفين هي أنه في حالات معينة تكون تكلفة الإنتاج المباشرة من خفض الإنفاق يتم تعويضها من الزيادات في المكونات الأخرى للطلب الكلي.
والمغزى هو أن التقشف - خفض عجز الموازنة وليس التوسع فيه - قد يكون السياسة الصحيحة في حالة حدوث ركوداً اقتصادياً.
وكان العمل السابق لـ"أليسينا" في هذا المجال مع "سيلفيا أردنا" تعرض لانتقادات من قبل صندوق النقد الدولي وغيره من الاقتصاديين بسبب الاقتصاد الإحصائي الخاطئ والاستنتاجات المبالغ فيها.
كما أن هذا الكتاب الجديد والذي يقوم بتحليل 200 خطة تقشف تم تطبيقها في سنوات متعددة وتم تنفيذها في 16 دولة من الدول التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خلال الفترة بين عامي 1976 و2014، ستجعل بكل تأكيد الأرقام إشكالية هامة.
العلاقة السببية
لكن هذه ليست النقطة الأساسية، حيث أن العلاقة ليست سببية، ولا يخبرنا الارتباط بين تراجع التقشف المالي والنمو الاقتصادي شيئاً حول العلاقة الرئيسية بينهما.
والسؤال؛ هل يؤدي تقليص العجز إلى نمو اقتصادي أم أن النمو الاقتصادي يتسبب في تقلص العجز؟ لا يستطيع كافة الاقتصاديين الإحصائيين حول العالم إثبات أن أحدهما يسبب الآخر أو أن كلاهما قد لا يكونا نتيجة لشيء آخر.
وببساطة هناك الكثير من المتغيرات المهملة، وهي الأسباب المحتملة لأياً من النتائج أو كلاهما.
ودائماً تبدأ "الدلالات الإحصائية" كما هي معروفة، بنظرية العلاقة السببية والتي تشهد تكييف البيانات من أجل الحصول على النتيجة التي يريدها صاحب النظرية.
وتقوم نظرية أليسينا على اثنين من الركائز، الأول هو أنه في حالة استمرار العجز فإن الشركات والمستهلكين سوف يتوقعون ضرائب أعلى وبالتالي سيقومون باستثمار واستهلاك أقل.
وعلى الجانب الآخر، فإن خفض الإنفاق يشير لضرائب أقل في المستقبل ومن ثم يؤدي لتحفيز الاستثمار والاستهلاك.
أما السبب الثاني وهو دعامة تكميلية تتمثل في افتراض أن الديون العام الآخذة في الارتفاع تدفع المستثمرين لتوقع التعثر عن سداد الديون.
ويفرض هذا التوقع زيادة معدلات الفائدة على السندات الحكومية ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض الإجمالية.
ويمكن أن يؤدي التقشف عبر وقف زيادة الديون إلى خفض كبير في معدلات الفائدة وبالتالي القدرة على زيادة الاستثمار.
ولا يمكن النظر إلى هذه الحالة التكميلية كقاعدة عامة، فإذا كان لدى دولة ما البنك المركزي الخاص بها وأصدرت عملتها الخاصة بها، فإن الحكومة تستطيع أن تتحكم في معدلات الفائدة كما تريد من خلال إصدار أوامرها للبنك المركزي بطباعة النقود.
معدلات الفائدة
وفي هذه الحالة، فإن معدلات الفائدة المنخفضة لن تكون نتيجة التقشف ولكن بدلاً من ذلك بسبب التوسع النقدي.
وبالطبع، فإن هذا ما حدث مع برامج التيسير الكمي في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو.
وظلت معدلات الفائدة في مستويات متدنية لسنوات مع قيام البنوك المركزية بضخ مئات المليارات من الدولارات والإسترليني واليورو في اقتصاداتهم.
إذن الفكرة الأساسية لـ"أليسينا" تتلخص في: الالتزام القوي بخفض الإنفاق العام اليوم سيعزز الإنتاج عبر التخلص من تكهن فرض ضرائب أعلى في الغد.
والحجة نفسها تشرح، من وجهة نظر "أليسينا"، سبب أنه من الأفضل تقليص العجز عبر خفض الإنفاق بدلاً من زيادة الضرائب.
وتعالج مسألة خفض الإنفاق مشكلة النمو التلقائي لاستحقاقات الرفاهية وبرامج الإنفاق الأخرى في حين لا تقوم الزيادات الضريبية بذلك.
كينز VS أليسينا
وكتب أليسينا: الاقتصاد الكلي الحديث يؤكد أن قرارات الأشخاص بشأن ما يجب القيام به اليوم تتأثر بتوقعاتهم حيال ما سيحدث في المستقبل.
وأدرك كذلك "جون ماينارد كينيز" أهمية التوقعات، حيث ينسب إليه جون هيكس إدخال طريقة التوقعات في علم الاقتصاد.
ومع ذلك فإن خريطة التوقعات الخاصة بكينز كانت مختلفة تماماً عن خريطة "أليسينا".
ولا يُشكل المستثمرين من وجهة نظر كينز توقعاتهم من خلال النظر في عجز الحكومة وحساب الآثار التي سوف تشهدها في فواتيرها الضريبية بالمستقبل، بل أنهم في الواقع لا يلاحظون العجز على الإطلاق.
لكن ما يلاحظونه حقاً هو حجم أسواقهم، فبالنسبة لـ"كينز"، فإن قرارات المستثمرين لخلق وظائف يعتمد على دخلهم المتوقع من زيادة معدل التشغيل.
ويقلل الاتجاه الهابط في الاقتصاد من عائدات المبيعات المتوقعة، ما يجعلهم يقومون بعمليات تسريح للعمال.
ويعني الخفض في الإنفاق الحكومي أنه يمكنهم توقع مبيعات أقل ما يتسبب في تسريح المزيد من العمال وبالتالي تعميق الركود الاقتصادي.
وعلى النقيض من ذلك، فإن زيادة الإنفاق الحكومي أو التحفيضات الضريبية تزيد من توقعات المبيعات وبالتالي تعكس اتجاه الاتجاه الاقتصادي الهابط.
وعلى سبيل المثال، فإنه إذا تراجع الطلب على السيارات فإن عدد قليل من تلك المركبات سيتم بيعه وبالتالي عدد أقل من العمال سيتم توظيفه في صنعها.
أما إذا قامت الحكومة بزيادة الإنفاق على الأعمال العامة، فإن هذا لن يؤدي لتوظيف مزيد من العمال مباشرة فحسب ولكنه كذلك سيؤدي لزيادة الطلب على السيارات، وبالتالي سينمو الاقتصاد بوتيرة تتجاوز زيادة الإنفاق الحكومي ما يؤدي لتقليص العجز.
وبعبارات بسيطة للغاية، نحن لدينا اثنين من النظريات المتناقضة بشأن السياسة المالية الملائمة في حالة الركود الاقتصادي.
يقول كينز إن التخفيض المعلن في الإنفاق العام يشير إلى رجال الأعمال إلى أنه سيتم خفض دخلهم بسبب أن عدد أقل من الأشخاص سيقوم بشراء السلع والخدمات التي ينتجونها.
لكن أليسينا يقول إن الخفض المعلن في الإنفاق العام يشير إلى رجال الأعمال إلى أنه بمقدرتهم توقع ضرائب أقل في الغد وبالتالي سينفقون المزيد اليوم.
ويقول الكاتب إنه يجب على القارئ تحديد النظرية التي يجدها أكثر منطقية، مع الإشارة إلى تفضيله الشخصي للتوصيف المذكور في الكتاب الأخير "التقشف: 12 خرافات مكشوفة": "التقشف أداة من.. المصالح المالية وليس حلاً للمشاكل التي تسببها هذه المصالح".